مقالاتمقالات المنتدى

هل يخدع الشعب العربي مرة أخرى؟

هل يخدع الشعب العربي مرة أخرى؟

 

بقلم أ. عماد الدين عشماوي (خاص بالمنتدى)

 

منذ قرن ونيف خدع العرب المسلمون من الاستعمار البريطاني، فبعد الإجهاز على ما تبقى من الخلافة العثمانية، أخلف للعرب وعدهم بمملكة عربية متحدة لقاء الثورة على العثمانيين، في حين كان يجهز لتقسيم بلادهم مع الفرنسيين والروس، وتهيئة فلسطين لتكون وطنا ليهود أوروبا الغير مرغوب فيهم داخلها والمطلوب قيامهم بدور جديد في بلادنا.

وتوالت عمليات الخداع لكل قطر عربي جديد صنعته أيدي البريطانيين والفرنسيين في معاهدة سايكس بيكو، وظل العرب قرنا كاملا يضربون في تيه الاستقلال المزعوم، وصداقة الغرب والشرق الكاذبة، والثقة في حكام لم يكونوا أبدا أهلا للثقة لعلة في الكفاءة أو في الانتماء أو في كلتاهما، ولم يجن الشعب العربي المسلم من ذلك كله سوى ما نراه اليوم: احتلال اقتصادي وسياسي وثقافي غير مسبوق، وتطبيع مهين مع العدو الصهيوني، وأنظمة بدأت عربية وانتهت صهيونية بل أكثر صهيونية من الصهاينة أنفسهم، وصراع محتدم بين المستعمرين القدامى والجدد لنهب خيرات بلادنا والسيطرة على مواردنا ومواقعنا المتحكمة في تجارة العالم وطرق مواصلاته برا وبحرا جوا، وإفساد أجيالنا الجديدة حتى لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا، فتنسى إسلامها وعروبتها ومعنى وجودها ودورها ووظيفتها الحضارية التي بها تكون مسلمة لرب العالمين وتعيش معيشة الاستهلاك الضنك حتى تنفق كما تنفق البهائم.

فمنذ قرن خدع كثير من قادة العرب وعلماؤهم في الاحتلال البريطاني والفرنسي وظنوا به خيرا لا أدري كيف؟ وليس ذلك وحسب بل إن كثيرا منهم خدعوا في الصهيونية، والغالبية ولم يتنبهوا لعظم خطرها على الأمة، والجميع لم يدرك مغزى زرعهم في فلسطين تحديدا إلا بعد فوات الأوان، وينطبق الأمر ذاته على قيادات أهل فلسطين مع اختلاف درجات قلة الوعي بينهم.

فهل يخدع عرب اليوم مرة أخرى حتى يفيقوا بعد عقود تطول أو تقصر على سايكس بيكو جديدة ووعود بلفور جديدة لآخرين يلعبون نفس دور الكيان الصهيوني فيمن يحيطون بنا من دمى الاستعمار في أفريقيا وآسيا؟

لقد اجتمع على أمتنا العربية المسلمة كل عوامل الفناء والتخريب من الداخل والخارج، واشتد الصراع الذي لا نجد له أثرا في حروبنا الكلامية الفارغة بين فريقين من الاستعماريين: الفريق الغربي ممثل الاستعمار القديم بقيادة أمريكا وأوروبا وحلف الناتو بما فيه من دول مسلمة، وفريق الخليط بين الاستعمار القديم والجديد ممثلا في روسيا والصين والهند، بالإضافة للعدو الصهيوني ومشروعه المستقل في بلادنا والمتقاطع مع كلا الفريقين الاستعماريين والمتواصل معهما كعادة يهود في تعاملاتهم الدولية.

فالصراع على أمتنا والسيطرة عليها والفوز باحتلالها مباشرة أو عبر آليات الاقتصاد والثقافة والاجتماع وزرع العملاء والخونة في مقاعد الحكم، يتقاسمه نفس مجموعة الاستعمار القديم: أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا، وتضاف إليهم القوى الآسيوية الجديدة الصاعدة: الصين والهند. وتوجد على تخوم الأمة وعلى رأس مصبات المياه أثيوبيا وجنوب السودان وحفتر ليبيا وأكراد العراق ودروز فلسطين ونصيرية سوريا التي تتأهب جميعها لتكون إسرائيل الجديدة فيما تبقى من هذا القرن في أدوارها في تفتيت الأمة المفتتة أصلا، وإمارات وممالك الخليج التي تم تأهيل قادتها لتلعب دور الخونة في تاريخنا القديم الذي مهدوا للمغول والتتار والصليبين لاحتلال بلادنا والتمكن منها لعقود وبلغ بعضها أكثر من قرن من الزمان مثل الصليبين.

فهذه مصر تم بيع أهم مقدراتها الاقتصادية وتم رهن أمنها الغذائي واللوجستي للعدو الصهيوني والأمريكي والروسي والصيني والهندي. وتم بيع جزرها وجزء كبير من سواحلها لمماليك الخليج واجهة الصهاينة المشترون الحقيقيون لكل ذلك بعد أن وصل لقمة قيادتها مجموعة من المتصهينين.

وعلي حدود مصر العربية نجد ترتيبات كثيرة لاختراع دويلات جديدة في النوبة وفي ليبيا وتهيئة العدو الأثيوبي المتصهين ليكون خنجرا يقتل المسلمين عطشا بالتعاون مع دويلة جنوب السودان والدول التي سيؤول إليها حال السودان بعد تقسيمه وكل ذلك بدعم مماليك الخليج الجدد الذين تربوا في كنف الاستعمار والصهيونية. وفي الشرق تلعب هذه المماليك الخونة نفس الدور من خلال تهيئة بلاد الحرمين لتكون قائدة قافلة التطبيع وتصفية القضية الفلسطينية من خلال وعد الولد التافه بن سلمان ليكون قائدا للعرب وسيدا على المنطقة بحماية الأمريكان وشراكة الصهاينة، ناهيك عن كيانات الخيانة في العراق وسوريا ولبنان التي تتجهز لتؤدي أدوارها في مخطط التفتيت.

وفلسطين جاري محاولة تفريغها من سكانها ونقلهم ما بين سيناء والخليج وليبيا والأميركتين واستراليا وخلق واقع جديد تمام يجعل من المستحيل على العرب التعافي قبل قرن.

ونيوم المصرية السعودية بامتدادها الاردني يتم تجهيزها لتكون فندقا ومولا كبيرا للتجارة والسياحة يشغل فيه الشباب العرب دور العمال والخدم والسماسرة حتى يكفوا عن التفكير في أي معنى لحياتهم غير ما يخص ما بين سرتهم حتى ركبهم.

ومحور التجارة الهندي الخليجي يحيي قناة البحرين الصهيونية وطريق الاستعمار القديم لصالح الأمريكان وشركائهم الهنود والصهاينة حيث يلعب العرب دور الجمال والبغال والحمير تحمل كنوز الأمة وكنوز افريقيا لباقي العالم ولمراكز النهب تستمتع بها مجددا بثمن بخس لا يسمن ولا يغني من جوع.

وطريق الحرير الجديد الصيني ينافس محور التجارة الهندي لتحقيق نفس الأهداف مع اختلاف مصب نهب الثروات من واشنطن وباريس ولندن إلى بكين وموسكو.

كل ما سبق تدبيرات وتصورات وخطط يتم الترتيب لها من قبل اعداءنا وبالتعاون بينهم أو بالتنافس لا يهم فالمهم أن بلادنا يعاد فكها وتركيبها من جديد.  فما العمل؟

إن كل مثقف حقيقي بالمعنى الذي أوجده الإسلام ممن قال فيهم القرآن المجيد “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا”، عليه اليوم واجب حتم ليبين لأمته وينصحها ويصلح قدر استطاعته من أحوالها، وأول الإصلاح البيان والتحذير ويعرف كل عربي مسلم على أي أرض يقف، وفي أي فريق هو، وإلى أي صف ينحاز. وإن هذا المقال محاولة للتنبيه لهذا الخطر الكبير الذي يواجه الأجيال الجديدة من العرب المسلمين ليتدبروا أمرهم ويفكروا في الكيفيات التي تدرأ عنها هذا الخطر العظيم.

ألا يحتاج ما يجري لمراكز أبحاث تنبه وتفصل كل ما أجمله المقال بالحقائق والأرقام كما تظهر في استراتيجيات هؤلاء، وحركات جديدة للتغيير والتحرر تقوم على أسس جديدة تستمد رؤيتها من حقائق الواقع الأليم الذي وصفه المقال باختصار شديد

أمتنا على خطر عظيم فهل من مدكر؟؟؟؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى