مقالاتمقالات مختارة

واجبات الأمة نحو المقاومة الفلسطينية

واجبات الأمة نحو المقاومة الفلسطينية

بقلم د. حسان عبدالله حسان

إن مفهوم الأمة الإسلامية يمكن أن ننظر إليه من ثلاثة أبعاد، الأول البعد الإيماني والذي يربط بين الأمة وبين دينها وبين خالقها “وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون”، والثاني: البعد الحضاري ويضم في ذلك كل من ينضوي تحت مظلة الأمة بأجناسها وأعراقها ومذاهبها واختلاف الاعتقاد، وهو ما تحقق تاريخيًا وحضاريًا، والثالث: البعد المادي ويتضمن تجسيدات الأمة في الواقع والذي يتمثل في: الأفراد المنتمين إليها والأنظمة والحكومات والنظم الاجتماعية والمؤسسات. ونخاطب الأمة في هذه الرسالة بهذه الصفات والأبعاد الثلاثة.

المقاومة: الروح لجسد الأمة

  إن الاعتقاد الأول في المقاومة، أنها تمثل روح الأمة، وما قدمته في الأيام العشرة (5-15 مايو 2021) هو بمثابة عودة الروح إلى الجسد الذي ظن أعداء الأمة أنه جثة هامدة، يأكل ويشرب عليها كيفما شاء، فأثبتت المقاومة خطأ هذا الوهم، واستبدلته بحقيقة “الأمة الحية” النابضة بالحياة، النابضة بالمقاومة والعزة والكرامة.

أما الاعتقاد الملهم الثاني من المقاومة من الانتفاضة الفلسطينية الكبرى – رمضان 1442ه- هو أن ضعف المسلمين هو ضعف ذاتي، وكذلك إن قوة المسلمين كذلك هي قوة ذاتية من داخلهم لا من خارجهم، وهذا أدعى إلى البحث في مقومات الأمة الذاتية التي تبعث فيها القوة والحياة.

أما الاعتقاد الملهم الثالث من الانتفاضة الفلسطينية الكبرى – رمضان 1442ه- هو أن وهم قوة العدو وضخامته، على غير حقيقته، وأن الصورة التي رسمها لنفسه عبر (73 عامًا) مزيفة وغير وحقيقة، وأن كل مواجهة جادة معه تثبت هشاشته، ووهنه.

الاعتقاد الملهم الرابع من الانتفاضة الفلسطينية الكبرى – رمضان 1442ه- هو أن المقاومة قادرة على تخليص الأنظمة العربية من التبعية للغرب وأمريكا، ومن ثم يكف عنها استنزاف ثروات الشعوب وتزييف إرادتها لصالح الغرب وأمريكا.

الاعتقاد الملهم الخامس من الانتفاضة الفلسطينية الكبرى – رمضان 1442ه- هو أن للنصر موازين أخرى غير كثرة العدة والعتاد. وهي موازين بناء الإنسان صاحب الحق والمعتقد فيه.

الاعتقاد الملهم السادس من الانتفاضة الفلسطينية الكبرى – رمضان 1442ه- هو أن استقلا إرادة الإنسان المسلم قادرة على صناعة الإبداع والخلاقية الصناعية وغيرها.

 الاعتقاد الملهم السابع من الانتفاضة الفلسطينية الكبرى – رمضان 1442ه-  إن المقاومة الفلسطينية روح تسري في كل الجسد الإسلامي، تنشله من الجيفة إلى الحياة الطيبة. ومن هنا – ومن أجل تحقق ذلك- فإن هناك عددًا من الواجبات التي يجب أن تضطلع بها الأمة: دولًا ونظمًا ومؤسسات وأفرادًا، نشير إلى جانب منها فيما يلي.

الواجبات السياسية:

إن الواجبات السياسية التي يجب أن تضطلع بها الأنظمة والدول والحكومات

  • مراجعة الاتفاقات السياسية مع العدو الصهيوني.
  • مراجعة مبادرات التطبيع والاتفاقات الثقافية.
  • مراجعة الاتفاقيات الاقتصادية.
  • مراجعة درجات التمثيل الدبلوماسي.
  • مراجعة العلاقات العربية الصهيونية بشكل عام وعاجل.
  • إعادة الاعتبار السياسي لحركات المقاومة الفلسطينية وتمثيلها الدائم في الدبلوماسية العربية والإسلامية.
  • إدماج المكاتب السياسية لحركات المقاومة الفلسطينية في المؤسسات والنظم والتجمعات السياسية العربية والإسلامية.
  • وضع القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها، في بؤرة العمل السياسي الجماعي العربي والإسلامي.
  • تفعيل المنظمات السياسية العربية والإسلامية التي أنشأت خصوصًا لمناصرة القضية الفلسطينية.

الواجبات الاقتصادية:

   إن التمويل المنظم والمقنن والاستراتيجي للمقاومة أمر لازم، ينبغي أن يطرح على ميزانيات الدول العربية والإسلامية، وبرامجها الاقتصادية والتنموية. إن الهدف الأساسي في هذا الواجب هو تلبية الاحتياجات الأساسية للمقاومة الحالية والمستقبلية بصورة مقننة ومنظمة وعبر وسائل واضحة – فوق الأرض-، والمحافظة على إرادتها وعدم لجوؤها إلى مصادر تمويل تقهر إرادتها.

ونقترح في هذا الواجب ما يلي:

  • أن يخصص باب من ميزانيات الدول العربية والإسلامية للمقاومة بشكل واضح وصريح.
  • أن يخصص جانب ملائم من زكاة الركاز في الدول البترولية بما يسد خلة المقاومة.
  • أن تقام مشاريع وقفية موجهة لخدمة المقاومة – ويطرح فيها أسهم لمشاركة عموم الأمة- بما يحقق أهداف التنمية الإنسانية للمقاومة.

الواجبات التربوية:

    يمكن النظر إلى الواجبات التربوية للأمة في العمل على تحقيق غاية واحدة جامعة – في ضوء ما قدمته المقاومة في الانتفاضة الكبرى في رمضان- هذا الغاية تجيب عن تساؤلين رئيسين هما ” من نحن؟”، و “من العدو”؟، هذان السؤالان من الأهمية بمكان أن يشغلا تفكير التربويون المسلمين، لأنهما الأساس في ملاحقة التغير الحاصل في حركة المقاومة قلب الأمة النابض، وروحها الفياض بالحياة.

وفي ذلك نقترح ما يلي:

أولًا: على المستوى الرسمي اقترح على وزراء التربية والتعليم العرب والمسلمين:

  • كتاب تعليمي موحد حول (جرائم الدولة الصهيونية في حق العرب والمسلمين) موثق بالصور والتواريخ وكل ما يلزم في ذلك..وأن يتم تدريسه للمتعلم العربي والمسلم عبر سنواته الدراسية من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة…
  • الغاء أشكال الاتصال التربوي والتعليمي في البرامج الدولية التي يشترك فيها العدو الصهيوني.
  • مراجعة برامج التعليم التي تقرها اليونسكو والتي تهدف إلى إدماج العدو الصهيوني في الوقع العربي والإسلامي عبر التعليم باعتباره أهم وسائط تشكيل لعقل والجدان الإنساني.

ثانيًا: على مستوى جماهير الأمة

   ونقصد في هذا المستوى كل الجهود التربوية – غير الرسمية- التي تبذل في بناء الإنسان العربي والمسلم، والأسرة في القلب منها، والواجب هنا أن يتأسس خط الوجدان في الأمة من جديد ليلائم المرحلة الحضارية الجديدة التي تؤسسها المقاومة.

   إن من أهم معالم خارطة “المقاومة” في الأمة: إعادة تأسيس خط الوجدان فيها ليبدأ ليتوافق مع بعثها الجديد نحو الحرية والتحرر والتحرير وبدلًا من أ.ب.ت. تكون (ق.د.س ) (ق.ا.و.م) (أ. ق. ص.ى)، فهذه التشكلات الجديدة نافذة في عمق الأمة وتمتلك من الدلالات ما يعضدها في الوجدان، فالقدس من الطهارة والتطهير الإلهي لنفوسنا { رُوحُ الْقُدُسِ} [النحل/102]، والبيت المقدس هو المطهر من النجاسة، أي الشرك وكذلك الأرض المقدسة، و”القدس” بيت المقدس المطهرة من قِبل الله، وكل ما يطرأ عليها من شرك ودناسة هو أمر عارض في مسيرتها التاريخية والحضارية، تتحمل الأمة رفعه عنها لتعيده إلى أصله الإلهي من الطهارة والتزكية، وأن تدافع الشر مهما كان، فالأمة هي طرف الخير في سنة التدافع والدفع {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ} [الحج/40] وهي طرف النفع الباقي في الأرض إذا هي قاومت الزبد كل الزبد وطاردته، وأظهرت للناس كل الناس زيف هذا الزبد وخداعه وادعاءاته الباطلة، وهذا لن يكون إلا باقتناص الأمة الإرادة من قلب الوهن، والقوة من قلب الضعف، والشجاعة من قلب الجبن.

   إن التنشئة الأسرية –ذلك المفصل الحيوي في البناء التربوي والوجداني- هي مدار بناء المقاومة الوجدانية، وبناء مفهوم الأمة الواحدة، فتنقل “الأسرة” تلك الوِحدة الأم في النظام التربوي شعور الوعي الجماعي بالأمة إلى اللاشعور الجماعي –أيضًا- ومن ثم يكون التوحيد والأمة من متطلبات مشروع المقاومة في الأمة وتجديده في ضوء الوضع الراهن، فالأمة والتوحيد مفهومان جاذبان لكل أقطاب مفهوم الأمة ومكوناتها، والمقاومة في ضرورتها الراهنة هي موضوع الحركة لكل تلك الأقطاب، إن الأمة في حاجة إلى التماسك من أجل الوَحدة الجامعة، والمقاومة هي المفاعل الاستقطابي الذي ينبغي أن تعمل لأجله التنشئة السرية الحيوية الحضارية.

     كذلك لابد من الارتفاع بوعي الأمة بالقرآن، الذي هو المركز في كل حركة ونشاط حضاري لها، ولابد من التأسيس التربوي للنظرة إلى الذات الإسلامية، أي الـ “النحن”، وإلى “العدو الصهيوني”، وأن تتأسس في الطفولة الإسلامية رؤية وتصورًا قرآنيًا عن السؤالين السابقين “من نحن”؟ و” من العدو”؟

الواجبات الإعلامية:

المقاومة هي روح الحقيقية، والحق هو روح المقاومة، والواجب الإعلامي على الأمة هنا يتمثل في ضرورة بناء شبكة إعلامية جامعة متعددة التخصصات والبرامج لتنافس الإعلام العالمي الموالي للعدو الصهيوني، والذي يتحكم في توجيه المعلومات وتأسيس المعلومات المزيفة في العقل العالمي وتحويلها إلى حقائق ثابتة. إن المطلوب في واجب الأمة الإعلامي أن تستهدف أن تكون ضمن أولئك الذين يتحكمون في اتجاه المعلومات وبدلًا من أن يكون هذا الاتجاه أحادي العمل والوجهة (من الشمال إلى الجنوب)، يكون ثنائي الوجهة فيضاف إليه اتجاه (من الجنوب إلى الشمال) ينافس في استقامة وموضوعية وشفافية تنطلق من مثال الحق والحقيقية. لمواجهة زيف العدو الصهيوني والموالين له.

يجب أن يكون من أهداف الأمة في المجال الإعلامي هو بناء شبكة إعلامية كبرى قادرة على صناعة المعلومات، وقادرة على الترويج لها ومنافسة ما يقوم بع الإعلام المعادي والمضلل سواء فيما يتعلق بالحرب النفسية المتبادلة، أو بمجال الحق والحقيقة، أو بمجال إعادة بناء مفاهيم القضية الفلسطينية في العقل العربي والعالمي.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى