مقالاتمقالات المنتدى

وعد بلفور صناعة بريطانية بإشراف أمريكي

وعد بلفور صناعة بريطانية بإشراف أمريكي

 

بقلم د. سلمان السعودي (خاص بالمنتدى)

 

          قد دخل وعد بلفور حيز التنفيذ حيث عينت الحكومة البريطانية شخصية من وزرائها هو “هربرت صموئيل” وكان مطلعاً على مخططات المشروع الصهيوني في فلسطين، وذهب إلى فلسطين بصفته رجلاً صهيونياً يمثل الاستعمار البريطاني وليس لأنه يهودي يريد خدمة اليهود فقط، والدليل على ذلك ما قاله في خطابه لدى تعيينه مفوضاً سامياً في فلسطين في كانون الثاني سنة 1920م ” أنا ذاهب إلى فلسطين لتنفيذ الأوامر المتعلقة بتحقيق مشاريع دولتي الرامية إلى إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين”

ولقد وجه حاييم وايزمان قائد المنظمة الصهيونية رسالة إلى (ب – س- سكوت) محرر المانشستر غارديان البريطانية وهو شخصية مؤيدة للصهيونية وقريب من الأوساط الحاكمة في لندن قال فيها سنة 1914م: “أنه إن وقعت فلسطين ضمن منطقة النفوذ البريطاني وشجعت بريطانيا الإسكان اليهودي هناك كمحمية بريطانية فإنه يمكن أن يكون لنا هناك في خلال عشرين إلى ثلاثين سنة مليون يهودي أو أكثر وإنهم سيطورون البلاد ويعيدون إليها الحضارة ويكونون حارساً فعالاً لقناة السويس” ([1]) ولقد أصبح حاييم وايزمان فيما بعد المسئول الأول عن الحركة الصهيونية ثم الرئيس الأول لدولة إسرائيل.

    ولا يستغرب البعض بأن أمريكا كانت هي صاحبة وعد بلفور، وبريطانيا لم تكن سوى أداة استعملتها أمريكا للإعلان عن هذا التصريح الذي يجسد مصلحة أساسية للولايات المتحدة الأمريكية.

   ويقول المحللون أن موقف بريطانيا هذا كان لحاجتها المُلحة إلى الدعم الأمريكي في الحرب العالمية الأولى مما جعلها تضطر للرضوخ لهذه المهمة إلى جانب مصالحها الاستعمارية، ومن الأدلة على ذلك قول الزعيم الصهيوني ناحوم سوكولوف بالنسبة لوعد بلفور والذي شارك مشاركة فعالة في إعداد النص ” كانت كل فكرة تولد في لندن تخضع لامتحان المنظمة الصهيونية في أمريكا، وكان كل اقتراح يأتي من أمريكا يلقى أقصى ما يمكن من الاهتمام الدقيق في لندن “([2])

ومن الأدلة على احتضان أمريكا للصهيونية:

  موافقة الرئيس الأمريكي (ويلسن) على تصريح بلفور الذي أعلن في 2 نوفمبر (تشرين الثاني) سنة 1917م حين استشير من أطراف بريطانية واطلاعه على نص التصريح، وجاء ذلك في برقية بعثها باسمه الكولونيل (هاوس) بتاريخ 16 تشرين الأول سنة 1916م إلى السير (اريك دراموند) السكرتير الخاص لوزير خارجية بريطانيا، قال (ويلسن) بعد ذلك في بيانه للشعب : ” أنا مقتنع أن أمم الحلفاء بالاتفاق التام مع حكومتنا وشعبها قد اتفقت أنه في فلسطين سترسي أسس كومنولث يهودي “. ([3])

  وفي عام 1919م جاء إلى فلسطين القاضي الأمريكي اليهودي (لويس برنديس) صديق (ويلسن) الحميم وصرح مخاطباً القائد البريطاني (جنرال موني) :” يجب ألا تنسى أن أعمالك يلزم أن تكون مستمرة من تعهد حكومتك بإنشاء وطن قومي لليهود هنا، ولم تمضِ إلا أيام حتى طرد القائد البريطاني وعديد من ضباطه بتهمة عداوة اليهود وعين محلَّهم من يعطف على الصهيونية وأمانيها.

  وفي 20 سبتمبر (أيلول) 1922م وقَّع المستر (هاردن) رئيس الولايات المتحدة (بعد ويلسن) قرار الكونجرس موافقاً على تهويد فلسطين، وكان من مظاهر تأييد أمريكا أن عارض (جورج مارشال) وزير خارجية أمريكا سنة 1942م بحث مجلس الشيوخ الأمريكي اقتراح إلغاء الكتاب الأبيض البريطاني الذي يحدد الهجرة ويعد بالاستقلال.([4])

  وقد عقد المؤتمر الصهيوني العالمي دورة استثنائية بفندق بليتمور بنيويورك واتخذ قراراً بتحويل فلسطين إلى دولة يهودية وإجلاء العرب عنها إذا عارضوا هذا التحويل.

فأسرع الرئيس الأمريكي (روزفلت) وأعلن كما أعلن غيره من الأمريكان تأييدهم لهذا القرار، كما وتجمع مائة وواحد وثمانون عضوا بالكونجرس الأمريكي وقدموا عريضة موقعة منهم جميعا طلبوا فيها إلى الرئيس الأمريكي روزفلت أن يصدر وعدا بإنشاء وطن قومي في فلسطين شبيها لوعد فلسطين بلفور وكان ذلك في ديسمبر1942م كما تسابق كل من المرشح الجمهوري (جون ديري) والمرشح الديمقراطي روزفلت للانتخابات عام 1944م في تأييد القرار اليهودي لإنشاء دولة يهودية في فلسطين.

     ولم يكن رجال الدين الأمريكيون أقل حماسة لليهود من رجال السياسة فقد قدم خمسة آلاف قسيس بروتستاني في فبراير (شباط) 1945م طلبا إلى حكومتهم طالبين إباحة الهجرة اليهودية إلى فلسطين دون قيد ([5]) وكان ترومان رئيس الولايات المتحدة أسرع مستجيب لمثل هذا النداء فأرسل كتابا إلى (اتلي) رئيس الوزراء البريطاني يطلب إدخال مائة ألف يهودي دفعة واحدة إلى فلسطين.([6])

     ولقد أوضح لنا التاريخ أن حكام الولايات المتحدة ساهموا كثيرا في أذى الأمة العربية ونصرة الصهيونية, فقدم ثمانية وثلاثين حاكما طلبا إلى الرئيس الأمريكي(ترومان) خلال عام 1946م يطلبون اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستمرار الهجرة إلى فلسطين، وساعد على ذلك المنظمة الصهيونية في أمريكا، والتي تأسست في عام 1987، وهي أقدم منظمة مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة. لديها 25 ألف عضو ولها فروع في مختلف أنحاء الولايات المتحدة.

     ولقد نجح الضغط الأمريكي في تغيير أراء تسعة من الدول التي كانت معارضة أو ممتنعة عن تأييد التقسيم إلى الموافقة عليه، وقد اعترفت الصحافة العالمية بهذا وشهد به روزفلت والأدلة كثيرة لا مجال لحصرها في هذا البحث، ولكن يتضح لنا مما سبق ومما هو في بطون الكتب الأخرى أن سياسة الولايات المتحدة كانت داعمة لقيام وطن لليهود.

وأضيف: أنها ما زالت في جميع مظاهرها وخططها السياسية تعمل على طرد العرب من فلسطين وإحلال اليهود فيها، ويرى البعض أن هذا الهدف الأمريكي بدأ قبل تصريح بلفور بزمن بعيد ، فلقد أوضحت أمريكا بلسان كبار موظفيها منذ القرن التاسع عشر عن هذا اللقاء الذي تم بين الصهيونية وبين الصليبية الاستعمارية لتحطيم الخلافة وليس وعد بلفور إلا عنواناً لهذه الخطة المرسومة، ففي عام 1818م كان مستر (نوح) قنصل أمريكا السابق في ترنسل يخطب في حفل افتتاح أحد المعابد اليهودية بنيويورك ويقول: “إن القضاء على السيطرة التركية في أوروبا سيترتب عليه تحرير اليهود وسيكون في استطاعتهم السير مرة أخرى لامتلاك سوريا ، تحيط بهم هالات النصر وبذلك يظهرون مكانتهم بين دول العالم ([7])

 وبناء على ما سبق من تخطيط وتأييد وتنفيذ للمشروع لقد تم إصدار وعد بلفور بعد دراسة شاركت فيها أمريكا ودرستها دراسة تنطلق من مصالحها وكان القرار يحمل أربع صيغ هي:-

1-      الصيغة الصهيونية في يونيو حزيران سنة 1917م.

2-      صيغة بلفور في أغسطس آب سنة 1917م.

3-      صيغة ملنر في أغسطس آب سنة 1917م.

4-      صيغة ملنر أمري في 14 أكتوبر تشرين الأول سنة 1917. ([8])

  وهكذا خرج المشروع الصهيوني من حيز الفكرة النظرية إلى حيز الخطة السياسية المعلنة بوعد بلفور.

   وبدأت بريطانيا المسئول الظاهري عن هذا المشروع وتنفيذه بتجريد العرب (عرب فلسطين) من السلاح وتصدر أحكام الإعدام على من يوجد في حوزته سلاح.

مقابل ذلك كانت تدرب اليهود على السلاح بعد تزويدهم به بحجة الدفاع عن النفس من اللصوص والاعتداءات الأخرى.

    ويقول موشى ديان معترفاً بالتفريق في المعاملة بين الصهاينة وبين عرب فلسطين حين كان في السجن مع أفراد عصابته متهمين بتهريب السلاح إلى فلسطين يقول :” لقد كنا في السجن لا نقوم بأي عمل بأيدينا ، وكنا نرتدي ملابسنا العادية ، ونتلقى الطعام من الخارج ، ونستقبل أهلنا كل يوم سبت ونلعب التمارين الرياضية والشطرنج كل صباح ويسمح لنا بالاستحمام واستعارة الكتب من مكتبة السجن في حين كان العرب من أتباع القسام وغيرهم يتلقوا بالغ الظلم من السلطات البريطانية حتى بلغ من ظلمها إعدام ثلاثة شبان من قضاء طولكرم لمجرد العثور على طلقات نارية([9]هذا اعتراف صريح من أحد زعماء الصهيونية واسألوا أباءكم وأجدادكم عن سنوات الظلم التي عاشوها تحت حكم السلطات البريطانية.

   وإن آخر ما نقوله عن علاقة أمريكا بوعد بلفور هو أنه ضغط أمريكي بإعلان ومسئولية بريطانيا، ومن الأدلة على ذلك تقدم الرئيس الأمريكي ويلسون صاحب المبادئ التي تدعو إلى حق تقرير المصير يزف البشرى للشعب الأمريكي عن موافقته على إرساء قواعد الدولة الإسرائيلية في فلسطين، وبعد مدة قصيرة أعلن موافقته على تأسيس كومنولث يهودي في فلسطين، ولقد تم تحقيق مخططاتها بإقامة الدولة اليهودية على مساحة لم تكن تتجاوز (6%) من طول وعرض البلاد.

     ومن المواقف الأمريكية مع ضرورة قيام الدولة اليهودية في فلسطين ما كشفه صهاينة أمريكا في مؤتمر بلتيمور الذي عقد بطلب من الزعماء الصهيونيين في فلسطين وتحت قيادتهم في فندق بلتيمور في نيويورك (أيار/ مايو 1942) أعلنوا فيه ضرورة إقامة الدولة اليهودية بسرعة، بحيث تكون جزءاً لا يتجزأ من العالم (الديمقراطي الجديد) أي عالم ما بعد الحرب، ورفض الكتاب الأبيض وإطلاق الهجرة اليهودية وإنشاء جيش يهودي له رايته الخاصة والاعتراف به وهذه هي أول مرة تظهر فيها نواياهم الحقيقية وبصورة علنية وفي مؤتمر رسمي.

    وقد أصبحت هذه القرارات برنامج الحركة الصهيونية  الجديد وبناءً على ذلك أخذ الحزبان الأمريكيان الديمقراطي والجمهوري يتنافسان في انتخابات الكونغرس ورئاسة الجمهورية بعد عام 1944م الدعوة لفتح أبواب فلسطين لهجرة يهودية غير مقيدة، ولامتلاك الأراضي في فلسطين كي تصبح فلسطين (كومنولث) يهودياً ، ولقد اتخذ مؤتمر الحزب الديمقراطي في 24 يوليو / تموز قراراً مماثلاً.

   ولا تُنسى في هذا الموقف ما قامت به اللجنة الأنجلو الأمريكية التي تتكون من ستة أعضاء أمريكان ولقد أعلن أسماء الأعضاء في واشنطن ولندن في (10 كانون الأول /ديسمبر 1946م) ولقد أثرت هذه اللجنة على مجلس الشيوخ والنواب في الولايات المتحدة بمطالبة الحكومة بالتوسط لدى الدولة المنتدبة لفتح أبواب فلسطين لهجرة يهودية مطلقة وقيام دولة يهودية (ديمقراطية) في فلسطين وعليه أعلن المندوب السامي في فلسطين قراراً عن الحكومة البريطانية في استمرار الهجرة بصفته مؤقتة بمعدل (1500) مهاجرٍ شهرياً غير عابئ برفض العرب باستمرار الهجرة لدى مشاورتهم في قرار الهجرة وقيام وطن للشعب اليهودي.

 كما وتبنت هيئة الأمم المتحدة وعلى رأسها السكرتير العام بعد أن استطاعت الصهيونية أن تُسخره لمصالح (مشروع التقسيم) ويتضح لنا أن المستر (تريجفي لي) السكرتير العام للأمم المتحدة مسئول إلى حد كبير عن ما يعانيه الشعب الفلسطيني حتى يومنا هذا حيث أنه أجل اجتماع الهيئة بخصوص التصويت على مشرع التقسيم بعد أن اتضح له عدم توفر أغلبية الثلثين من المؤيدين وهي الأغلبية المشروطة ([10])

      وكان اليوم المحدد للتصويت على قرار التقسيم هو 26 من نوفمبر /تشرين الثاني 1947م ولكن ما كاد الاجتماع أن ينعقد حتى وقف المندوب الأمريكي يطلب التأجيل إلى ما بعد (عيد الشكر) الذي هو اليوم التالي، وفي جلسة يوم الجمعة 28 نوفمبر تشرين الثاني وقف (مسيو بارودي) مندوب فرنسا يطلب التأجيل لمدة 24 ساعة وتم ذلك، واجتمعت الهيئة في الموعد المحدد بعد أن جند سكرتير الأمم المتحدة المستر (تريجفي لي) الموظفين الذين يعملون تحت رئاسته في الأمم المتحدة وعددهم ثلاثة آلاف ليندسوا بين الأعضاء للتأثير عليهم وتم التصويت بتأييد القرار بأغلبية صوتين اثنين، ولقد أثنى وايزمان في مذكرته على (تريجفي لي) ثناء عاطراً، وجاء من ضمن مذكرته التي نشرت في جريدة نيويورك تايمز في 27 نوفمبر تشرين الثاني 1947م وهو ثاني يوم التأجيل حسب ما ورد في كتاب جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن ص304.([11])

the United Nations General Assembly Postponed on the partition of Palestine yesterday after supporters found that they still locked on assured twothirds majonty

المعنى: ” أجلت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلستها إلى التصويت على تقسيم فلسطين أمس بعد أن وجد مؤيدو الصهيونية أنهم لا يضمنون ثلثي الأصوات اللازمة لنجاح المشروع”.([12])

                                                                        د. سلمان السعودي

[1] – انظر: الاستعمار وفلسطين – ص227

[2] – انظر: الاستعمار وفلسطين ص258

[3] – المرجع السابق ص259

[4] – المرجع السابق ص277

[5] – انظر: الاستعمار وفلسطين ( ص275)

[6] – المصدر السابق ( ص276)

[7] – انظر: أمريكا مستعمرة صهيونية ( ص20)

[8] – انظر: الاستعمار وفلسطين ( ص258)

[9] – انظر: الاستعمار وفلسطين – من كتاب موشى ديان – الفاشية ( ص358-359 )

[10] – انظر: جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن.

[11] – انظر: كتاب جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن (ص304 )

[12] – جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن – ص304

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى