مقالاتمقالات مختارة

هل كانت الثورة السورية “ثورة إسلامية”؟

بقلم د. غازي التوبة

هناك اضطراب في بعض الأوساط الإعلامية والثقافية، بخصوص توصيف الثورة في سورية، هل هي ثورة إسلامية؟ أم ثورة في مواجهة الطائفية؟ أم ثورة حرية؟ أم ثورة خبز؟ أم ثورة ضد الاستبداد؟ إلخ…وإنني إذ أستغرب ذلك الاضطراب أشد الاستغراب، نجد أن الوقائع تدل على “إسلامية الثورة”، لذلك فإنّ التوصيف الطبيعي أن نصفها بأنها “ثورة إسلامية”، وهذه بعض الوقائع والأدلة التي تشير إلى ذلك:

1- لقد كانت المظاهرات تشتعل يوم الجمعة، وتنطلق من معظم مساجد المدن والقرى، وكانت جماهير المظاهرات مسلمة، ومرجعيتهم الرئيسية الإسلام على اختلاف درجات الوعي بهذا الإسلام والارتباط بمرجعيته، وكان الليبراليون والتقدميون واليساريون ينتظرون المصلين على أبواب الجوامع ليشاركوا المصلين في تظاهراتهم، لأنهم لا يجدون جمهوراً خاصاً بهم.

2- لقد كانت شعارات الثورة في بداياتها شعارات ترتبط بالدين، وأبرزها الذي رددته جماهير سورية في كل المدن والقرى وهو: “مالنا غيرك يا الله”، والدعوة إلى الاستشهاد، وتمجيد الشهادة والشهداء، وقد كان ذلك قبل أن تنطلق الشعارات السياسية ومنها: “الشعب يريد إسقاط النظام”.. إلخ.

3- بعد أن اضطرت الثورة والثوار إلى مواجهة بطش النظام وآلته العسكرية، تشكلت فصائل عسكرية، وجدنا أن معظم هذه الفصائل ذات طابع إسلامي، بدءاً من أحرار الشام، جيش الإسلام، كتيبة الصحابة.. إلخ. وكانت معظم أدبياتها التي تعتمدها في بنائها للمقاتل تقوم على مفردات إسلامية، ولم نجد فصيلاً واحداً ذا طابع ليبرالي أو يساري.

بطش النظام في سورية بعد ثورة 1980م بكل ما هو إسلامي، ومحاولة استئصال الإسلام من سورية، قتل الإسلاميين، وهو الذي يُفسّر لماذا لم تبرز قيادة إسلامية للثورة في سورية عام 2011م

4- من الواضح أن معظم المناطق المدمرة كانت للمسلمين من أهل السنة، وكذلك معظم المهجرين من أهل السنة، ففي مدينة كحمص دُمرت معظم أحياء أهل السنة، وبقيت أحياء العلويين دون أي ضرر، وعلى مستوى سورية لحق الدمار والخراب معظم مدن سورية ما عدا منطقة جبال العلويين التي لم يصبها ضرر يذكر.

5- نستطيع أن نرجح أن معظم الشهداء والجرحى الذين سقطوا في معارك المواجهة مع النظام، كانوا ذوي ميول إسلامية، وكانت تحركهم دوافع إسلامية.

والسؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا لم تُعلن الثورة عن إسلاميتها منذ اللحظة الأولى، وتمنع الآخرين الذين يسعون إلى إعطائها عنواناً غير إسلامي من فعل ذلك؟ السبب واضح، هو أن هذه الثورة لم تنطلق من فعل قيادة واحدة، ولا جماعة واحدة، ولا حزب واحد، بل كانت فعلاً جماهيرياً، ثم تشكلت بعد ذلك الفصائل والجماعات والتكتلات، وكونت الأطر التي تؤطر بعض الثوار وتجمع المتشابهين مع بعضهم، وقد تم ذلك بعد اندلاع الثورة، وقد أعلنت معظم الجماعات والتكتلات والفصائل ارتباطها بالإسلام بشكل من الأشكال.

ولم يتم التأطير، ولا قيام الأحزاب والجماعات قبل الثورة بسبب بطش النظام الأسدي بالتجمعات مهما كان نوعها، وتسخير أجهزة مخابراته الأربعة عشرة في مراقبة الناس، ورصد تحركاتهم، وإحصاء أنفاسهم، وتخويفهم، ومنعهم من الاجتماع وبلورة أي عمل جماعي.

وعند مقارنة ثورة 2011م بثورة 1980م في سورية، نجد أن ثورة 1980م حملت راية إسلامية واضحة منذ البداية، وذلك لأن تنظيم “الإخوان المسلمين” هو الذي قادها، فلم يحدث أي جدال حول هويتها الإسلامية، وإن لم يمنع ذلك من التعاون مع غير الإسلاميين في المراحل التالية، من أجل إسقاط النظام في إطار عمل جبهة مشتركة مع آخرين ليبراليين أو قوميين أو تقدميين.. إلخ.

لكنّ بطش النظام في سورية بعد ثورة 1980م بكل ما هو إسلامي، ومحاولة استئصال الإسلام من سورية، وقتل الإسلاميين، وهو الذي يُفسّر لماذا لم تبرز قيادة إسلامية للثورة في سورية عام 2011م، في حين برزت قيادات إسلامية في نفس ذلك العام في مصر مثلاً، والسبب في ذلك هو اختلاف مستوى البطش الذي قام به النظام في سورية نحو الإسلاميين، عن مستواه في مصر، وفي تونس.

فيما سبق أعطينا توصيفاً للثورة السورية في عام 2011م، فماذا كانت أهداف هذه الثورة؟ لقد استهدفت الثورة السورية منذ اللحظة الأولى التي انطلقت فيها عدة أهداف، منها:

1- الحرية السياسية، فقد مُنع الشعب السوري خمسين عاماً من الحرية السياسية، منذ قيام البعث عام 1963م، حيث فُرض عليه في البداية الحزب الواحد، الذي هو حزب البعث العربي الاشتراكي، ثم فرض عليه القائد الواحد الذي هو حافظ الأسد، ثم فرضت عليه أسرة الأسد بعد أن ورّث الحكم إلى بشار ابنه بصورة تدل على عدم الاحترام لآراء الشعب السوري. وتشمل هذه الحرية التي يتطلع إليها الشعب السوري إبداء الرأي في أوضاع البلد وسياساته، والقدرة على محاسبة الحاكمين، وتغييرهم، وهذا ما مُنع منه الشعب السوري على مدى خمسين عاماً منعاً باتاً.

2- إقامة العدل، ورفع الظلم الواقع على الناس، والقائم على الأخذ بالشبهات، وإعطاء القضاء دوره في إحقاق حقوق الناس المختلفة.

3- إنهاء تسلط المخابرات على جماهير الشعب، وإنهاء تدخل هذه الأجهزة في كل أمر من أمور حياة الناس، وإنهاء إرهابها.

4- تحقيق المساواة بين أفراد الشعب، وعدم التمييز بين الطوائف، حيث كانت الطائفة العلوية هي التي استأثرت بكل خيرات البلد، ووظائفها، وبعثاتها، وأموالها، وقراراتها السياسية.

5- تحقيق الاكتفاء الاقتصادي لكل أفراد الشعب، وتحقيق العيش الكريم لهم، وتوفير السكن اللائق، والدخل المناسب الذي يجعل المواطن يحسّ بالكرامة، وبتحقيق الحد الأدنى من الحاجات الضرورية في مجال الطعام، والشراب، واللباس.

أعتقد أن توصيف بعضهم بأن الثورة السورية هي ثورة حرية وخبز فقط، هو ادعاء باطل وغير موضوعي، وغير مطابق لواقع الثورة السورية وتاريخها

مما يجعلنا نؤكد على وصف الثورة في سورية بأنها “ثورة إسلامية”، هو كون شعبنا في سورية جزءاً من الأمة الإسلامية، وقد ثار هذا الشعب ضد حاكمه المستبد الظالم السارق إلخ…، ليسترد بعضاً من حقوقه التي سلبه إياها طوال خمسين عاماً، والتي تمثلت في الأهداف التي ذكرناها سابقاً في المدى القريب من ناحية، لكنه يتطلع أيضاً إلى حكم الإسلام على المدى البعيد، والذي عبّرت عنه بشكل صريح الفصائل الجهادية المقاتلة في مواثيقها التي كتبتها وأعلنتها لجماهير الشعب، وعبّرت عنه بشكل غير صريح جماهير الشعب السوري، التي قدمت التضحيات من دمائها وأموالها وجراحاتها إلخ…، وأعلنت عن تعلقها بالإسلام في شعاراتها، ولا شئ عندها غير الإسلام في تصرفاتها.

لذلك يجب أن تكون طبقة المشايخ والعلماء وأهل الفكر الإسلامي أوفياء لجماهير أمتهم في أن يتمسكوا بأهداف هذه الجماهير القريبة والبعيدة، القريبة منها: إزالة الحكم المستبد في سورية، والبعيدة منها: إقامة حكم إسلامي يجعل أمتنا تحقق هدفاً رئيسياً من أهدافها وهو تطبيق شرع الله، لتأكل من فوقها ومن تحتها، كما قال تعالى:(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ۚ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) (المائدة-5).

لذلك أعتقد أن توصيف بعضهم بأن الثورة السورية هي ثورة حرية وخبز فقط، هو ادعاء باطل وغير موضوعي، وغير مطابق لواقع الثورة السورية وتاريخها. ومن الواضح أن المقصود من طرح ذلك التوصيف الخاطئ، هو ربط جماهير الشعب بالأهداف القريبة فقط دون الأهداف البعيدة التي ذكرناها وهي الحكم الإسلامي، وتطبيق الشريعة التي تحقق للأمة الأمن والأمان والرخاء والعدل والعمران والحضارة، وهو ما سعت إليه الأمة خلال القرن الماضي بعد سقوط الخلافة العثمانية في عام 1924م، وقدمت في سبيل ذلك الهدف آلاف الشهداء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

الخلاصة: اختلف الكتّاب والمفكرون في توصيف الثورة السورية، لكنّ المؤكد أنها “ثورة إسلامية” نتيجة عدّة معطيات وضحناها فيما سبق، وقد استهدفت الثورة أهدافاً قريبة وبعيدة، القريبة منها: إزالة الحكم المستبد والتحرر من ظلمه وجبروته، والبعيدة منها: إقامة حكم إسلامي يُطبّق شرع الله، لتنعم الأمة بالأمن والأمان والرخاء، وتأكل من فوقها ومن تحت أرجلها، وتؤدي دورها في البناء الحضاري كأمة عظيمة كما شهد لها التاريخ من قبل.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى