بقلم إسماعيل بنزكرية
كثر في الآونة الأخيرة النقاش حول أحكام الإرث في الإسلام وضرورة المساواة بين الرجل والمرأة في هذا الجانب من الحياة المالية ، وهو موضوع يحتاج نقاشا منهجيا نظرا لسطحية الطروحات التي تتماهى مع هذا الحكم الشرعي ، بحيث يحيل تيار عريض من المطالبين بتغيير أحكام الإرث إلى أسباب ظرفية متناسين بذلك الأسباب البنيوية الكامنة التي تتوي في عمق الأحكام الشرعية –وقد يكون ايضا جهلا بها وليس نسياننا -.
فمن المقولات المستبطنة في هذا النقاش حول موضوعة الارث، ربط نصيب الإرث بالمنزلة الانسانية في الوجود بحيث يتم الربط بين مكانة الإنسان الوجودية ومقدار المال الذي يحصله من الإرث ، حيث يعتبر نص الاسلام بحصول المرأة على نصف نصيب الرجل –في بعض الحالات – تفضيلا للرجل من الناحية الإنسانية الوجودية ، ومن هنا يحق لنا طرح السؤال التالي : هل منزلة المرأة الوجودية أرفع درجة من منزلة الرجل في الحالات التي يمكن أن ترث فيها اكثر منه وبالتالي انقلاب الأطوار التفضيلة بين الرجل المرأة باعتبار الملكية والموروث وهو أمر لا يمكن أن يقره من يملك الحد الادنى من الحس المنطقي وفهم كليات التشريع الاسلامية .
ثم هل يمكن اعتبار عدم المساواة بين البشر في الثروة سبيلا للمفاضلة الوجودية بينهم ، بحيث تزداد منزلة الانسانية الوجودية كلما ازداد نصيبه من الثروة وهو معنا أشارت اليه اية جامعة مانعة تبين ان التفاضل في الرزق ليس مظنة للتفاضل الوجودي بل ان الاية يستنبط منها النسق الكلي لمكانة الإنسان في الوجود وفق الحكمة الالهية ورابطة الرحم التي شاء الله لها ان تكون اداة لتكامل الجنس البشري وهو قوله تعالى : ( والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون ( 71 ) والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون ( 72 ) . والواضح من الآية انها تشير من طرف خفي إلى تقسيم الله للرزق بين عباده باعتباره امرا تكوينيا لا دخل للإنسان فيها -اللهم من جهة الكسب -، فكما شاء الله ان لا يتدخل الأب والأم في طبيعة المولود التكوينية فإنه بحكمته قدر نصيب الإرث وفق هاته النظرة الكلية لفعل الله في الجانب التكويني من حياة الإنسان ، والواضح هنا ان امر تقسيم الإرث هو قضية كبرى مرتبطة بفلسفة التشريع الرباني بعيدا عن كل مرتكزات اجتماعية وظرفية كما ينادي بذلك المطالبون بالمساواة في الإرث .
والاشكال الأعمق لدى من يربط بين نصيب الإنسان في الإرث ومنزلته الوجودية ، هو ربط مكانة الإنسان بمعيار حاصل له من الغير على اعتبار المحصل من الميراث ليس الى مقدار يحصله الإنسان لا بجهده بل بما يحيله عليه الهالك الذي خلف التركة ، في حين ان الأسلم أن نربط قيمة الإنسان ومنزلته بما يصدر عن ذاته لا بما يهبه له من غيره.
ولو أنصف أدعياء المساواة بين الرجل والمرأة لربطوا مكانة الإنسان الوجودية في علاقته بالمال بحرية التصرف في المال لا بمقدار نصيبه في الإرث ، بحيث إن تصرف الإنسان فيما يملك هو الاولى في النظر الى منزلته من حيث الرشد والسفاهة رجلا كان او امرأة ومن هنا نجد الإسلام قد نص على المساواة التامة بين الرجل والمرأة في التصرف في ممتلكاتهما .
والمتأمل في الخطاب القرآني والنبوي يجد أن الإسلام ربط مكانة الإنسان ومنزلته باعتبارات أخرى لا علاقة لها بجنس الإنسان وملكيته كما يحاول ان يفهمنا أدعياء المساواة في الإرث من منطلق الدفاع عن حقوق المرأة وضرورة صيانة حقها في مواجهة الرجل . فأصل المساواة بين الرجل والمرأة في الاسلام ينبع من امرين ، اولهما وحدة المصدر انطلاقا من قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) ، وليس عجيبا ان تكون هاته الاية في سورة اسمها النساء ، والثاني هو معيار التقوى والصلاح انطلاقا من قوله تعالى في سورة الحجرات : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.
وخلاصة الكلام أن الذين يطالبون بالمساواة بين الرجل والمرأة في الإرث من منطلق تحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين انما هم أشخاص قصدوا البيوت من ظهورها فأفسدوا من حيث يظنون أنهم يصلحون والله اعلم .
(المصدر: مركز يقين)