مقالاتمقالات مختارة

هل للدين الإسلامي رأي في الثورات؟

هل للدين الإسلامي رأي في الثورات؟

بقلم ولاء أمين

كان الشعب يخدر نفسه بحديث ” كيفما تكونوا يولى عليكم” ويهرع إلى المساجد والصلوات والتمسك بتعاليم الدين؛ معللاً نفسه بأن الإصلاح يبدأ من قاعدة الهرم، لكنه فُوجئ بأن الصلوات لم تصلح الأوضاع ولم تُنهي الفساد والاستبداد…فتساءل ما العلاقة بين الدين والثورة؟!…هل للدين الإسلامي رأي في الثورات؟!

الجواب نعم، فالدين الإسلامي كما يصفه علي شريعتي في كتابه النباهة والاستحمار: دين اجتماعي سياسي، لا فلسفي ولا صوفي أو غيرها من إتجاهات الفهم، أي لم يأت الدين في إطار تلك المقولات وخدمة لمساقات الفلاسفة والمتصوفة، إنما جاء من أجل المجتمع الإنساني ككل، فالدين جاء لإحداث حالة وعي إجتماعية ولخلق حالة إنسجام بين العلاقات الإجتماعية الإنسانية…التي متى كانت، كان الوجود الحضاري أو ميلاد المجتمع على حد وصف مالك بن نبي.

من هذا المنطلق نستطيع أن نجزم بأن الدين لا يتعارض مع الثورات، بل يشجع الإنسان على أن يثور على الظلم ويطالب بحقوقه، ذلك أنه دين جاء لإحداث إصلاحات إجتماعية وسياسية، فالدين لأجل الإنسان وليس الإنسان لأجل الدين كما قال الفلاسفة القدماء الذين اهتموا بالذات الإلهية والمتيافيزيقيا ولم يهتموا بالإنسان ووجوده ولهذا كان نتاجهم خالي الوفاض وفلسفتهم ميتة لأن الفلسفة تموت إذا ما انعزلت عن الإنسان. الدين الإسلامي دين سياسي وليس دين تعبدي فقط، ومحاولة جعله دين تعبدي هو أحد أشكال الاستبداد الذي يهدف لقصر الدين في دور العبادة وعزله عن السياسة ليبقى الميدان والمعترك السياسي خالياً من أي قيد أو رادع ديني يوقف المستبد عند حده.

في الحقيقة أن محاولة جعل الدين الإسلامي دين تعبديّ، لا رأي له ولا تشريع خاص بالمجتمع والدولة والسياسية…شكل من أشكال تزوير الدين وتشويه الدين الحقيقي، كون الدين الحقيقي يحول بين الإنسان والاستبداد ويمنع تحوله إلى طاغية، ذلك أن ايدولوجيا الدين الإسلامي…ايدولوجيا ترتقي بالإنسان وتحرره من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ايدولوجيا تجعل الإنسان حُر ورباني، تزوير الدين يقوم بتحويل ايدولوجيته الدينية من ايدولوجيا دافعة محركة نابضة إلى ايدولوجيا راكدة ميتة رجعية، ومن هنا يمكن معرفة سبب تجدد الأنبياء والرسل بين الفترة والأخرى، وذلك لفضح ما استجد من التزوير والتمرد على الدين. لكن الحديث ليس عن كون الدين الإسلامي ديناً سياسياً أم لا، وإنما الحديث كيف تم توظيفه سياسياً؟!…هل كان ديناً خادماً للشعوب أم مستخدماً ضد الشعوب في وقت التحولات السياسية؟!

للأسف استخدم ضد الشعوب ذلك أنه كان في خدمة المستبد والظالم وشهدنا ظهور مشائخ ودعاة يدعون لقبول الظلم وعدم مقاومته وذلك للحفاظ على الأمن… لكن لماذا نُجبر دائماً على الاختيار بين الأمن والحرية؟! لأننا نحكم بمنطق الدول المحتلة من قبل أشخاص، وليس بمنطق الدول المحكومة بدستور وتشريعات. الدول المحتلة، فلسطين كأبرز مثال، الاحتلال يقايضهم دائماً على حريتهم كلمّا طالبوا بها.. ويضعهم في مأزق الاختيار…إما أمن مع انعدام حرية أو مطالبة بالحرية يقابلها سلب أمن…فيقتل ويعتقل ويهدم منازل ويفرض حصار خانق وغيرها من الممارسات التي تكسر إرادة الشعوب وتجعلهم يتقبلون الأمر الواقع أياً كان. تماماً هذا ما يفعله حكامنا معنا، إذا قمت بثورة وسعيت لاسترداد حقوقك وحرياتك المسلوبة…ستُواجه بالقمع وإن قاومت سيهدد أمنك وتتحول من حر يطالب بحقه إلى لاجئ لا تقبله أي دولة!

ما موقف الدين من الحرية؟! هل ورد نص معين يثبت أن الحرية حق إنساني؛ إذا سُلب تسلب الكرامة الوجودية معه؟! في الحقيقة هذه الاسئلة وضعت على فقهاء كُثر في وقت قيام الثورات، وكانت الإجابات كالتالي هذا اللفظ لم يورد في كتاب ولا سنة إذن هو محدثة وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، فيفحم العوام ويلومون أنفسهم ويتنمون لو أنهم ما طالبوا بحقوقهم وابقوا نعمة الأمن…ذلك لأنهم وقعوا بين فقيه لا يخرج عن فضاء الدلالة اللغوية للنص، وبين حاكم مستبد يصول ويجول في فضاء واقعي بعيد عن سلطة الشريعة بمقاصدها الكبرى كما يقول الدكتور أحمد الريسوني في كتابه فقه الاحتجاج.

لذلك ما نحتاجه هو التحرر من الفضاء الضيق للنص اللغوي إلى رحاب مقاصد الشريعة، التي أصبحت في عصرنا الحالي ستة مقاصد وليست الخمسة المعروفة فقط كما يقول الدكتور عبد الكريم بكار…المقصد السادس هو الحرية. لنتأمل قليلاً كيف سيحافظ الإنسان على مقصد حفظ المال دون أن حُراً…يدافع بكل ما اؤتي من قوة عن ماله المسلوب؟ كيف سيحافظ على مقصد حفظ النفس دون أن يكون حُراً…يعمل بمبدأ “وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ”؟! ويقاس ذلك على باقي المقاصد…وأفهم أن الحرية مقصد من مقاصد الشريعة كونه يحفظ بقية المقاصد، ويؤمن للإنسان حقوق يطالب بها ليبقى مكرم على الصورة التي خلقه الله بها.

لذلك السؤال اليوم، هل كان علينا أن نتخلى عن الحرية في سبيل الأمن؟ وأجيب بسؤال آخر، إذا تخليت عن الحرية، ماهي الضمانات التي تملكها وتضمن لك عدم عدوان المستبد على أمنك؟ الحرية تثير حساسيتنا تجاه الظلم، هذه الحساسية تجعلنا نراقب أداء الحاكم ونرفض جميع الممارسات التي تشرعن الظلم وتجعله مقبولاً اجتماعياً، ذلك أن الحرية كما يصفها الدكتور الريسوني “صفة فطرية من صميم خلقة الإنسان ومن صميم مؤهلاته الأولية”. لهذا نجد الله عزوجل يقول “لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا” هذه الآية تدبرها الدكتور الريسوني ثم وصفها قائلاً: “مفهوم الآية أن من ظلم جاز له أن يفعل ما لا يجوز لغير المظلوم فعله، وجاز له أن يقول وأن يرفع صوته وأن يعبر التعبير القوي الذي يبلغ ويوصل مظلوميته. فله أن يرفع من سقفه احتجاجه، ومن سقف مقاومته للظلم، فإذن ليس هناك حد لهذا الاحتجاج، بل هو الاحتجاج على الظلم، والاحتجاج بدون شك هو نوع من إنكار المنكر، ونوع من تغيير المنكر”.

خلاصة القول إن الأمن الذي يتحدث عن شيوخ السلاطين ويقمعون الثوار للمحافظة عليه…أمن نسبي في ظل غياب الحرية، الحرية تضمن بقاء الأمن وغيابها يزعزع الأمن ويجعلنا نفقده عاجلاً أم آجلاً. المتأمل للتاريخ سيجد أن هناك علاقة وثيقة بين المستبد ورجل الدين، فالمستبد مهمته أن يجعلك فقيراً. وعلى هامش لحياة ورجل الدين مهمته أن يجعل وعيك غائباً وتجهل حقوقك ولا تطالب بها وذلك يتم من خلال اتباع آلية التجهيل وآلية الإلهاء، فالتجهيل يقوم بتحريك الأذهان إلى جهل والغفلة عن القضايا المصيرية والشأن العام، أما الإلهاء فيهدف إلى إلهاء الإنسان عن الحقوق الكلية وجعله مهتماً بالحقوق الجزئية…بما يقع تحت فلسفة “الأهم والمهم” و”فقه الأولويات” فتجده منشغلاً بالمهم دون الأهم وبالهامش دون المركز، مثال ذلك في إحدى الدول مسألة قيادة المرأة للسيارة تأخذ مساحة جدل عالية، في الدولة نفسها لا أحد يسأل ذاته لماذا لا اتمتع بالحرية؟ لماذا لا نختار الحاكم؟ لماذا يتم تداول الحكم بين الأب وابنه وكأن الدولة إرث عائلي وليست مؤسسة يتشارك أهل الخبرة من كافة أطياف المجتمع في إدارتها.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى