هل صار بناء الهيكل الثَّالث على أنقاض الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى قريبًا؟4 من 5
4.شفرة جبل الهيكل”: تشكيك في ثوابت الإسلام وتمهيد لبناء الهيكل
في إدانة شديدة اللهجة للجهاد الإسلامي في سبيل بسْط سُلطان المسلمين على كافَّة أنحاء العالم، يتّبع الرُّوائي والأكاديمي تشارلز بروكاو، كما يقدّم نفسه للقرَّاء لإخفاء هويَّته، نهْج مواطنه، الخبير الإعلامي والمبشّر جويل روزنبرغ في سلسلة روايات الإمام الثَّاني عشر (2010-2013م)، في اتّهام نظام ملالي الشّيعة الحاكم في إيران بالإرهاب واستغلال الدّين والنُّبوءات الكتابيَّة في تحقيق أطماع سياسيَّة بحتة نابعة من رغبة أنانيَّة في إخضاع شعوب الأرض للسَّيف الفارسي ولو كان المقابل هو تدمير الحضارة البشريَّة، مع تبرئة اليهود من الاتّهام نفسه. يمرّر الكاتب من خلال الأحداث المثيرة لروايته The Temple Mount Code-شفرة جبل الهيكل (2011م) فرية عن وجود نُسخة أصليَّة للقرآن الكريم منزَّلة من عند الله أُخفيت منذ أمدٍ بعيد، في محاولة للتَّشكيك في صحَّة نسخة المصحف الشَّريف الموحَّدة والمتاحة لمسلمي العالم. كأنَّما يريد الكاتب ترسيخ فكرة أنَّ للقرآن الكريم عدَّة نُسخ منقطعة الأسانيد، كما أثبتت الدّراسات عن الكتاب المقدَّس. تقدّم الرُّواية صورة عن الصّراع الصُّهيوني-الصَّفوي على حُكم العالم، متمثّلًا في سعي نظام الملالي إلى الاستيلاء على مخطوط من المفترَض أنَّه يحتوي على إشارات تدلُّ على مكان إخفاء النُّسخة الأصليَّة للقرآن الكريم، الَّذي يتبيَّن أنَّه أسفل جبل الهيكل في القُدس. تبدأ الأحداث باستدعاء ليف ستروس، أستاذ اللغويَّات في جامعة أورشليم، لصديقه العالم اللغوي توماس لوردس إلى إسرائيل لفكّ شفرة المخطوط الَّذي يعثر عليه في العاصمة المصريَّة، القاهرة. غير أنَّ لوردس يفاجأ عند وصوله هناك بمقتل صديقه، والاستيلاء على المخطوط، بعد أن نما إلى علم محمَّد خامنئي، المرشد الأعلى للثَّورة الإسلاميَّة، أنَّ ذلك المخطوط يتضمَّن معلومات هامَّة عن مستقبل المسلمين.
البحث عن “القرآن الأصلي”!
يبدأ الكاتب بتسليط الضَّوء على القمع الَّذي يمارسه النّظام الحاكم في إيران ضدَّ المطالبين بالحقوق المدنيَّة من أفراد الشَّعب، بأمر من المرشد الأعلى للثَّورة الإيرانيَّة، خامنئي، الَّذي يتابع عبر التلفاز كيفيَّة تعامُل قوَّات حفْظ الأمن الدَّاخلي (الباسيج) مع الاحتجاجات الشَّعبيَّة، الَّتي يراها عقبة في سبيل تكاتُف العالم الإسلامي وتكوين عقيدة إيمانيَّة موحَّدة وقويَّة بما يكفي للوقوف في مواجهة الغرب وتطبيق عقيدة الجهاد لإبادة الكافرين، كما كان يعتقد. لم يكن المشهد الدَّموي يروق للمرشد الأعلى للثَّورة الإيرانيَّة، خاصَّة وأنَّه يعتقد أنَّ سبب مقتل المحتجّين، سواءً في بلاده أو غيرها من بلاد المسلمين، هو عدم معرفة هؤلاء بحقيقة الأمر، مفترضًا أنَّ وجود “قرآن مُحمَّد” بين يديه سينهي الصّراع والعنف بين مختلف الفصائل الإسلاميَّة (ص35). أرسل خامنئي عملاءه إلى القُدس للبحث عن ليف ستروس والاستيلاء على المخطوط الَّذي عثر عليه ويدلُّ على مكان ما يُطلق عليه الكاتب “قرآن مُحمَّد”، الَّذي يفترض أنَّه النُّسخة الأصليَّة من القرآن الكريم. يسرد خامنئي لابنه الصَّغير قصَّة نبيّ الإسلام، مُحمَّد (ﷺ)، مشيرًا إلى مرحلة تنزُّل أمين الوحي جبريل (عليه السَّلام) عليه في غار حراء في مكَّة المكرَّمة، ثم اصطحابه من المسجد الحرام إلى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ليلة الإسراء والمعراج.
من الملفت أنَّ الكاتب ينفي، على لسان خامنئي، أن يكون المسجد الَّذي عُرج منه النَّبيُّ (ﷺ) هو الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى، مدَّعيًا أنَّ “موقع ذلك المسجد واسمه ليسا مذكوران في القرآن”، وأنَّ المعراج كان من “جبل الهيكل، ولا يمكن أن يكون غيره. فهناك خلَق الرَّبُّ الإنسان الأوَّل، من الدَّم، وليس من التُّراب، كما يخبر اليهود والمسيحيون” (ص37). يُسرُّ خامنئي إلى ابنه الصَّغير أمرًا ويأخذ عليه عهدًا ألَّا يخبر به أحدًا، وهو أنَّ في تلك الليلة، الَّتي هي مجرَّد ساعات في عالمنا، كان لدى النَّبيّ وقتٌ لكتابة القرآن الَّذي أخَذه عن لسان ربّه، وهو القرآن الحقيقي، في إشارة ضمنيَّة إلى أنَّ المصحف المتاح لدينا في عصرنا هذا ليس بالقرآن الصَّحيح. يدَّعي الكاتب أنَّ “العقيدة الإسلاميَّة ظلَّت على مدار تلك السَّنوات منقسمة بين ما هو من تعاليم مُحمَّد وما هو ليس منها، لكنَّ ذلك الكتاب، المكتوب بيدي مُحمَّد، يقصُّ الحقّ” (ص38). يُضاف إلى ذلك أنَّ النَّبيَّ قد ترك مخطوطًا ينبئ عن مستقبل الإسلام، ويرشد أهله بشأن ما يخطّطه الرَّبُّ لهم مستقبلًا. يقصد الكاتب بذلك، على لسان خامنئي، أنَّ الرَّبَّ قد أعطى النَّبيَّ كلَّ ما يحتاج إليه لكي يقود العالم إلى الخلاص، لكنَّه فقد المصحف الصَّحيح والمخطوط دون أن يقصد؛ فهو في النّهاية بشَر يخطئ ويصيب. أمَّا عن مكان المصحف والمخطوط، فقد تبيَّن أنَّه في عالمنا، وليس في العوالم الأخرى، كما ظنَّ البعض في السَّابق. وكان خامنئي قد أرسل فريقًا من المخابرات الإيرانيَّة، كما ذُكر من قبل، للبحث عن المصحف والمخطوط في القُدس.
المخطوط المستقبلي وعقيدة الجهاد: تهديد للسَّلام العالمي
يوضع ليف ستروس، وهو العالم اللغوي الَّذي توصَّل إلى أدلَّة تشير إلى مكان القرآني الأصلي والمخطوط النَّبوي، تحت سيطرة فريق الاستخبارات الإيراني، برغم أنَّ ستروس من الأصل عميل للموساد الإسرائيلي، جُنّد خلال دراسته في الولايات المتَّحدة، في جامعة هارفارد، ونفَّذ العديد من العمليَّات لصالح الكيان الصُّهيوني أثناء عمله الأكاديمي. يسترجع ستروس ذكريات الفترة الَّتي قضايا هو وزميل دراسته، توماس لوردس، في إقليم الأويغور في آسيا الوسطى، ويعيد الاطّلاع على بعض الصُّور الَّتي جلبها من هناك، وكانت إحداها تصوّر النَّبيَّ مُحمَّد فوق دابَّة البُراق، بينما كانت صورة أخرى تُظهر مُحمَّدًا وهو يفقد قرآنه الأصلي والمخطوط عن مستقبل العالم الإسلامي. يتذكَّر العالم اللغوي اليهودي أنَّ ذلك المخطوط، كما عرف من الأقاويل الَّتي تتردَّد عنه، يذكر أنَّ تكوين المسلمين جبهةً متَّحدة تطبّق عقيدة الجهاد يعني نهاية إسرائيل. إذا اكتسح الجهاد العالم، فذلك يعني أنَّ السَّلام العالمي قد انتهى. من هنا، يعتزم ستروس إخفاء ذلك المخطوط ومنْع وصوله إلى أيادي المسلمين بأيّ ثمن. أراد ستروس التَّأكُّد من صحَّة الأقاويل عن القرآن الأصلي والمخطوط، لكنَّ الحكومة الإسرائيليَّة نبَّهته إلى ضرورة عدم الإفصاح عن بحثه عن قرآن مُحمَّد الأصلي، خشية تسرُّب الخبر إلى مخابرات الدُّول المعادية للكيان الصُّهيوني. غير أنَّ ما كانت تخشاه الحكومة الإسرائيليَّة حدث، وبالفعل بدأ عملاء نظام ملالي الشّيعة في ملاحقة ستروس، ويفضي الأمر إلى مقتله. تخفي الحكومة الإسرائيليَّة هويَّة المقتول، وتعتبر الحادث عملًا إرهابيًّا (ص102).
مخطَّط الموساد لإيجاد “القرآن الأصلي” والمخطوط المستقبلي
فور مقتل ليف ستروس، يتولَّى فريق من الموساد، المخابرات الإسرائيليَّة، التَّحقيق في ملابسات الحادث، ويكتشف تواصُل ستروس مع زميله العالم اللغوي توماس لوردس ورغبته في أن يزور الأخير إسرائيل بشأن الاكتشافين قيد البحث. يتوجَّه لوردس إلى إسرائيل بتكليف رسمي من حكومتها، ويقصد منزل صديقه المقتول، ليجد منه رسالة يكشف فيها عن تهديد نظام ملالي الشّيعة لسلامته الشَّخصيَّة، ويؤكّد فيها على حرصهم غير المسبوق على العثور على “قرآن مُحمَّد”. يذكّر ستروس صديقه في الرّسالة بفترة وجودهما في مصر، الَّتي لم يلتفتا فيها إلى الدّراسة بقدر ما اهتمَّا باللهو، مشيرًا إلى عثوره في زيارة لاحقة على كتاب، هو “أكثر الكتب غرابةً”، في إحدى المكتبات في القاهرة، مضيفًا أنَّه شعر بأنَّ “مُقدَّر له أن يجد ذلك الكتاب ويكتشف حقيقة الأسطورة في صفحاته”؛ ولذلك أراد منه المجيء لكي يساعده في فكّ شفراته (ص149). يوضح ستروس في رسالته أنَّ مؤلّف ذلك الكتاب يدَّعي معرفته بمكان “القرآن الأصلي” الَّذي أخذه النَّبيُّ مُحمَّد من ربّه شفهيًّا، ويشير إلى مخطوط يتنبَّأ بمستقبل العالم الإسلامي، وينصح باتّحاد المسلمين وإعلانهم الجهاد العالمي في مواجهة أعدائهم. باختصار، “يعد قرآن مُحمَّد بطريقة تسهّل اتّحاد المسلمين من أبناء المذاهب المختلفة، من خلال توصيل كلمة الإيمان الحقيقيَّة. في حين يوضح المخطوط كيفيَّة تحقيق ذلك” (ص150). في النّهاية، يطلب ستروس من لوردس الاجتهاد في محاولة الوصول إلى مكان “القرآن الأصلي” والمخطوط، بعد أن عجَز هو بالكليَّة عن فكّ الشفرات الَّتي يستخدمها مؤلّف الكتاب الغامض.
رحلة البحث عن “القرآن الأصلي” والمخطوط المستقبلي في القُدس
يبدأ توماس لوردس رحلته البحثيَّة عن الكتاب والمخطوط الَّلذين تتعقَّبهما الاستخبارات الإيرانيَّة وقتلت صديقه في رحلة البحث عنهما. يتوجَّه العالم اللغوي إلى شمال شرق القُدس، ويسترجع في ذهنه تاريخ جبل الهيكل، ويذكر كيف أعاد الملك هيرودس الكبير توسعة هيكل أورشليم عام 20 ق.م.، وكيف انقلب الرُّومان على اليهود لاحقًا، بعد زمن يسوع المسيح، واشعلت الثَّورة اليهوديَّة عام 66 ميلاديًّا، وامتلأت الشَّوارع الَّتي يتجوَّل فيها الآن حينها بالدّماء. يتذكَّر لوردس كذلك كيف استعصت أورشليم، عاصمة مملكة يهودا، على الرُّومان لأربع سنوات، اضطرَّ خلالها الملك هيرودس اغريباس الثَّاني، آخر ملوك تلك السُّلالة، إلى الهرب إلى الجليل، من حيث أدار المعركة، حتَّى سقطت المدينة ودُكَّت حصونها عام 70 ميلاديًّا، وحينها دُمّر الهيكل الثَّاني، أو هيكل هيرودس. وصلت أورشليم حينها إلى حالة مزرية من الدّمار، حتَّى قيل أنَّها لن تتعافى وتعود إلى سابق عهدها إلَّا بعد أن ينزل الرَّبُّ من السَّماء ويجبرها بنفسه؛ وحينها يتساءل العالم اللغوي “ولكن أيّ ربّ؟ يظلُّ هذا السُّؤال مروحًا منذ أمد بعيد” (ص188). يقصد لوردس الجامعة العبريَّة في أورشليم، ويتوجَّه إلى قسم التَّرميم والحفاظ على الإرث الثَّقافي، المعنيّ بالآثار الَّتي تعود إلى مختلف العصور التَّاريخيَّة في دولة الاحتلال، ليبدأ البحث عن مساعد متخصّص في علم الآثار له دراية باللغات التُّركيَّة الخاصة بسكَّان آسيا الوسطى، ويجد مساعدة تعمل لصالح الموساد.
يباشر العالم اللغوي فحْص عشرات المجلَّدات المعنيَّة بتاريخ العالم الإسلامي، في محاولة لفكّ شفرات الكتاب الغامض، مجازفًا بحياته في سبيل الوصول إلى قاتل صديقه. يعثر لوردس على أوَّل الخيط، عند قراءة ما يذكره الكتاب عن بناء مُصلَّى قبَّة الصَّخرة، الَّذي يدَّعي الكاتب أنَّ الدَّولة الأمويَّة شيَّدته لصرف المسلمين عن الذّهاب إلى كنيسة القيامة، الواقعة بالقرب منه. بعد رحلة بحْث مضنية، يضطرُّ العالم اللغوي خلالها الانتقال إلى طهران، عاصمة دولة ملالي الشّيعة، سرًّا، يستطيع لوردس في النّهاية فكَّ شفرة الكتاب، ويصل إلى علمه أنَّ “قرآن مُحمَّد” والمخطوط المصاحب له في كهف أسفل قبَّة الصَّخرة، نزل إليه نبيُّ الإسلام بعد رحلته السَّماويَّة. كما ذُكر من قبل، يحضُّ المخطوط على شنّ حملة جهاديَّة عالميَّة لإسقاط الإمبراطوريَّات المسيحيَّة، وينذر بحروب طاحنة في سبيل نشْر الإسلام وفرضْه على الأمم الأخرى، ستهزُّ فيها الانفجارات السَّماء، وستُقهر خلالها جيوش الأمم الكافرة حتَّى تخضع شعوبها لسُلطان الإسلام.
يقرّر لوردس ومساعدته العودة إلى القُدس، ويعتقد أنَّ المعلومات الَّتي استطاع تحصيلها والخرائط الَّتي يضمُّها الكتاب للقُدس قديمًا، الإضافة إلى المخطَّطات المتاحة لمُصلَّى قبَّة الصَّخرة، كافية للوصول إلى “القرآن الأصلي” والمخطوط المستقبلي. يتوجَّه لوردس ومساعدته إلى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بعد عودتها إلى دولة الاحتلال، ويبدآن في البحث عن المدخل إلى الكهف الواقع أسفل القُبَّة المشرَّفة، الَّتي يُقدّسها اليهود والمسيحيون، تمامًا كما يقدّسها المسلمون. والمفاجأة هي حدوث زلزال أثناء عمليَّة البحث، وحينها يعلّق العالم اللغوي بأنَّ “المنطقة على موعد مع زلزال كبير” (ص284). يفاجأ لوردس بأنَّه مُلاحق أثناء وجوده في ذلك الكهف برجال الحرس الثَّوري الإيراني، الَّذين يسعون إلى الحصول على ما يبحث عنه، لكنَّ رجال الأمن يتدخَّلون وتحدث تبادُل لإطلاق النَّار داخل مُصلَّى قبَّة الصَّخرة. في النّهاية، يعثر العالم اللغوي على “قرآن مُحمَّد” وعلى المخطوط، ويتأكَّد من تحريض المخطوط على إطلاق حملة جهاديَّة إسلاميَّة للسَّيطرة على العالم. في النّهاية، ينجح العالم اللغوي في الخروج من الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى دون أن يُقتل، كما ينجح في تجاوُز مطاردات رجال الحرس الثَّوري الإيراني، حتَّى ينجو بالكتاب والمخطوط، ويقدّمهما إلى الموساد الإسرائيلي. يصرُّ لوردس، خلال اجتماعه ببعض الشَّخصيَّات الإسرائيليَّة الرَّفيعة في معهد المخابرات والعمليَّات الخاصَّة التَّابع للموساد على أنَّ أحدًا لن يطَّلع على الاكتشافين الَّلذين عثر عليهما، بحجَّة أنَّ لن يسمح لأحد أن “يجازف بالتَّوازن العالمي بسبب وثيقة لا يمكن لأحد أن يثبت قطعيًّا أنَّ مُحمَّد هو كاتبها” (ص301).
المصدر: رسالة بوست