وثيقة «الأخوة الإنسانية».. وبدعة «العائلة الإبراهيمية»
بقلم د. زينب عبد العزيز
لثالث مرة أتناول وثيقة “الأخوة الإنسانية” التي تم التوقيع عليها يوم 4 فبراير 2019، بين البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان والدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في نهاية الزيارة التي قام بها بابا الفاتيكان لمدينة أبو ظبي. وهي المرة الأولي في التاريخ التي يقوم فيها البابا بزيارة دولة في الجزيرة العربية، في أرض حرّم الرسول، عليه الصلاة والسلام، أن يوجد عليها دينان، والآن أصبح عليها كنائس.. وقد أوضحت مضمونها بقدر الإمكان، في المقالين السابقين، لأن الوثيقة الأصلية غير معلنة وما تم نشرة في موقع الفاتيكان الرسمي هو النص الوحيد المتاح للتداول، ومنشور بعدة لغات أخذت منه النص الفرنسي والعربي.
وما أعيد الإشارة إليه هو أن هذا النص مكتوب عليه عبارة (Multimedia) تحت العنوان، في كافة ترجماته الفاتيكانية، وغير موقّع على النص باليد وإنما الأسماء مكتوبة بالطباعة فقط، وهو ما يؤكد وجود نص آخر ممنوع من التداول.. فالتوقيع اليدوي هو الذي يعطي للنص مصداقيته الرسمية. ولا أتناول هذه الوثيقة للمرة الثالثة إلا لسرعة إيقاع الأحداث، ليت المسئولين في الأزهر وفي أرجاء العالم الإسلامي يتداركون الموقف رغم شبه فوات الأوان..
وأول ما تجدر الإشارة إليه هنا هو التلاعب الخطير باسم الله ومعناه في كلٍ من المسيحية والإسلام. فهناك قرار معروف لكل مترجم أمين، صادر عن اليونسكو، بالنسبة للترجمة، ينص صراحة على كتابة الأسماء كما هي وعدم ترجمتها. والطامة الكبرى في هذه الوثيقة تكمن في كلمتي “الله” و”Dieu”. وكان لا بد من كتابتها كما هي دون تغيير في الترجمة الفرنسية: “Allah” وليس “Dieu”. فكلمة “Dieu”، بالفرنسية ترجمتها “الرب”، فهي تختلف من لغة لأخرى بما أنها صفة فيكتبونها Dio بالإيطالية وGod بالإنجليزية، بما أن المقصود بها صفة المعبود كما تكتب في =. فذلك الرب الذي يعبده المسيحيون أينما كانوا، مقصود به السيد المسيح الذي صُلب وقُبر ثلاثة أيام ثم صحا من الموت وجعلوه الإله الذي يعبدونه، وذلك في مجمع نقية الأول سنة 325. ثم أضافوا له الثالوث، فأصبح هو الآب والابن والروح القدس في مجمع القسطنطينية الأول سنة 381. ذلك هو الإله الذي يعبده المسيحيون، أما المسلمون فيعبدون الله الذي ليس كمثله شيء. واسمه اسم عَلَم لا يجب أن يتغير في أي لغة من اللغات فأينما ذُكر فهو “الله”، إلا في هذه الوثيقة فقد تم استخدامه مدخلا للخديعة الكبرى.
فكان من باب الأمانة، والفارق شاسع، خاصة ما ترتب عليه: فان كل ما هو وارد بالوثيقة باسم شيخ الأزهر ومعه المسلمون في كل مكان في العالم، تم تقديمه على أنه باسم “الرب” وليس باسم الله. فكلمة الله لم تظهر إلا في النص العربي ليبتلعها المسلمون. وقد انضم معهم البابا وكل المسيحيين الكاثوليك في العالم لتأييد ما يطالب به كافة المسلمين وعلى رأسهم شيخ الأزهر بنزع الإرهاب من الإسلام.
وما يطالب به الأزهر وكل مسلمي العالم ومعهم البابا فرنسيس وأتباعه، هو رفض الإرهاب رفضا قاطعا، كما يرفض العنف بلا مواربة أيا كان مصدر نصه، ويهدف إلى نزع السلاح، ليس العسكري فحسب وإنما الديني. وقد قالها البابا بصريح العبارة: “نزع سلاح قلب الإنسان”.. وبهذه الوثيقة حسم البابا الموقف في جملة واحدة: “إما أن نبني المستقبل معا وإلا فلن يكون هناك مستقبل”..
والوثيقة في مجملها استمرار لكل ما ورد بوثيقة “في زماننا هذا”، الصادرة عن مجمع الفاتيكان الثاني سنة 1965، التي برّأ فيها الفاتيكان اليهود من دم المسيح وحمّل وزر مقتله على المسيحيين المحيطين به آنذاك! وبتبرئة اليهود من دم المسيح خرج الفاتيكان عن عقيدة ظل يرددها لمدة ألفي عام. وهو ما تسبب فيما أطلقوا عليه “النزيف الصامت للكنيسة”، إذ بدأ تسلل القساوسة والأتباع..
كما تنص، أو تطالب، وثيقة الأزهر بحرية العقيدة وحرية تغيير الديانة، ومنح الحرية الكاملة المتقاسمة بعيدا عن الدين، ونزع عبارة “الأقليات” تماما، فهي تمهد الطريق للعدوان وتحرم بعض المواطنين من الانتصارات ومن الحقوق الدينية والمدنية وتوجد التفرقة العنصرية” والبحث عن السلام وعن العدالة الاجتماعية، والمطالبة بحرية المرأة وحقها في التعليم والعمل وممارسة حقوقها السياسية وانتزاع حريتها من الضغوط التاريخية والاجتماعية المخالفة لمبدأ الإيمان والكرامة”. كما طالب البابا “بالحرية الدينية والحقوق المتساوية للمواطنة في بلد عرف الكثير من عدم المساواة”.
وفي نهاية الوثيقة ومن خلال التعاون المشترك بين الكنيسة الكاثوليكية والأزهر الشريف “نعلن أننا سنعمل على إيصال هذه الوثيقة إلى صُنّاع القرار العالمي والقيادات المؤثرة ورجال الدين في العالم والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية، ومنظمات المجتمع المدني، والمؤسسات الدينية وقادة الفكر والرأي، وأن نسعى لنشر ما جاء بها من مبادئ على كافة المستويات الإقليمية والدولية، وأن ندعو إلى ترجمتها إلى سياسات وقرارات ونصوص تشريعية، ومناهج تعليمية ومواد إعلامية”.. وهذه الفقرة الأخيرة نقلا من النص العربي الصادر عن الفاتيكان، ويكشف عن كيفية تحويله إلى قرارات دولية مُلزمة..
ولو عدنا إلى وثيقة “في زماننا هذا” التي وضعت الإسلام ضمن ديانات جنوب شرق آسيا، وتسعي إلى توحيد الأديان الإبراهيمية، تمشيا مع النظام العالمي الجديد ويعني نظام سياسي واقتصادي وديني واحد، وبينما يتم الإعداد لذلك تحت عباءة كورونا الفضفاضة، وما يواكبها من إعادة توزيع أوراق اللعبة السياسية والاقتصادية، تم الإعداد للدين الواحد تحت مسمي “العائلة الإبراهيمية” بعد نزع آيات تمثل ثلث القرآن التي ترفض الشرك بالله أو تكشف كل ما تم من تحريف في الرسالتين السابقتين..
وتم عمل مسابقة للتصميم المعماري لتلك “العائلة الإبراهيمية” التي سيصلي أتباعها بالحركات “الرياضية” التي تروق لها، وكسب التصميم المنشور بأعلى المقال مهندس إسرائيلي، وسوف تقوم شركة إسرائيلية ببناء وتنفيذ هذا التصميم على أن ينتهي قبل سنة 2022.. وقد سبق هذه المسرحية الإماراتية، زيارة البابا للمغرب حيث تم تقديم عرضا للأذان والصلاة الافتتاحية لليهودية والمسيحية، في إشارة إلي دمج الديانات الثلاثة.. وأعاد الفاتيكان إذاعة التسجيل بمناسبة مرور عام على هذا العبث.ولا يسعني إلا إضافة: أفيقوا أيها المسلمون فاللعبة دخلت حيّز التنفيذ.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)