مقالاتمقالات مختارة

همم في القمم (3-4)

همم في القمم (3-4)

بقلم محمد عبد الرحمن صادق

لقد ارتوى الصحابة والتابعين من معين همة النبي صلى الله عليه وسلم ما جعلهم ينطلقون في الحياة جاعليها مزرعة للآخرة فانقطعوا عن كل لذة دون لذة العمل لله تعالى ونصرة دينه.

– تحدثنا في الحلقة الأولى بفضل الله تعالى عن مقدمة لشحذ الهمم مزودة بأمثلة على ذلك، وتطرقنا لتعريفات مختلفة لمعنى الهمة، ثم ذكرنا بعض آيات القرآن الكريم في هذا الشأن.

– وفي الحلقة الثانية تحدثنا بفضل الله تعالى عن بعض الأحاديث التي وردت في شأن الهمة العالية ثم عن صورتين من صور الهمة العالية في حياة الصحابة والتابعين.

– وفي هذه الحلقة سنكمل الحديث عن صور الهمة العالية في حياة الصحابة والتابعين.

3- عن سعد رضي الله عنه قال: “رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟ قال: إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني، وأنا أحبُّ الخروج لعلَّ الله أن يرزقني الشهادة، قال: فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّه، فبكى فأجازه، فكان سعد رضي الله عنه يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره، فقتل وهو ابن ست عشرة سنة”.

4- عن أنس رضي الله عنه قال: “غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين؛ لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينَّ الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني أصحابه – وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء، يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة وربِّ النضر، إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثَّل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى أو نظنُّ أنَّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ [الأحزاب: 23] إلى آخر الآية ” [رواه البخارى].

5- جاء في “طبقات الشافعية الكبرى” كان النووي عالي الهمة في طلب العلم منذ صغره، فقد ذكر ابن داود العطار عن ياسين بن يوسف المراكشي قال: [رأيت الشيخ محيي الدين، وهو ابن عشر سنين بنوى، والصبيان يُكرهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم، ويبكي، لإكراههم، ويقرأ القرآن في هذه الحالة، فوقع في قلبي محبته، وجعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال: فأتيت الذي يقرئه القرآن، فوصيته به، وقلت له: هذا الصبي يُرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال لي: أمنجم أنت؟ فقلت: لا، وإنما أنطقني الله بذلك، فذكر ذلك لوالده، فحرص عليه، إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الاحتلام].

• إن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين الذين تربوا في مدرسة النبوة استوعبوا جيدا فضل الهمة العالية وعرفوا ما أعده الله تعالى لأصحابها فانتشروا في الأمصار والثغور في كل مكان لكي يظفروا بهذا الأجر ولكي يكونوا قدوة لمن بعدهم إلى يوم أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.

انتشروا..
ليموت أنس بن مالك رضي الله عنه بالبصرة.
ويموت البراء بن عازب وأبو أمامة سهل بن حنيف رضي الله عنهما بالكوفة.
ويموت عُبَادَةَ بنَ الصَّامِتِ رضي الله عنه بالقدس في فلسطين.
ويموت أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه بالأردن.
ويموت شرحبيل بن حسنة ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما في طاعون عمواس بالشام.
ويموت بلال بن رباح وأبو الدرداء الأنصاري رضي الله عنهما بدمشق.
ويموت ثوبان بن بجدد رضي الله عنه – مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم – بحمص بالشام.
ويموت جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه في بلدة “قرقيسيا” على نهر الفرات شرق سوريا.
ويموت سلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما بالمدائن.
ويموت أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه في القسطنطينية باسطنبول.
ويموت بريدة بن الحصيب رضي الله عنه بخرسان.
ويبني عمرو بن العاص رضي الله عنه مدينة الفسطاط في مصر ويموت أيضاً بمصر.
ويؤسس عقبة بن نافع رضي الله عنه مدينة القيروان ويموت في بلاد المغرب.
ويكفينا أن نعرف أنه لم يُدفن في مكة والمدينة من المئة ألف صحابي الذين شهدوا حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا بضع آلاف فقط والباقي قد دفنوا في مشارق الأرض ومغاربها.

للحديث بقية إن كان في العمر بقية إن شاء الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى