مقالاتمقالات مختارة

وصمة الإرهاب والاعتقال العشوائي بالهند

بقلم أفتاب العيني

في الآونة الأخيرة أضحت كلمات من تطرف وعنف وإرهاب وترويع وكراهية وجمل أخرى من الحرب على الإرهاب والتطهير العرقي للعناصر الإرهابية وتهريب الإرهابيين واستئصال جذورهم ومحوهم ونفيهم من كوكب الأرض والقضاء على الإرهاب ومناهضته من أكثر العناوين مبيعا في سوق الإعلام العالمي الحديث من أجل تداولها كلعبة مفضوحة بين أكبر المتاجرين عالميا أعني القوى العالمية الغاشمة المعلنة حربها على الإسلام والمسلمين.

حيث تستعمل تلك الكلمات والجمل استغلاليا لتبرير كل عملية اعتقال وتقتيل وإبادة وإحراق وتدمير وقصف وتهريب وتهجير ونهب، فلم تعد تلك الكلمات والعناوين اللمّاعة التي يروّجها الإعلام بشكل مكثف سوى صناعة سياسية خادعة لتبرير كل عملياتها المضادة للإنسانية والضمير البشري وهذا هو الواقع الذي لا نزال نلمسه في ظل ما يحدث في خريطة العالم العربي.

وبنفس هذه اللعبة التي تلعب بها الأنظمة العالمية في حق العالم الإسلامي فإن القوة الفاشية المتطرفة الهندية أخذت تلعب بها في حق أقلية الهند المسلمة والطبقات المقهورة بها. ويتبين لكل من يشهد ويتابع الأحداث والظروف القاسية التي يعيشها المسلمون في الهند بأن السلطات الهندية وجهاز الاستخبارات لا تبرح في مرصادها لممارسة عملية الاعتقال بحق الأقلية المسلمة البريئة بإلصاق وصمة الإرهاب على جبينها.

وفي السنوات الماضية العديدة وقع عديد من أحداث القبض على نخبة كبيرة من الشباب المسلمين بالهند بدون أي أدلة قوية ويتم تعذيب هؤلاء السجناء الأبرياء تعذيبا وحشيا مخالفةً صريحة للقوانين والمواثيق الدولية مما يؤدي إلى بالغ القلق والاضطراب ويشوه سمعة النظام الديموقراطي العلماني الهندي وبعد تعديل البرلمان الهندي قانون منع الأنشطة غير القانونية THE UNLAWFUL ACTIVITIES PREVENTION ACT لعام 1967 بإدخال أحكام تتناول جميع جوانب الإرهاب في عام 2008 فإنه تم تطبيق هذا القانون بشكل كبير وتم اعتقال عديد من المواطنين الهنديين وغالبيتهم من الأقليات.

نشهد على أرض الواقع بمختلف مناطق الهند مسلسل اعتقالات بحق الأقليات المسلمة وخاصة الدعاة والعلماء مثل الدكتور ذاكر نايك الداعية الكبير الذي أصدرت وكالة التحقيقات الهندية بحقه مذكرة اعتقال بتهمة نشر العنف

ومن ضحايا هذا القانون الأبرياء عبد الناصر المعدني العالم الجليل الرباني الذي لا يزال يقضي حياته في السجن لمدة أكثر من عشرة أعوام بدون أي أدلة ضده معانيا ظروفا قاسية صحية ومنهم محمد زكريا الذي مر على اعتقاله أكثر من 8 سنوات ولم تتمكن الشرطة من تحضير أي أدلة ضده وكذلك محمد بشير وكي كي شاحنة الصحافية ويحيا كموكوتي مهندس برمجيات وغيرهم كثير.

والحقيقة أن أكثر هؤلاء يقضون أيامهم في السجون كسجناء محاكمة بمعنى أنهم مسجونون قبل المحاكمة لمدة حبس المجرم الحقيقي مع أن المتهم لا يعتبر مجرما ما دام أن تصدر تحقيقات إجرامية في حقه بأدلة مرضية وحسب إحصائيات المكتب الوطني الهندي لسجلات الجرائم فإن عدد المسجونين بوجه عام يبلغ 385135 سجينا ويحسب عدد سجناء المحاكمة ما يقارب 254857 سجينا.

وأنا كمواطن هندي مسلم أؤمن إيمانا من القلب بأن دستور الهند هو العمود الفقري للديموقراطية الهندية والعنوان الدائم للتعددية وأنه لا بد من احترامه والالتزام والتقيد به لرقي الوطن واستمرار مسيرة نهضته، لكني استغرب كل استغراب واستهجن كل استهجان عندما أقرأ في دستور الهند الباب الثاني الحقوق الأساسية ومنها حرية الضمير وحرية المعتقد وممارسة ونشر الدين وحرية إنشاء المؤسسات لأغراض دينية وخيرية والحرية في حضور الدروس الدينية أو العبادة الدينية في بعض المؤسسات التعليمية ومادة أخرى تنص بحق الأقليات سواء على أساس الدين أو اللغة في إنشاء وإدارة المؤسسات التعليمية التي يختارونها.

وبعد القراءة أشهد على أرض الواقع الهندية بمختلف مناطقها من مسلسل اعتقالات في حق الأقليات المسلمة وخاصة الدعاة والعلماء مثل الدكتور ذاكر نايك الداعية الكبير الذي أصدرت وكالة التحقيقات الهندية في حقه مذكرة اعتقال بتهمة نشر العنف ودعم الإرهاب كما تم إغلاق مؤسسته المعروفة مؤسسة البحوث الإسلامية ولم يكن وراء ذلك إلا تلفيقات باطلة من قبل الفاشية الهندية.

وفي 24 من فبراير تم ملاحقة الداعية الإسلامي الكبير والمناظر البارز يم يم أكبر المعروف بذاكر نايك كيرالا جنوب الهند من قبل الشرطة الهندية حيث لاحقوه بمطار راجيف غاندي بحيدر أباد حين عودته من أستراليا إلى قطر لكن الطائرة لم تكن مباشرة بل عن طريق مطار هندي وقبل عام تقريبا قد أصدرت في حقه مذكرة اعتقال بتهمة تعليم كتب تنشر العنف الديني في مدرسة السلام العالمية التي يديرها هذا الداعية. لكن هذه أخر تهمة توصل بها الشرطة الهندية لاعتقال الداعية وإغلاق مدرسته بعد محاولات مستميتة بتوجيه اتهامات ومزاعم لا سند لها ولا علاقة لها بمدرسة السلام العالمية بل كانت كلها أوهى وأوهن من بيت العنكبوت.

لكن الغريب أن عديدا من المواطنين المتهمين تحت نفس المادة التي اعتقل بها الداعية يم يم أكبر لم يتم ملاحقتهم من قبل الشرطة بأمر الحكم الماركسي الذي يحكم ولاية كيرالا ومن هؤلاء المتهمين ششي كالا تيشار رئيسة المنظمة المتطرفة HAV والتي تنفث السم من اللسان في محاضراتها وكلماتها وكذلك ويلافالي نديشاران وتوغاديا وكومانام راجاه شيغاران والتسائل الوحيد الذي نتساءله بعد اعتقال الداعية يم يم أكبر لماذا تمارس عملية الاعتقالات في حق الأقليات فحسب؟

وقد قرأت أروع تعليق افتراضي خيالي ورد على هذه التهمة الموجهة إلى المدرسة يتخيل فيه المعلق أنه سيتوزع الشرطة في الهند في وقت لاحق ويدقون أبواب البيوت ليلا ثم يدخلون ويشرعون في البحث والتفتيش حتى إذا وجدوا كتاب الله العزيز من الدولاب يلقون القبض على أصحاب البيوت قائلين: لقد تم اعتقالكم من أجل أنكم احتفظتم بكتاب سماوي فيه كثير من الآيات التي تنشر العنف الديني وتهدد التعايش والسلام اللذان تتمتع بهما الهند الديموقراطية العلمانية. ويعد يم يم أكبر من أبرز الدعاة الإسلامية بولاية كيرالا ومن المبدعين في مجال مقارنة الأديان والمتفننين في الحوار والمناظرة يتميز بقوة ذاكرته بحيث يستحضر في المحاضرات والحوار الآيات القرآنية بأرقامها وسورها كما يتمتع بقدرة فائقة يستذكر بها نصوص الكتب السماوية وكتب الديانات الهندية.

حرك الداعية قلمه البتار ضد الأفكار الفاشية المتطرفة التي تهدد الكيان الهندي ويزعزع الاستقرار والأمن الذين هما رمز الدولة الهندية الديموقراطية

وقد كرّس نفسه منذ عنفوان شبابه ومسيرة حياته المبكرة للدفاع عن الإسلام والرد على الشبهات المثارة حوله مما يثيرها الملحدون ودعاة التبشير وعقول الاستشراق وكان يركّع خصمه ببراهين مقنعة وملجمة للأفواه وفي التسعينيات المنصرمة كان مشروعه الدعوي الحواري المسمى بالنقاش الودي قد نال رواجا واسعا في مختلف مناطق كيرالا فلم يكن تركيزه خلال الحوار والنقاش على إلجام الخصم والانتصار عليه بل كان يؤكد دائما بأن الحوار بين مختلف الأديان والمذاهب من أهل الكتاب والهندوس يشكل آفاقا جديدة لتعزيز البحث العلمي والتعارف بين المختلفين ويغرس في نفوس المتحاورين دافعا للبحث عن الحق والحقيقة.

وفي كل مناظراته نلاحظ التزامه الشديد بمنهج الحوار العلمي مثل الداعية الهندي رحمه الله الكيرانوي صاحب إظهار الحق وأحمد ديدات رحمهم الله والداعية الدكتور ذاكر نايك. ومن أبرز كتبه التصور المسيحي عن الإله بين الحق والباطل، تعدد الزوجات في الإسلام، السماء العجيب، جمع القرآن، تاريخ وشبهات، والجهاد سلام ونضال، ودروس من الهجرة، حجية السنة الهندوسية، الدين والفلسفة، المرأة في الأديان والفلسفات، الرسول المذكور في الإنجيل، ما هو الإسلام، المسيح عيسى، النبي العظيم الإنسان، وجود الإله، الهند لنا مع الفاشية الهندية، وجها لوجه، الرق في الإسلام، هل قضي على الشيوعية بالزوال، مغزى المادة.

ولعل ملاحقة الداعية يم يم أكبر واعتقاله يأتي من أجل أنه كان من عداد رجال الدين المراقبين والمستهدفين من قبل القوة الفاشية وقد حرك الداعية قلمه البتار ضد الأفكار الفاشية المتطرفة التي تهدد الكيان الهندي ويزعزع الاستقرار والأمن الذين هما رمز الدولة الهندية الديموقراطية وخاض الحرب الشعواء ضد منظمة أر أس أس الإرهابية منذ 1980 فترة الدراسة المدرسية حيث كانت تنشر مقالاته عن الفاشية في مجلة الشباب ثم أصدرت تلك المقالات في حيز كتاب سماه الداعية بمنحدرات الفاشية ولعل هذا الكتاب الذي يتناول الفلسفة الفاشية وأفكارها المتطرفة وعملياتها الإرهابية والفساد الذي عاثتها منظمة آر أس أس الفاشية في حق التجمعات المسلمة من إبادة وإحراق جماعي وتدمير مساجد كالمسجد البابري وإضمار نيران التطرف والعنف في مناطق عديدة بالهند هو الذي أغضب هؤلاء المتطرفين الفاشيين ودفعهم إلى اعتقال الداعية ونشر الاتهامات الباطلة ضد مدرسة السلام العالمية. وقديما قالوا إن الطعنة بالرمح قد تقتل العدو لكنها لا تبيد أفكاره ولا تصد رؤاه وهذا ما قام به الداعية يم يم أكبر بقلمه السيال مفندا الأفكار الفاشية المتطرفة.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى