مقالاتمقالات المنتدى

وقفات رمضانية… لبناء الذات( ٢٨ )

وقفات رمضانية… لبناء الذات( ٢٨ )

بقلم د. عمر عبدالله شلح ( خاص بالمنتدى)

( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ).. درة التاج في عملية البناء للذات، هو تتويج هذه العملية بما يسمى ” بصفة الرضىٰ “..
لأننا نهدف من عملية البناء، إيجاد حالة من الصحة النفسية للإنسان، يستطيع من خلالها مواصلة عملية الكدح نحو وجه الله الكريم.. ومن الصحة النفسية السليمة، هو أن يكون الإنسان متصالحاً مع ذاته بالدرجة الأولى، ومع مجتمعه بالدرجة الثانية.. وفي قلب التصالح مع الذات، تكمن صفة أو نعمة الرضىٰ..
لماذا صفة الرضى مهمة في بناء الذات..؟؟ لأن الإنسان قد يتصادم في الحياة مع أشياء ضد رغباته واحتياجاته.. فمثلاً، قد يرغب الإنسان أن يكون لديه شركة للأعمال، وأن يصبح رجلاً غنيّاً.. لكن لا يحدث هذا الأمر كما هو يرغب..!! وهنا تأتي أهمية صفة الرضىٰ.. ولكن السؤال المهم في ذات السياق، هل يتعارض الرضى مع قوله تعالى ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم….”
نقول، لا تعارض بين الأمرين.. بحيث أن الأصل في الأمر هو العمل، والأخذ بالأسباب من كل الجوانب.. فإن تحقق ما يسعى إليه الإنسان بعد هذا العمل والسعي، فَنِعمّة هي.. وإن لم يتحقق، فهنا عليه بالرضىٰ.. لماذا نقول ذلك..؟ لأن أمر الله نافذ، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط.. والرضا، مرتبط بفهمنا لمسألة الإيمان بالقضاء والقدر، خيره وشره.. فقد لا يأتي ما نريده من أشياء، وقد يأتي عكسها تماماً.. هنا، لا بد من الرضىٰ.. فقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ” من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلمهن من يعمل بهن؟، قال أبو هريرة: فقلت أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعد خمسا، قال: اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب..” وقيل قديماً ” إنّ شرط الرضا، أن يستوي المنع والعطاء..” ومن أجمل النصوص القرآنية، التي ترتبط بمفهوم الرضا، هو قوله تعالى ” أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ “..
الرضا يغلق على الإنسان باب الهزيمة، والانتكاسات المختلفة.. بل قد يكون سبباً مهماً في البحث عن الأفضل، من خلال وجوب الأخذ بالأسباب.. ومن العبارات التي راقت لي هي، ” لو أنك سألت أي حكيم ما الدواء لسلامة القلوب.. ؟؟ لقال لك الرضا..”.. وإذا ارتاح القلب، حتماً سيطمئن.. وإذا كان قلبك مطمئناً، فأنت في خير كثير وأنت لا تدري.. الرضا مرتبط بمفهوم القناعة.. وقيل عنها، ” القناعة كنز لا يفنىٰ..” وقد جاء في الحديث الشريف ” قد أفلح من أسلم، ورُزِقَ كفافاً، وقنّعه الله بما آتاه..”.. الرضا في كل الأحوال، مهم لإكمال عملية البناء.. فبدون الرضى، يتوه الإنسان، ويجري في هذه الدنيا، لا يعلم على أي شاطئ تقف سفينته..
خذ بالأسباب.. ثم ارضَ بالنتائج، مهما كانت..!! فقد يكون في ظاهرها الشر، ولكن في باطنها تحمل الخير الكثير..
اللهم ثباتاً على الحق.. وغلبة في الميدان.. ونصرة على يهود.. صباحكم صباح الرضا بأقدار الله وقضائه.. صباحكم صباح غزة.. تواصل قتالها بمعيّة الله.. فتنتصر بإذن الله .
ملاحظة/
يجوز كتابة ” رضا، رضىٰ ” بالطريقتين كما هو في صباح اليوم..

إقرأ أيضا:شرح حديث من قام ليلة القدر

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى