مقالاتمقالات مختارة

هل يُعذر المخطئ في اجتهاده في الأصول والفروع؟

هل يُعذر المخطئ في اجتهاده في الأصول والفروع؟

بقلم أيمن صالح
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وآله ومن والاه، وبعد:
فإذا اجتهد شخص وُسْعَه في الوصول إلى الحق فأخطأه فهل يُعذر في اجتهاده هذا عند الله تعالى أو لا؟
يذكر الأصوليون هذه المسألة في باب الاجتهاد والتقليد من كتب الأصول. والمحكي فيها أقوال ثلاثة: طرفان وواسطة:

1. لا يُعذر من اجتهد فأخطأ الحق، سواء في مسائل الأصول أو الفروع. وهؤلاء هم “المؤثِّمة”. ويُعزى هذا القول إلى بشر المريسي من المعتزلة وإلى الإمامية والظاهرية.

2. يُعذر من اجتهد فأخطأ الحق، سواء في الأصول أم الفروع. وأصحاب هذا المذهب على طبقتين:
  • الأولى: خصوا ذلك بالمسلمين، ويعزى ذلك إلى عبيد الله بن الحسن العنبري القاضي (قال ابن حبان: من سادات البصرة فقها وعلما توفي 168ه) ومما يُروى عن العنبري قوله في القدرية: “أنهم نزهوا الله” وفي الجبرية: “أنهم عظموا الله”. ومال إلى رأيه هذا ابن تيمية. قال، رحمه الله (منهاج السنة النبوية 5/ 87): “والقول المحكي عن عبيد الله بن الحسن العنبري هذا معناه أنه كان لا يؤثِّم المخطئ من المجتهدين من هذه الأمة: لا في الأصول ولا في الفروع. وأنكر جمهور الطائفتين من أهل الكلام والرأي على عبيد الله هذا القول. وأما غير هؤلاء فيقول: هذا قول السلف وأئمة الفتوى، كأبي حنيفة والشافعي والثوري وداود بن علي وغيرهم، لا يؤثمون مجتهدا مخطئا لا في المسائل الأصولية ولا في الفروعية، كما ذكر ذلك عنهم ابن حزم وغيره. ولهذا كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء، إلا الخطابية، ويصححون الصلاة خلفهم. والكافر لا تقبل شهادته على المسلمين، ولا يصلى خلفه. وقالوا: هذا هو القول المعروف عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة الدين: إنهم لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحدا من المجتهدين المخطئين، لا في مسألة عملية ولا علمية”.

    ويدل عليه أيضا قول ابن حزم (الدرة فيما يجب اعتقاده ص414): قال رحمه الله: “ومن بلغه الأمر عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من طريق ثابتة، وهو مُسلِم، فتأول في خلافه إياه، أو ردَّ ما بلغه بنص آخر، فما لم تقم عليه الحجة في خطئه في ترك ما ترك، وفي الأخذ بما أخذ، فهو مأجور معذور، لقصده على الحق، وجهله به، وإن قامت عليه الحجة في ذلك فعاند، فلا تأويل بعد قيام الحجة “

  • والطبقة الثانية: جعلوا هذا عاما حتى في أهل الملل الأخرى غير المسلمين. ويعزى هذا الرأي إلى الجاحظ، ومال إليه الطوفي الحنبلي ومما قال، رحمه الله: (شرح مختصر الروضة 3/ 610): “هذا إلزام ألزم الناس الجاحظ به على مقالته، وهو أن يلزمه رفع الإثم والوعيد عن كل كافر؛ من منكري الصانع، والبعث والنبوات، واليهود والنصارى، وعبدة الأوثان الذين قالوا: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى}، لأن اجتهادهم هو الذي أداهم إلى ذلك. قوله: «وله منع أنهم استفرغوا»، إلى آخره. هذا الاعتذار للجاحظ عن هذا الإلزام. وتقريره: أن للجاحظ أن يمنع أن هؤلاء الكفار «استفرغوا الوسع في طلب الحق» ، أي: لا نسلم أنهم بذلوا المجهود المعتبر لمثلهم في مثل مطلوبهم، فكانوا مفرطين مقصرين، فكان «إثمهم على ترك الجد» والاجتهاد الواجب عليهم، لا على مجرد الخطأ، بل منهم من عاند مع اتضاح الحق له، كما أخبر الله، عز وجل، عن أهل الكتاب بقوله تعالى: {وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم} وقوله، عز وجل: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون}، فالكفار إذن طائفتان: معاند ومقصر في الاجتهاد، فعوقبوا لعنادهم وتقصيرهم، ونحن إنما نعذر من اجتهد غاية وسعه فلم يدرك وخلا عن العناد، فظهر الفرق. قلتُ: ومنذ خطر لي هذا الاعتذار عن الجاحظ، كان يغلب على ظني قوته، وإلى الآن والجمهور مصرون على الخلاف، ولا يتمشى لهم حال إلا على القول بتكليف المحال لغيره، وتساعدهم ظواهر النصوص، نحو قوله، عز وجل: {ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار}، فتوعدهم بالنار على كفرهم، ولم يعذرهم بالخطأ، وعلى الآية اعتراضات لا تخفى. وبالجملة؛ الجمهور على خلاف الجاحظ، والعقل مائل إلى مذهبه”.
3. يُعذر من اجتهد فأخطأ الحق في الفروع دون الأصول. وهو القول المعزوّ إلى الجمهور، وبعضهم نقل فيه الإجماع!.
والله أعلم بالصواب.
(المصدر: مدونة أيمن صالح)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى