يوم عرفة.. إنه يوم عظيم!
بقلم د. علي الصلابي
استكمالاً للجزء الأول الذي تحدثنا فيه عن الحج المبرور.. أسرار وفضائل، اليوم نتحدث عن يوم عرفة.
ثانيًا: يوم عرفة.. إنه يوم عظيم!
إن من الأيام الفاضلة عند الله عز وجل يوم عرفة، فهو يومُ أهل الموقف، حيث الحجاج فيه على صعيد عرفات، يقول عليه الصلاة والسلام: “الحج عرفة”، وفضائل هذا اليوم العظيم كثيرة: منها أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة على هذه الأمة فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأديان وأفضلها، لا يُقبل من أحد دين سواه، في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رجلًا من اليهود قال له: “يا أمير المؤمنين، آية من كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال أي آية؟ قال: “اليوم أكلمت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا”، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي (ﷺ) وهو قائم بعرفة يوم جمعة.
1- من فضائل يوم عرفة أنه يوم عيد لأهل الإسلام، قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في يوم عيد، في يوم جمعة، ويوم عرفة”. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كلاهما بحمد الله لنا عيد”، وهو عيد لأهل الموقف خاصة، ويشرع صيامه لغيرهم كما سيأتي.
2- من فضائله أنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنهما، والعتق من النار، والمباهاة بأهل الموقف، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي (ﷺ) قال: “ما من يومٍ أَكْثرَ من أن يُعْتِقَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ فيهِ عبدًا منَ النَّارِ، من يومِ عرفةَ، وإنَّهُ ليدنو عزَّ وجلَّ، ثمَّ يباهي بِهِمُ الملائِكَةَ، فيقولُ: ما أرادَ هؤلاءِ”.
كان سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان حريصين أشد الحرص على استغلال يوم عرفة والإفادة منه، والمحروم من حُرم فضل الله وجوده
3- من فضائل يوم عرفة ما قيل إنه الشفع الذي أقسم الله به في كتابه، وأن الوتر يوم النحر، قال تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ [الفجر: 1-3] . وقد روي هذه عن النبي (ﷺ) من حديث جابر فيما رواه الإمام أحمد وغيره: وقبل إنه الشاهد الذي أقسم الله به في كتابه. قال تعالى ﴿وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ﴾[البروج: 3]. ففي المسند وغيره عن أبي هريرة مرفوعًا إلى النبي (ﷺ) وموقوفًا عليه: “الشَّاهدُ يومُ الجمعةِ والمشهودُ يومُ عرفةَ”.
4- من طمع في العتق من النار، ورجاء مغفرة ذنوبه، وإقالة عثراته، والتجاوز عن سيئاته في يوم عرفة، فليحرص على الاتيان بالأسباب التي يرجب بها – بعد فضل الله ورحمته – ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي (ﷺ) قال: “صِيامُ يومِ عَرَفَةَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التي قَبلَهُ، والسنَةَ التي بَعدَهُ” أمام الحجاج فالسنة في حقهم الفطر، كما هو هدي المصطفى (ﷺ).
5- من الأسباب أيضًا الإكثار من شهادة التوحيد بإخلاص وصدق ودعاء الله بها، فغن أصل دين الإسلام الذي أكمله الله في ذلك اليوم والدعاء فيه له مزية على غيره، فقد روى الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم قال: “خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيونَ من قبلي لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ وله الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيء قديرٍ”.
6- من الأسباب أيضًا الصدقة والإنفاق في سبيل الله، ففي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم “اتَّقوا النَّار ولو بشِقِّ تمرةٍ فإنْ لم تجِدوا فبكلمةٍ طيِّبةٍ”.
كان سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان حريصين أشد الحرص على استغلال يوم عرفة والإفادة منه، والمحروم من حُرم فضل الله وجوده، والشقي من تمر عليه هذه الأزمان الفاضلة، والأوقات الشريفة دون استغلال لها او إفادة منها. فكانت أقوالهم رحمهم الله حاثة على شغل هذا اليوم بما هو جدير به من الأعمال الصالحة وكانت أحوالهم وأفعالهم تطبيقًا لذلك. وقد روي عن الفضيل بن عياض أنه نظر إلى الناس وتسبيحهم وبكائهم عشية عرفة فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقًا – يعني سدس درهم – أكان يردهم؟ قالوا” لا، قال: والله للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق، يقول الشاعر:
وإني لأدعو الله أطلب عفوه .. وأعلم أن الله يعفو ويرحم
لئن أعظم الناس الذنوب فإنها .. وإن عظمت في رحمة الله تصغر
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)