بقلم الدكتور اكرم كساب
شهدت أرض فلسطين -وبالتحديد في الأراضي المحتلة- حرائق واسعة، فيها ما فيها من الدمار والهلاك، وقد أفرزت هذ الحادثة حالة نفسية لدى الكثير من شبابنا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وهي تحمل في طياتها عاطفة وحالة من حالات الفرح والتشفي، أعقابتها حالة من حالة التمني أن لو استمرت هذه الحرائق ساعات وأياما حتى يزول الاحتلال….
لكن هنا عددا من الملاحظات:
1. في خضم حالة الفرح والتشفي أطلق الشباب (هاشتاجا) كان اسمه (إسرائيل تحترق)، وقد اعترف الشباب بـ(إسرائيل) وهم الكارهون لها، هذا على الرغم من أنهم لا يعترفون بها دولة، لكنهم مع العاطفة والتشهي والتمني خالفوا معتقدهم وأخذوا في تفعيل هذا الهشتاج ليكون متصدرا مواقع التواصل الاجتماعي.. وبهذا قاموا بما رفضوه من قبل من القنوات التي وضعت (إسرائيل) على خارطة فلسطين، كما اعترضوا على جوجل حين فعل ذلك أيضا..
2. الحرائق التي وقعت في الأرض المحتلة جعلها البعض انتقاما سماويا لمنع اليهود الأذان في الأرض المحتلة، وأحسب أن هذا لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، بل الحقيقية أن هذه مجرد أحلام، وبعض أماني، إذ المصائب مثل هذه وأكثر تصيب كثيرا من مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وما فيضانات بنجلادش وزلازل سومطرة في إندونيسيا وغيرهما عنا ببعيد، فهل كان هذا انتقاما من مسلمي بنجلادش وسومطرة وقد مات في فيضان بنجلادش عام 1974م قرابة 30.000 من البشر؟!
3. الأمر يا سادة أكبر من هذا بكثير، فليس من المعقول أن تتدخل إرادة الله من أجل منع أذان ولا تتدخل من أجل سفك دماء، وهتك أعراض، وقتل أبرياء، وقد فعل اليهود في فلسطين منذ عشرات السنين وما زالوا، وفعل طغاة العرب مثل ذلك وزادوا….
ألم يحرق المسجد الأقصى عام (69) فلماذا لم يكن ثم انتقام لمن حرّق وقتّل؟
ألم يفعل القرامطة بالمسجد الحرام ما هو أفظع من ذلك حيث أغاروا على المسجد الحرام عام (317هـ) وقتلوا من فيه وسرقوا الحجر الأسود وظل عندهم 22 سنة، حتى قالوا: إن عدد قتل بلغ 22000 من الحجيج.
إن التاريخ يذكر أنه كم من أرواح أزهقت، ودماء سفكت، وأعراض انتهكت، بل وهذا حاصل أمام أعيننا قام به اليهود وبعض حكام العرب؛ فلماذا لم تتدخل القدرة الإلهية العاجلة انتقاما من هؤلاء؟ لماذا لم يلحق الانتقام السماوي هؤلاء القتلة؟
4. أو ليس الإنسان ودمه وعرضه أولى بالانتقام السماوي من أذان يمنع أو بيت يهدم؟ نعم الإنسان كإنسان أرقى وأعظم حرمة، وفي الترمذي وصححه الألباني من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ»…
إن الانتهاكات التي وقعت في فلسطين منذ عشرات السنين أولى بالانتقام السماوي، فلا تحصروا انتقام الله في منع أذان، أو غلق بمسجد، لكن ما حدث لا يخرج عن كونه إرادة الله بخلقه، بما كسبوا قديما وحديثا، وهذا لليهود وغيرهم، والله تعالى يخاطب المسلمين بقوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30].
5. ما حدث لا اعتبره انتقاما سماويا من أجل منع الأذان؛ فكم من أذان منع، وكم من مساجد دمرت، وكم من شعائر منعت، ولم يكن ثم انتقام عاجل؛ ولكن الله يفعل بخلقه ما يشاء، وفق إرادة لا يعلمها إلا هو، وهو القائل: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر: 31]، وإذا كانت جنوده تخفى عن لخلق فإن حكمته فيما يفعل بخلقه لا يحددها بشر، ولا يجزم بها إنسان…
6. هل أصبح آخر جهدنا في هذه الحياة أمام مصائبنا التي لا حصر لها هو أن ننتظر –وفقط- التدخل السماوي لانقاذنا من اختلافنا وجهلنا وعجزنا وضعفنا،{تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم: 22]. إن دين الله لا يعمل في الأرض بكلمة (كن فيكون)، ولكن سنة الله أن يعمل البشر جهدهم ويستفرغوا طاقتهم وعندئذ تتدخل (كن فيكون) حتى وإن ضعفت قوة البشر أمام قوة عدوهم….
إن قدرة الله لا تتدخل على كسالى نائمين، ولا تعمل في عجزة متواكلين…
إن قدرة الله تتدخل يوم أن تتدخل لنصرة أناس أخذوا دينهم بقوة، كما قال الله ليحيى {خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12]، ولم يتركوا الأخذ بالأسباب…
المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.