هولوكوست الباغوز .. مذبحة جديدة للمسلمين
بقلم عمر ياسين
في أقل من ٢٤ ساعة قتل ٣٠٠٠ مسلم على أيدي قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية صور صادمة وجثث متفحمة متكدسة فوق بعضها والميليشيات الكردية تمنع الاتصالات والصحفيين ووسائل الإعلام عن تغطية المذبحة. جثث النساء والعواجيز والأطفال في الشوارع متفحمة بعد ملحمة بكى لها الحجر قبل البشر. والأمه في سبات ومعظم وسائل الإعلام تعتم على المجزرة، أكثر من ٦٥٠ امرأة و٩٢٠ طفل و١٤٠٠ رجل تم تشريدهم وحصارهم ثم قتلهم وحرقهم بالقنابل الفسفورية والأسلحة المحرمة دوليًا. فارتكب الغرب جريمة من أبشع جرائم التاريخ بدعوى مكافحة الإرهاب، فإن لم تكن هذه المذبحة الإرهاب بعينه فكيف يكون الإرهاب؟
قرية الباغوز تقع على بعد نحو ١٢٠ كيلومتر جنوب شرق مدينة دير الزور وكانت هذه القرية ساكنة إلى أن تحولت إلى جحيم. هذه القرية التي احتضنت مذبحة جديدة للمسلمين وإبادة جماعية للأطفال والنساء، كانت هذه القرية تضم آخر معاقل تنظيم الدولة وعائلاتهم وحولها التنظيم إلى خندقه الأخير للدفاع عن دولته. كانت المفاوضات بين التحالف الدولي وتنظيم الدولة مستمرة وكانت هناك هدنة ومعبر آمن ليسمح بخروج أفراد التنظيم؛ وبالفعل خرج الآلاف من الأطفال والنساء والجرحى، ولكن لم يكن الممر آمنًا كما ادعوا.
فقامت قوات سوريا الديمقراطية بمعاملتهم كمجرمين وقامت بسحب جميع هوياتهم وأوراق ثبوتهم واقتادت بعضهم إلى جهات أمنية غير معلومة والبعض الآخر إلى سجون سيئة السمعة بالإضافة إلى مخيم الهول شمال سوريا في محافظة الحسكة الذي تحول إلى مستودع غير آدمي للفارين من الباغوز. انحصر الآلاف من المدنيين وأفراد التنظيم في جيب مساحته كيلومترا مربعًا وقام التحالف بتحويل هذا الكيلو إلى حفرة من الجحيم فأغدق على هذه المساحة القنابل الفسفورية الحارقة، فاحترقت الأجساد وتناثرت الأشلاء وكتب التاريخ مجزرة جديدة للمسلمين في ظل سبات عميق للأمة وحكام العرب.
يتعلل البعض بمخاطر تنظيم الدولة وانحرافه الفكري ليبرر هذه المذبحة الشنيعة، ولكن لا يوجد أي مبرر لتبرير هذه الجريمة الوحشية، خصوصًا وأن الخيارات الاستراتيجية كانت كثيرة، ولكن آثر التحالف الدولي والغرب أن يوجه هذه الضربة للمسلمين. فبعد أن تعاطف العالم أجمع مع المسلمين بعد حادثة نيوزيلندا وغضب العالم علي خطاب الكراهية العنصري للمسلمين من قبل اليمين المتطرف؛ قرر ترامب والتحالف الدولي أن يسطر مذبحة جديدة ضد المسلمين في التاريخ. تنضم هذه المذبحة إلى أخواتها من المذابح ضد المسلمين في العصر الحديث وكان آخرهم مذبحة فض ميداني رابعة والنهضة.
فهل صارت أرواح المسلمين أوراقًا سياسية يستغلها الغرب لتحقيق مآربه؟ هل صارت أرواح المسلمين أرقامًا يعتاد مطالعتها ولا تحرك فينا ساكنًا؟ أين حكام العرب والمسلمين من هذه الدماء المسالة؟ فالحقيقة أن هذه المذبحة لم تكن ضرورة استراتيجية ولم تكن لمحاربة الإرهاب ولم تكن لمواجهة الفكر المتطرف؛ كانت هذه المذبحة استهدافًا مباشرًا للمسلمين وترجمة لخطاب الكراهية المعادي للإسلام وإرضاءًا لترامب والغرب.
إذا نظرنا إلى الطبيعة الجغرافية والوضعية الاستراتيجية لقريه الباغوز ونظرنا إلى حسابات أرض الوقع العسكرية سنجد أن معركه الباغوز هي تحصيل حاصل من الناحية العسكرية، فتنظيم الدولة كان منحصر في جيب مساحته كيلو مترا مربعا واحدا ولم يكن لدي التنظيم القوة الكافية لمواجهه قوات سوريا الديمقراطية ولا قوات التحالف الدولي بالإضافة إلى المعاملة الإجرامية للخارجين من المعبر الآمن دفعت الكثير من العائلات إلى عدم المغادرة وتفضيلهم الموت على هذه المعاملة. وعلى الرغم من كل هذه المعطيات العسكرية والجغرافية إلا أن التحالف الدولي قرر تحويل هذا الكيلو إلى بقعه من الجحيم بوابل من القنابل الفسفورية الحارقة التي أدت إلى إبادة جماعية للمدنيين المسلمين ثم نجد مبررات التحالف الدولي معلقه على شماعة زائفه بأن تنظيم الدولة كيان إرهابي خطر على الأمن العالمي ولكن ما ذنب المدنيين المسلمين؟
لقد كانت الخيارات الاستراتيجية كثيره لواشنطن ولكنها فضلت هذه المذبحة، كانت تركيا والقوات المدعومة منها في سوريا على استعداد لإنهاء هذا الأمر بطريقه لا تؤدي إلى هذه المذبحة ولكن رفضت الولايات المتحدة عروض تركيا كلها وقررت إنهاء هذا الأمر بطريقتها البشعة الإرهابية الإجرامية لتوجه ضربة لا لتنظيم الدولة ولكن للمسلمين جميعا. لم يكن ترامب بهذا الغباء ليفوت هذه الفرصة لسحق المسلمين ولما لا وهو اليميني المتطرف المعادي للإسلام صاحب الخطاب الأول للكراهية ضد المسلمين في الغرب الآن.
كان ترامب منزعجا جدا من حالة التعاطف العالمي مع المسلمين بعد حادثه نيوزيلندا وتراجع خطاب الكراهية ضد المسلمين فقرر اختيار هذا التوقيت ليقضي على هذه الحالة ويقرر في خطاب صحفي استعراضي أنه استلم الرئاسة وكان تنظيم الدولة يسيطر على مساحة كبيرة من الأراضي أما الآن لم يتبقى له إلا هذه النقطة وهي الباغوز وسيتم القضاء عليه نهائيا، ثم استخدم الغرب والتحالف نفس الشماعة الزائفة ليبرر مقتل المدنيين بأن تنظيم الدولة استخدمهم كدروع بشرية. أما النقطة الأخطر والأسوأ من استخدام الغرب هذه الشماعة هي وقوع الكثير من المنتمين للتيار الإسلامي وبعض قادة الفكر الإسلامي في فخ استخدام هذه الشماعة.
كلنا يعلم أن لتنظيم الدولة انحرافات فكرية والكثير من الحركات الإسلامية على خلاف مع التنظيم ويعتبرونها خطرا على مستقبل التيار الإسلامي، ولكن هذه المذبحة ليست الوقت المناسب أبدا للخوض في هذه التفاصيل لأنه وكما قلنا هذه إبادة جماعية للمسلمين وليس تنظيم الدولة هذه مذبحة للمدنيين وليس للمقاتلين. فنجد للأسف الكثير من المنتمين للتيار الإسلامي وقعو في فخ السذاجة وبدأوا في تبرير هذه المذبحة على نفس شماعة استخدام المدنيين كدروع بشرية.
نجد وللأسف بعض القادة من التيار الإسلامي فرحين بالقضاء على تنظيم الدولة والقضاء على هذا الفكر المنحرف ولكن ألم يسأل هؤلاء أنفسهم أي دين ينتمي إليه المقتولين؟ ألم يسأل هؤلاء أنفسهم أي دين ينتمي إليه القتلة؟ ألم يسأل إلى هؤلاء أنفسهم أي صفه كانت الغالبية من القتلى؟ ألم تكن هذه المعركة بين الصليبين والمسلمين ومعظم المقتولين من المدنيين الأطفال والنساء.. فكيف وقع هؤلاء في هذا الفخ الساذج؟
أثناء عمليه برجي التجارة العالمي الذي نفذها تنظيم القاعدة وقفت الأمه الأمريكية والغرب بالكامل بالإضافة إلى العلمانيين والقوي المدنية والكثير من الإسلاميين في صف الولايات المتحدة وتعاطفوا مع هذه الأزمة وتعاطفوا مع القتلى الأمريكان على الرغم أن هذه العملية كانت رد فعل على جرائم الولايات المتحدة في أفغانستان ضد المسلمين وعلى الرغم من ذلك نسي الشعب الأمريكي والنخبة الأمريكية خلافهم مع الإدارة الأمريكية وقرروا جميعا الوقوف في صف واحد ضد الإسلام فأداروا هذه الأزمة لصالحهم وخرجت الولايات المتحدة الأمريكية تغزوا بلاد المسلمين تحت مسمي مكافحه الإرهاب العالمي ونفس الأمر بعد حادثة شارل ايبدو على الرغم من أن هذه العملية كانت رد فعل على الرسوم المسيئة للرسول صلي الله عليه وسلم ولكن وقف الجميع تعاطفا مع القتلى. ولكننا للأسف نحن المسلمون لم ننسى خلافاتنا في هذه المذبحة بل ساعدنا الغرب في تبرير هذه المذبحة وتم التعتيم عليها وخسر المسلمون مرة أخري وضاع حق الأمة الإسلامية وسطرنا قصة أصحاب أخدود هذا العصر لنضيف إلى مآسينا مأساة جديدة.
(المصدر: مدونات الجزيرة)