مقالاتمقالات المنتدى

«يوم عرفة.. فضائله وخصائصه»

«يوم عرفة.. فضائله وخصائصه»

 

بقلم أ. د. كامل صبحي صلاح “أستاذ الفقه وأصوله” (خاص بالمنتدى)

 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:

فإنّ من أيام الله تعالى الفاضلة المباركة يوم عرفة، وهو يوم فيه من الخصائص والمميزات والمكرمات ما ليس في غيره من سائر الأيام، فهو يوم تُجاب فيه الدعوات، وتُقال فيه العثرات، ويباهي الله تبارك وتعالى فيه الملائكة بأهل عرفات، وهو يوم عظَّم الله جلّ وعلا أمره، وقدره ومنزلته ومكانته على باقي الأيّام، وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، وهو يوم مغفرة الخطايا والذنوب وهو يوم العتق من النيران.

وإنّ يوماً عظيماً كيوم عرفات يتميّز بهذه المميزات جدير بنا أن نعرف فضائله ومنزلته وخصائصه، وإنّ من هذه الفضائل وتلك الخصائص ما يلي:

 

– متى يوافق يوم عرفة:

يوم عرفة هو اليوم الذي يوافق التاسع من شهر ذي الحجة، وهو اليوم الذي يقف الناس فيه على جبل عرفات.

 

– فضائل يوم عرفة:

إنّ يوم عرفة له عظيم الفضل والمكانة، وإنّ من تلك الفضائل:

– إنّ صوم يوم عرفة يكفّر ذنوب سنتين – سنة ماضية وسنة باقية، لحديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه:أنَّ رسول الله ﷺ سُئِلَ عن صَومِ يومِ عَرَفةَ، فقال: «كفّارةُ سَنتَينِ، وسُئِلَ عن صَومِ يومِ عاشوراءَ، فقال: كفّارةُ سَنةٍ» «أخرجه مسلم،(١١٦٢)».

وفي رواية عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه:أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ سُئل عن صومِ يومِ عرفةَ فقال:«يُكفِّرُ السَّنةَ الماضيةَ والباقيةَ، وسُئل عن صومِ يومِ عاشوراءَ فقال: يُكفِّرُ السَّنةَ الماضيةَ» «التمهيد، ابن عبد البر، (٢١‏/١٦٢)، إسناده حسن صحيح».

وفي رواية عن أبي قتادة الحارث بن ربعي: قال له رَجُلٌ: أرَأَيتَ صيامَ عَرَفةَ؟ قال: أحتسِبُ عندَ اللهِ أنْ يُكفِّرَ السَّنةَ الماضيةَ والباقيةَ، قال: يا رسولَ اللهِ، أرَأَيتَ صَومَ عاشوراءَ؟ قال: أحتسِبُ عندَ اللهِ أنْ يُكفِّرَ السَّنةَ..».

‏«أخرجه مسلم (١١٦٢) مطولًا، والنسائي في «السنن الكبرى» (٢٧٩٦) باختلاف يسير، وأحمد (٢٢٦٢١) واللفظ له

شعيب الأرنؤوط، تخريج المسند(٢٢٦٢١)، إسناده صحيح على شرط مسلم».

 

– يوم عرفة يوم إكمال الدين وإتمام النعمة؛ لحديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه:«أنَّ رَجُلًا، مِنَ اليَهُودِ قالَ له: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ في كِتابِكُمْ تَقْرَؤُونَها، لو عَلَيْنا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لاتَّخَذْنا ذلكَ اليومَ عِيدًا. قالَ: أيُّ آيَةٍ؟ قالَ:{اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} [المائدة:٣] قالَ عُمَرُ: قدْ عَرَفْنا ذلكَ اليَومَ، والمَكانَ الذي نَزَلَتْ فيه على النبيِّ ﷺ، وهو قائِمٌ بعَرَفَةَ يَومَ جُمُعَةٍ» «أخرجه البخاري (٤٥) واللفظ له، ومسلم (٣٠١٧)».

 

– يوم عرفة يومٌ من أعياد أهل الإسلام؛ لحديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يومُ عرفةَ ويومُ النحرِ وأيامُ التشريقِ عيدنا أهلَ الإسلامِ، وهيّ أيامُ أكلٍ وشربٍ»

«أخرجه أحمد (١٧٣٧٩) باختلاف يسير، وأبو داود (٢٤١٩)، والترمذي (٧٧٣)، والنسائي (٣٠٠٤)».

 

– يوم عرفة يومٌ أقسم الله تعالى به: وإنّ من المقرر المعلوم أنّ العظيم لا يقسم إلا بعظيم، فهو اليوم المشهود في قول الله تعالى:{وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } (البروج:3).

وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه:أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«اليومُ الموعودُ يومُ القيامةِ، واليومُ المشهودُ يومُ عرفةَ، والشاهدُ يومُ الجُمُعةِ، وما طَلَعَتِ الشمسُ ولا غَرَبَتْ، على يومٍ أفضلَ منه، فيه ساعةٌ لا يوافقُها عبدٌ مسلمٌ يَدْعُو اللهَ بخيرٍ إلا استجاب اللهُ له، ولا يستعيذُ من شرٍّ إلا أعاذه اللهُ منه» «أخرجه الترمذي (٣٣٣٩)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (١٠٨٧) باختلاف يسير، والبزار (٩٥٩١) مختصرًا،

والألباني، صحيح الجامع (٨٢٠١)صحيح».

 

– يوم عرفة يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف، لحديث عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُباهِي بهِمُ المَلائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرادَ هَؤُلاءِ؟»

«أخرجه مسلم (١٣٤٨)». ونرجو أن يكون العتق من النار عامّاً لجميع المسلمين، فرحمته جلّ وعلا واسعة، وفضله عظيم.

 

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في لطائف المعارف:«فيعتق الله تعالى من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين فلذلك صار اليوم الذي يليه عيداً لجميع المسلمين في جميع أمصارهم من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده لاشتراكهم في العتق و المغفرة يوم عرفة، وإنّما لم يشترك المسلمون كلّهم في الحجّ كلّ عام رحمة من الله تعالى وتخفيفاً على عباده، فإنّه جعل الحجّ فريضة العمر لا فريضة كلّ عام، وإنّما هو في كلّ عام فرض كفاية، بخلاف الصيام فإنّه فريضة كلّ عام على كلّ مسلم، فإذا كمل يوم عرفة وأعتق الله تعالى عباده المؤمنين من النار اشترك المسلمون كلّهم في العيد عقب ذلك وشرع للجميع التقرّب إليه بالنسك، وهو إراقة دماء القرابين، فأهل الموسم يرمون الجمرة فيشرعون في التحلّل من إحرامهم بالحج و يقضون تفثهم ويوفون نذورهم ويقرّبون قرابينهم من الهدايا ثم يطوفون بالبيت العتيق وأهل الأمصار يجتمعون على ذكر الله تبارك وتعالى وتكبيره والصلاة له».

«لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف، الحافظ ابن رجب الحنبلي، (ص:276)».

 

– يوم عرفة يوم يباهي الله تعالى بأهل عرفات أهل السماء؛ لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّ اللهَ يُباهي بأهلِ عرفاتٍ أهلَ السَّماءِ فيقولُ لهم انظُروا إلى عبادي جاءوني شُعْثًا غُبْرًا» «صحيح الترغيب (١١٣٢)، الألباني، صحيح».

وقال الحافظ ابن عبد البرّ:«وهذا يدلّ على أنهم مغفور لهم؛ لأنه لا يباهي بأهل الخطايا والذنوب إلا من بعد التوبة والغفران»  «التمهيد، لابن عبد البر،(1/120)».

 

– يوم عرفة يوم يُستحبّ فيه الإكثار من الدعاء بالمغفرة والعتق من النيران، لأنه يوم يُرجى فيه إجابة الدعاء،

ففي الحديث عن جد عمرو بن شعيب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«خيرُ الدُّعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيُّون مِن قَبلي لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له له الملكُ له الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ» «المنذري، الترغيب والترهيب (٢‏/٣٤٥)[إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما]، أخرجه الترمذي (٣٥٨٥)، والمخلص في «المخلصيات» (١٤٣٧)».

 

وقال الحافظ ابنُ عبد البرّ:«وفيه من الفقه أنّ دعاء يوم عرفة أفضل من غيره، وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره، … وفي الحديث أيضاً دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب، وفيه أيضاً أنّ «أفضل الذكر لا إله إلا الله …».

 

– يوم عرفة هو اليوم الذي أخذ الله تبارك وتعالى فيه الميثاق على ذرية آدم عليه الصلاة والسلام، ففي الحديث عن عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إنّ اللهَ أخَذَ الميثاقَ مِن ظهرِ آدَمَ عليه السلام بنَعْمانَ- يَعْني: عرَفةَ- فأخرَجَ مِن صُلبِه كلَّ ذرِّيَّةٍ ذرَأَها، فنثَرَها بينَ يدَيْه، ثمَّ كلَّمَهم قِبَلًا، قال:{ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا} [الأعراف:١٧٢]. إلى قولِه: {المُبْطِلُونَ} [الأعراف: ١٧٣]..» «أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» (١١١٩١)، وأحمد (٢٤٥٥) واللفظ له، شعيب الأرنؤوط، تخريج شرح الطحاوية (٣٠٣)،إسناد على شرط مسلم».

 

– حكم صيام يوم عرفة إن وافق يوم الجمعة أو السبت؟

يُشرع صوم يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة أو يوم السبت، ولا يُشترط صوم يوم قبله أو بعده، لأنّ صوم يوم عرفة عبادة ذات سبب وسنّة مستقلّة، لذا ينبغي للعبد أن يستثمر مثل هذه المواسم الطيبة المباركة، فهي مواسم الطاعات والبركات والخيرات، ومغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، وعندما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة أجاب بأنّ صيامه يكفّر ذنوب سنتين، السنة الماضية، والسنة الآتية، فالموفق من وفّق لصيامه، وأعانه الله تعالى على ذلك.

 

– حكم من صام يوم عرفة بقصد التطوع وعليه قضاء أيام من شهر رمضان المبارك؟

إنّ من صام يوم عرفة بقصد التطوع وعليه أيام من شهر رمضان المبارك، فصيامه صحيح على الراجح من أقوال أهل العلم، والمشروع له ألا يؤخر قضاء الواجب؛ لأنه قد يعرض له عارض يمنعه من قضاء الفائت الواجب، لأنّ الفرض مقدّم على النافلة، وهو أولى بالصيام من النافلة.

 

– حكم صيام يوم عرفة للحاج؟

لا يُشرع للحاج صيام يوم عرفة، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصمه في عرفات، ونهى عن صومه، والأصل في النهي التحريم. ففي الحديث عن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: دخلتُ على أبي هُرَيْرةَ في بَيتِهِ فسألتُهُ عن صَومِ يومِ عرفةَ بعرفاتٍ فقالَ:«نَهى رسولُ اللهِ ﷺ عن صَومِ يومِ عرفةَ بعرفاتٍ» «أحمد شاكر، مسند أحمد (١٥‏/١٨٠)،إسناده صحيح».

وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن صَومِ يومِ عرفةَ بعرفةَ». «السيوطي، الجامع الصغير(٩٤٥٦)صحيح».

 

– حكم صيام أيام التسع من ذي الحجة؟

يُشرع ويُستحبّ صيام الأيام التسع الأول من شهر ذي الحجة، لكونها من جملة الأعمال الصالحة الواردة في حديث عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنّ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال:«ما مِن أيّامٍ العَمَلُ الصّالِحُ فيها أحَبُّ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ مِن هذه الأيّامِ -يَعني أيّامَ العَشرِ-. قال: قالوا: يا رَسولَ اللهِ، ولا الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ؟ قال: ولا الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ، إلّا رَجُلًا خرَجَ بِنَفْسِهِ ومالِهِ، ثم لم يَرجِعْ مِن ذلك بِشَيءٍ» «أخرجه أحمد في مسنده (١٩٦٨)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين». وهي من الأزمنة التي تفضل فيها الأعمال بشتى أنواعها وصورها، وإنّ محلّ إتفاق لدى الأئمة الأربعة، الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، كما هو مقرر وثابت في كتب الفقهاء، حيث قالوا: «ويُستحَبُّ صَومُ الأيَّامِ الثَّمانِيَةِ الأُوَلِ مِن شهرِ ذي الحِجَّة، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة، والمالكيَّة، والشَّافِعيَّة، والحَنابِلة، وهو قول الظَّاهرية». «الفتاوى الهندية (1/201)، وحاشية الدسوقي،(1/515،516)، والمجموع، للنووي (6/386)، وكشاف القناع، للبهوتي (2/338)، والمحلى، لابن حزم (7/19)».

واستدلّوا على ذلك بحديث عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما سالف الذكر.

وقال الإمام النووي عن صوم أيام العشر:«أنّه مُستحّب استحباباً شديداً».

هذا ما تيسر ايراده، نسأل الله جل وعلا أن ينفع به، وأن يجعله من العلم النافع والعمل الصالح، والحمد لله ربّ العالمين

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى