بقلم محمد أمزيل
تقديم للجزء
الإعلام ليس وسيلة حديثة أو معاصرة، بل إنها وسيلة اجتماعية واكبت الإنسان عبر العصور؛ لأنها تقوم على ميزة يتميز بها الإنسان اجتماعيًا، وهي التواصل، لكن هذه الوسيلة تطورت بتطور التقنية، ففي البداية كانت تُستعمل الرسائل كوسيلة إعلام، والتي كانت تُحمل بواسطة رسول، أو بواسطة الحمام الزاجل. وعندما ظهرت المطابع، بدأت الجرائد تخرج للعلن، وزاد هذا من تضخم انتقال الخبر، ليتطور الوضع بعدها لظهور الراديو، الذي زاد من سرعة انتقال الخبر، ليتبعه التلفاز الذي أعطى للإعلام طابعًا خاصًا مُحتكرًا من طرف أشخاص أو مؤسسات لها مصالح. ليظهر بعده الإنترنت الذي أفرز مواقع التواصل الاجتماعي، والتي دمقرطت الإعلام (وسأتكلم عن هذا في مقال آخر).
لن أدخل – طبعًا – في تفاصيل التطور الذي شهده الإعلام، وما تميز به الإعلام في كل مرحلة من هذا التطور، وإنما سأقتصر هنا، على توضيح الكيفية التي يُساهم هذا الإعلام في استمرار سيطرة الطاغوت. وسآخذ مرحلة التلفاز كنموذج مهم لهذه المساهمة، نظرًا لطابعه الخاص المتميز باحتكاره من القوى السياسية والاقتصادية، بعيدًا عن الطبقة الشعبية. وهذا عكس الإنترنت، الذي أصبح فيه الإعلام ديموقراطيًا (وكما قلت سابقًا سأتحدث عن هذا في مقال آخر، حيث سأفصل التحول الذي تعرض له الإعلام عبر التاريخ، وكيف انتقل من مرحلة مناقشة الرأي إلى مرحلة صناعة الرأي).
الإجراءات التي يتخذها الإعلام لاستمرار سيطرة الطاغوت
يلعب الإعلام دورًا مهمًا في توجيه الرأي العام، بل صناعته، لتحقيق هدف مصلحي لطبقة معينة من المسيرين له. خاصة وأنه (أي الإعلام) هو السلطة التي تحتكر نقل الأخبار عبر ربوع الدولة؛ مما يجعل انتباه الناس مشدودًا إليه، لمعرفة الأحداث التي تحدث في وطنهم، وبما أنه ليس هناك وسيلة أخرى مناقضة له، للمنافسة على نقل الأخبار، يضطر الشعب بلاوعي إلى تقبل وتصديق أي خبر يُنقل بواسطة هذه السلطة (وقد أسقط الإنترنت هذه السلطة).
ما يهمنا في هذا المقال هو توضيح الكيفية التي يستطيع من خلالها الطاغوت أن يوجه الرأي العام إلى ما يضمن له استمرارية سيطرته عليهم، عن طريق الإعلام، الذي يتخذ إجراءات متنوعة لتحقيق ذلك:
1- إظهار الطاغوت كشخصية رئيسة
يقوم الإعلام من خلال هذا الإجراء، بإظهار الطاغوت على أنه أهم شخصية في الوطن، وبأنه البطل الذي تدور حوله الأحداث جميعها، وأنه المنقذ الذي لولاه لغرق الوطن في الفوضى، وذلك مثلًا بوضع مقارنة بين فترة من الماضي كانت تتميز بالفوضى، ولقطات من الحاضر تتميز بالجمال والرخاء. أو بوضع مقارنة بين الوطن الذي يقوده هذا الطاغوت، وبلد آخر أقل مرتبة منه.
2- تحويل الشعب عن أخطاء الطاغوت إلى أخطاء أخرى
تحويل اهتمامهم من النقط الحيوية إلى النقط الاسترخائية.
يحاول الإعلام بما لديه من سلطة أن يغطي على أخطاء الطاغوت، إن أصبحت أخطاؤه جد واضحة، وذلك عن طريقة وضع الرأي العام في حدث مفجع، يكون أحد من أفراد الشعب هو المسؤول عنه، وذلك لينسى الشعب أخطاء الطاغوت. كما يستخذم الإعلام، وسائل المتعة كالسهرات الغنائية أو البرامج الترفيهية لإلهاء أفراد الشعب، وتحويل اهتمامهم من النقط الحيوية إلى النقط الاسترخائية.
3- إضفاء الشرعية على أفعال الطاغوت
يستخدم الإعلام استراتيجة جد قديمة وجد مؤثرة، ذات تأثير بعيد المدى، وهي استراتيجية التكرار، إنها استراتيجية تُستعمل في التعليم، ويُؤكد عليها علماء علم النفس الإعلامي، لاستخدامها في الإشهارات.
إن هذه الاستراتجية يستخدمها الإعلام لإضفاء الشرعية على أفعال الطاغوت، وذلك بوضعه دائمًا في وضع الحكيم الذي يتخذ القرارات الناجعة، والتي لم تُخطئ أبدًا، وبتكرار هاته المسألة يُصبح الشعب في وضع المستقبل السلبي، الذي يتقبل وضع الطاغوت كحكيم.
ليس هذا فقط، بل يُحاول الإعلام أيضًا أن يجعل الأخطاء التي يقترفها الطاغوت، على أنها من مسؤولية شخص آخر، قد تمت معاقبته من طرف الطاغوت نفسه. وبتكراره لهذا الحدث، يُصبح أي فعل ناجح من مسؤولية الطاغوت، وأي فعل فاشل من فعل شخص آخر.
بل أكثر من هذا، يقوم الإعلام بجعل قرارات الطاغوت على أنها أحكم القرارات التي تم اتخاذها في تاريخ البلد، وذلك باستحضار المثقفين المزيفين (الذين سنتحدث عنهم في جزء آخر إن شاء الله)، الذين يقومون بمناقشة الأمر بتأريخية منحرفة، للوصول إلى النتيجة التي كانت أصلًا فكرة مسبقة قبل بداية المناقشة. اي أنهم يتخذونها كمُسلمة بديهية، ثم يقدمون الأدلة التي تؤكدها، حتى وإن كانت مُصطنعة.
4- إظهار الطاغوت على أنه جزء لا يتجزأ من هذا الشعب
عندما يشعر الشعب بأن الطاغوت يوجد بعيدًا عن معاناتهم (وهذا الشعور أفرزه ظهور مواقع التواصل الاجتماعي)، يُسارع الإعلام لإستباق النتائج المشؤومة التي يُمكن أن يُفرزها هذا الشعور، لهذا يُحاول بأن يجعل من الطاغوت ذلك الشخص الذي يُحس بشعبه، ويرأف عليه، ويعيش معاناتهم، عن طريق وضعه في مقام المساعد الرحيم. وذلك بتصوير مقاطع يقدم خلالها هذا الطاغوت بعض المساعدات البسيطة، التي يُضخمها الإعلام لتصبح من درجة المساعدة، التي لا يُمكن أن يُقدمها سواه.
كما يقوم الإعلام، بإظهار الطاغوت على أنه شخص من الشعب أصلًا، يُشبههم في حياتهم اليومية. حيث يقوم بتصوير حياته الشخصية، كأب رؤوف، وزوج وفي، ورجل أسرة الذي تقوم عليه لبنات البيت. ويكون هذا ناجعًا، خاصة إن كان الطاغوت جدا يمسح على رأس أحفاده.
تقييم
لكل إفراط جرعة زائدة تؤدي إلى الانهيار
إن الإعلام عراب الطواغيت، يعمل جاهدًا على تزييف الحقائق حتى يُحافظ على استمرارية سيطرتهم التي تتآكل، كلما شعر الشعب بأنه مخدوع، وكلما شعر بذلك، سارع الإعلام إلى اعتماد الأكاذيب على أنها حقائق، لتجاوز هذا الشعور، وكلما كثرت الأكاذيب أصبحت أكثر وضوحًا على أنها أكاذيب، ولكل إفراط جرعة زائدة تؤدي إلى الانهيار.
(المصدر: ساسة بوست)