مقالاتمقالات مختارة

هل سينجح استئصال الإسلاميين؟

هل سينجح استئصال الإسلاميين؟

بقلم خليل العناني

تشن السلطويات العربية -منذ أعوام- حرباً ضروسًا على الحركات والتيارات الإسلامية، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين. وهي حرب اُستخدِمت فيها كافة الأسلحة القمعية والإعلامية والسياسية والقانونية، وذلك من أجل استئصال شأفة هذه التيارات، والتخلص منها.

إنها حربٌ أشبه بانتقام سياسي من الانتفاضات والثورات العربية التي انطلقت قبل حوالي عقد، من أجل التخلص من أنظمة الفساد والاستبداد في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا، ومؤخراً السودان والجزائر؛ والتي لعبت دوراً في وصول بعض التيارات الإسلامية إلى السلطة.

فعلى مدار السنوات الماضية؛ تم حشد الأموال والقنوات التلفزيونية وطالبي الشهرة لشيطنة التيارات الإسلامية وتشويهها، باعتبارها الخطر الذي يهدّد المجتمعات العربية. وقامت دول عديدة -كالإمارات والسعودية- بإنشاء وتمويل مراكز أبحاث وقنوات إعلامية وصحف في الشرق والغرب، ليس لها وظيفة سوى الهجوم على أي تيارٍ يحمل مرجعية إسلامية، في حين تدّعي هذه الدول أنها تمثل الإسلام الوسطي المعتدل دون سواها.

كذلك تقوم هذه السلطويات الأصولية بتحريض الدول الغربية على الجماعات والجمعيات الإسلامية من أجل تصنيفها ككيانات إرهابية، وذلك على غرار ما تقوم به السعودية والإمارات ومصر في أميركا من خلال الضغط على إدارة الرئيس دونالد ترامب لتصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.

“على مدار السنوات الماضية؛ تم حشد الأموال والقنوات التلفزيونية وطالبي الشهرة لشيطنة التيارات الإسلامية وتشويهها، باعتبارها الخطر الذي يهدّد المجتمعات العربية. وقامت دول عديدة -كالإمارات والسعودية- بإنشاء وتمويل مراكز أبحاث وقنوات إعلامية وصحف في الشرق والغرب، ليس لها وظيفة سوى الهجوم على أي تيارٍ يحمل مرجعية إسلامية، في حين تدّعي هذه الدول أنها تمثل الإسلام الوسطي المعتدل دون سواها”

كان بإمكان هذه السلطويات أن توفر أموالها الطائلة، وأن تترك الشعوب تتولى محاسبة الإسلام السياسي على أداء تياراته في السلطة، سواء من خلال صندوق الاقتراع كما هي الحال في تونس والمغرب والأردن والكويت، أو من خلال الانتفاض والثورة عليها كما حدث في السودان مؤخراً.

وكان أجدر بها أن تضع أموالها في تقوية المجتمعات العربية تعليمياً وثقافيا من أجل رفع مستوى الوعي السياسي لدى الشعوب، بما يساهم في توفير بدائل سياسية ناجعة يمكنها منافسة وهزيمة الإسلام السياسي على المدى الطويل. كذلك كان من الأفضل لهذه البلدان أن تستثمر أموالها في تنمية قدرات الشباب العربي العاطل عن العمل، وذلك من أجل إبعاده عن الالتحاق بالجماعات الراديكالية المتطرّفة.

وحقيقة الأمر هي أن الأنظمة السلطوية لا تخشى من الحركات العنيفة والراديكالية قدر خوفها من نظيرتها المعتدلة. فهذه الأخيرة -وبغض النظر عن أفكارها وأيديولوجيتها- هي الوحيدة القادرة على تهديد نفوذ الأوليغاركيات العربية الحاكمة، سواء من خلال صناديق الاقتراع أو من خلال المظاهرات والانتفاضات السلمية. وهو ما يفسر إصرار هذه الأنظمة على التخلص منها.

لا يدرك هؤلاء أن الإسلام السياسي يعتاش على القمع، ويستثمر دوماً في سردية المحنة التي يعبئ بها قواعده ومؤيديه، وذلك من أجل الحفاظ على دعمهم وتماسكهم. كذلك لا يدركون أن الإسلام السياسي ليس مجرد تيار سياسي، وإنما هو أيضا تيار شعبي ذو قواعد تنظيمية قوية -بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع أطروحاته- يصعب اقتلاعها، ولا يمكن هزيمته من خلال القمع فقط.

أما المدهش فهو أن بلدانا كثيرة جرّبت قمع الإسلاميين على مدار العقود الماضية ولكنها فشلت، وذلك على غرار ما فعل جمال عبد الناصر، وحافظ الأسد، وحسني مبارك، وزين العابدين بن علي، ومعمر القذافي. كما أثبتت التجربة التاريخية أيضا أن الإسلاميين يعودون أكثر قوة في كل مرّة يتعرضون فيها للقمع والتنكيل‪.

ومن الواضح أن هذه السلطويات لا تقرأ التاريخ ولا تفهم دروسه، بل تصرّ على اجترار تجاربه كما هي، من دون تعلّم أو فائدة سوى تبديد أموالها وثرواتها. كما أنها تسعى لتوسيع رقعة الاحتراب والانقسام الأهلي في أكثر من بلد عربي، كما هي الحال في سوريا واليمن وليبيا ومصر، في حين يغيب عنهم أن الإسلاميين المعتدلين هم من أكثر التيارات السياسية براغماتية، ويمكنهم الدخول في صفقاتٍ سياسيةٍ مع الأنظمة الحاكمة، وفق شروط مقبولة من الطرفين.

والتاريخ المعاصر يشهد بذلك، سواء في اليمن حيث كان حزب التجمع اليمني للإصلاح أحد الحلفاء الرئيسيين للرئيس السابق علي عبد الله صالح، كما كان الإخوان المسلمون في الأردن ومصر من أكثر الجماعات براغماتية في التعاطي مع خصومهم في أنظمة الحكم، وهو ما نراه أيضا في المغرب مع حزب “العدالة والتنمية” الحاكم‪.

“ربما تراجعت قوى وجماعات الإسلام السياسي في السنوات القليلة الماضية، سواء بفعل الضربات الأمنية القاسية التي تعرّضت لها ولا تزال، أو نتيجة لتراجع جاذبية شعاراتها، بسبب فشلها في السلطة وضعف أدائها في المعارضة. لكنها قطعاً لم تمت، بل لا تزال حيّة بأفكارها وقضاياها. كما أن تواطؤ السلطويات العربية وتفريطها في قضايا عربية كثيرة مؤثرة -كقضية فلسطين والقدس- يمنح هذه القوى والتيارات إكسيراً للحياة”

أما المدهش حقا فهو أن تنخرط السلطويات العربية في حربٍ على الإسلام السياسي، في الوقت الذي تحضّر فيه حالها لشن حرب على إيران. وهو ما يكشف حجم الغباء السياسي والإستراتيجي لدى هذه السلطويات، ومن يفكّرون ويخططون لها. فمن شأن ذلك أن يدفع كلا الطرفين (إيران والإسلام السياسي) للتحالف معاً ضدها، وذلك رغم الاختلافات الأيديولوجية والطائفية بينهما. متوهمين أن بوسعهم كسب المعركتين في الوقت نفسه.

وهم جميعاً يعيشون حالة من النشوة والسكرة بسبب وجود دونالد ترامب رئيسا في البيت الأبيض، ويعتقدون أن بإمكانهم تغيير موازين القوى لصالحهم إلى الأبد، وهو أمر أقرب إلى الخيال والتفكير بالأماني. فمع غياب ترامب -وهو ما سيحدث آجلاً أو عاجلاً- وصعود رئيس آخر أقل حماقة وتهوراً؛ سوف تنقلب الموازين رأساً على عقب، ولن يكون بإمكانهم شراءه، واستغلال جهله بتعقيدات المنطقة؛ كما يحدث الآن مع ترامب.

ربما تراجعت قوى وجماعات الإسلام السياسي في السنوات القليلة الماضية، سواء بفعل الضربات الأمنية القاسية التي تعرّضت لها ولا تزال، أو نتيجة لتراجع جاذبية شعاراتها، بسبب فشلها في السلطة وضعف أدائها في المعارضة. لكنها قطعاً لم تمت، بل لا تزال حيّة بأفكارها وقضاياها. كما أن تواطؤ السلطويات العربية وتفريطها في قضايا عربية كثيرة مؤثرة -كقضية فلسطين والقدس- يمنح هذه القوى والتيارات إكسيراً للحياة، ويزيد أسهمها في الشارع العربي‪.

لا جدوى إذن من الحرب على الإسلام السياسي؛ فهي خاسرة ابتداءً ليس فقط لكونها تكراراً لمحاولات مثيلة فشلت في تحقيق أغراضها، ولكن لكونها بالأساس تسير عكس منطق الأمور في منطقتنا.

(المصدر: الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى