مقالات

حكم المشاركة في انتخابات البلدان الغربية

حكم المشاركة في انتخابات البلدان الغربية

بقلم د. محمد علي بلاعو / عضو المجلس الاستشاري لمنتدى العلماء ــ والمستشار الشرعي للمجلس الإسلامي الدانماركي.

يعيش المسلم في بلاد الغرب أوضاعاً مختلفةً، وأنماطاً متعددةً تختلف تماماً عن الأوضاع التي كان يعيش فيها، فقد أصبح الوجود الإسلامي في الغرب بصفة عامة وأوروبا بشكل أخص يتطور تطورا ًسريعاً في كمه وكيفه، إذ فاق عدد المسلمين اليوم في أوروبا الستين مليوناً، بين مسلمين من أصل أوروبي أو مسلمين وافدين من البلاد الإسلامية. هذا التطور السريع اقتضى تطوراً في المعالجة الفقهية للقضايا الجزئية مما من شأنه أن يجعل النظر الفقهي في هذه القضايا يواجه ضرباً من الإفتاء والتقرير.  ولئن كان يلتقي في أسسه مع النظر الفقهي العام إلا أنه يختص بخصائص مشتقة من خصائص الوجود الإسلامي في أوروبا وذلك يقتضي أن توجه الأصول الاجتهادية العامة توجيهاً يتناسب مع خصوصيات الوضع الجديد.

وفي هذه الأيام- وبعد هذه التقدمة – تعيش بعض الدول الأوروبية ومنها الدانمارك موسماً انتخابياً جديداً اقتضى منا بياناً للحكم الشرعي حول مشاركة المسلم في هذه العملية السياسية، وما مدى فعالية وجدوى هذه المشاركة.

ولا شك أن هذه المسألة من المسائل الخلافية الاجتهادية غير محسومة فلا إنكار فيها إذا التزم المسلم مذهباً معيناً،  وإنما النظر في ذلك مع المصلحة،  فإذا كانت مصلحة المسلمين في المشاركة الانتخابية كان ذلك فرضاً واجباً وأمراً محتماً، ولا يخفى على كل ذي لبّ أن مشاركة المسلم في الانتخابات من مقتضيات المواطنة، ناهيك عن أنها من باب الشهادة الواجب أداؤها في حق من يصلح لخدمة البلد ويهتم بقضايا المسلمين في الغرب، وقد قال الله تعالى في كتابه:

(وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) البقرة: 283.
وروى الإمام مسلم في صحيحه تحت رقم 3244- من حديث زيد بن خالد الجهني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ” ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها”.

فإدلاءُ المسلم بصوته في حق من يراه صالحاً لخدمة بلده ودينه شهادةٌ يجب عليه أن يؤديها شرعاً، ولا سيما في هذه الظروف التي يحتاج فيها المسلمون من يخدم مصالحهم وينصر قضيتهم،  فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب،  والضرر الأشد يزال بالأخف إلى غير ذلك من القواعد والأصول الشرعية التي تؤيد جواز المشاركة في الانتخابات. ويحسن بنا في هذا المقام أن نشير إلى قرار المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث رقم 72-5/16. القاضي بجواز المشاركة في الانتخابات، وكذلك ما صدر في مؤتمر مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا سنة 1999م، إذ أجمع العلماء على جواز المشاركة في الانتخابات دفعا للأذى عن المسلمين. وجلبا لمصالحهم الراجحة، بل هي من أوجب الواجبات في هذا الوقت الحساس.

كما وأشار الدكتور بلاعو الى خطورة التجرؤ على مسائل الدين دون فقه وتبصر، فالفتوى: إخبار عن الله تعالى، كما قال القرافي- رحمه الله- فالمفتي: ” هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهب الشدة، ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال.”  الشاطبي، الموافقات.5/276.

وأن كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب ذلكم القبر -عليه الصلاة والسلام -وتبقى مصلحة المسلمين العامة هي الأهم والأولى، والمشاركة في الانتخابات أنفع وأجدى .. والله تعالى أعلم وأحكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى