مقالاتمقالات مختارة

هل تلتحق السّعودية رسميا بركب التّطبيع؟

هل تلتحق السّعودية رسميا بركب التّطبيع؟

 

بقلم د. محمد فتحي الشوك

 

أتعجّب ممّن فاجأته الخطوة البحرينيّة بالتّطبيع مع الكيان الصّهيوني الغاصب المحتلّ فهي كسابقتها الاماراتية متوقّعة و منتظرة ،و هي مجاهرة لما كان يمارس سرّا و باحتشام اقتضته متطلّبات حملة الرّئيس الأميركي ترامب الانتخابية لتمرير ذلك كانجاز تاريخي يحسب له إلى درجة أن يرشّح لنيل جائزة نوبل للسّلام  و تمنحه أملا في الفوز على غريمه الديمقراطي جو بايدن  الّذي  يتفوّق عليه حسب آخر استطلاعات الرّأي.
و لا أظنّ أنّ ترامب المهوّس بالحفاظ على منصبه و نتنياهو الّذي لا يقلّ عنه هوسا بذلك سيكتفيان بمثنّى في الحفل المزمع عقده في 15 سبتمبر القادم و سيعملان على أن يجتمعا بثلاث أو رباع  مع إمكانية السّماح لمن ملكت أيمانهما بحضور الوليمة احتراما لما يمليه “الشّرع” !
المطبّعون كثر و هم يتهافتون و يتزاحمون و يتنافسون على نيل دعوة لحضور حفلة السّقوط الكبير الّتي لن تكون تنكّرية بل بوجوه مكشوفة و لن تحقّق المناسبة الطّقوسية مبتغاها و تبلغ أقصى مداها بدون حضور صاحبة الطّلعة البهية المكتنزة الشّهية  السّعودية، حتّى و إن أصرّت على التمسّك بالحدود الشّرعية في الملحمة البوهيميّة !
فهل ستلبّي السّعودية المختطفة و المحوّلة وجهتها  الدّعوة و هي تبدو كالمشتهية المتمنّعة أم أن الظّروف لم تهيّأ بعد كما يجب للمجاهرة بالرّغبة المحرّمة الّتي تمارس سرّا؟
_حديث في التّطويع و التّطبيع:
المقصود بالتّطبيع بصفة عامّة هو أن يُحوّل أمر غير طبيعي مناقض للفطرة، مستهجن و مرفوض و مذموم و في غالب الأحيان غير قانوني بدساتير السّماوات و الأرض إلى طبيعي و مستساغ و مقبول  و مستحبّ بل يشرعن على أنّه قانوني.
و عمليّة التطبيع تلك تحتاج إلى تطويع للنصّ و للمتلقّي الّذي يقصف وعيه ويغيّب و يضرب إدراكه  و يعطّل فهمه و يتوقّف عن التفكير فتلتبس عليه الأمور و يقبل بما تمليه عليه مختبرات صنع القرار و ولاّة الأمور.
يتعرّض الفرد إلى قصف مركّز و هرسلة ممنهجة تضعف مناعته و قدرته على صنع الأجساد المضادّة بل و تستحدث لديه مستقبلات لما كان جسده يصنّفها أجساما غريبة ضارّة فيطاردها و يلفظها لتصبح ضيوفا مبجّلة.
التّطبيع عمليّة منافيّة للفطرة و هي تحتاج إلى تطويع قسري و غالبا ما تنجح العملية في مناخات القمع و الاستبداد، و إذا كان المصطلح يشير إلى العدوّ الصهيوني فانّه يشمل أيضا أشكالا أخرى منها التّطبيع مع الجهل و التخلّف و الفقر و المرض و الرّذيلة و سوء الخلق و الفساد و الإرهاب  و الطّغيان و الظّلم و الاستبداد .
فالحاكم المتغلّب بإمكانه أن يهتك عرضك ويغتصب أرضك و يجلد ظهرك و يسلخ جلدك و ما عليك إلاّ أن تقبل بذلك و لا تعترض و لو في سرّك مخافة نار يلوّح بها كهنته لو خرجت عن أمره.
و من السّهل أن تطبّع مع مغتصب غريب أجنبي إذا ما تمّ المران مع القريب المحلّي.
والشّذوذ الجنسي المصنّف علميا انحرافا سلوكيا صار يسمّى مثلية لينتصب من يدافع عنه لنشره عوض محاصرته و  التعامل معه كحالة مرضية  من المفروض معالجة المصابين بها و وقاية المجتمع من مضارّها.
كذلك العلاقات خارج إطار الزّواج الّتي تفشّت في مجتمعات كانت محافظة  لتصبح عادية و حرّية شخصيّة يوصم من يستنكرها بالتزمّت و الانغلاق .
في زمن أزمتنا المجتمعية القيمية صار الصّدق  و الطّيبة و التعفّف و ترك الحيلة والأمانة و الإخلاص في العمل سمات ضعف الشّخصية و علامات غباء و سذاجة مفرطة قد تؤدّي بصاحبها إلى الفشل الذّريع في غابة البقاء فيها للأقوى.
انقلب الهرم القيمي على ٍرأسه لتتقبّل رؤوسنا ذلك و يصبح الأمر طبيعيا لا يتطلّب مراجعة أو تصحيحا.
هي عملية اغتصاب لكلّ المعاني و زنا محارم بالقيم بعد تخدير كلّي و تغييب للوعي.
تحوّل الجلّاد الظّالم المغتصب الإرهابي القاتل المنتهك للحقوق المكفولة في كلّ الشّرائع إلى حمامة سلام و صديق وديع جدير بالاحترام ، لتصبح الضّحية  صاحبة القضيّة عدواّ مشاغبا و ما عليها إلاّ بقبول الأمر الواقع و الرّضوخ والاستسلام.
زناة المعاني و مغتصبي الكلمات يمرّرون لنا بأنّ الأسود أبيض و يوهموننا بأنّ” الخلل في عيوننا ،يتحدّثون عن تاريخ لا نعرفه و جغرافيا لم ندرسها و لغة جديدة لم نألفها كسروا فيها المرفوع و أغابوا الفعل و نصبوا الفاعل.
_الحبل على الجرّار:
مرّة أخرى يطلّ علينا الرّئيس الأميركي ضاحكا حتّى بانت نواجذه و هو يبشّرنا باتّفاقية سلام جديدة مع طرف عربي آخر،اتّفاقية لم تكلّفه سوى رنّة هاتف ليسارع ملك البحرين بالموافقة دون شروط و لا تحفّظ، اتّفاقيات سلام بين من لم يخوضوا قطّ حرب أو مفاوضات و خدمة مجانية للمغتصب المحتلّ  الّذي سيقبض مقابل ذلك استثمارات و مزيدا من التوسّع،سلام مقابل سلام و ضخّ للأموال و الحبل على الجرّار كما بشّر بذلك نتنياهو شعبه.
كان متوقّعا ما جرى خصوصا و أنّ البحرين قد خطت أشواطا في التّطبيع وطلبت صراحة أن تكون التّالية بعد الإمارات و في الواقع فانّ لا وزن حقيقي لشطحة ملك البحرين إذ كان دوما بالون اختبار  لاستشعار ردود الأفعال فيبوح بما تريد السّعودية قوله ،فهذه الأخيرة هي من ترغب في الدّخول علانيّة إلى ساحة الرّقص و تحتاج لأن ترى نفسها في المرآة و هي تميس بأقدام البحرين و على إيقاع طبلة الإمارات.
كانت السّلطات البحرينية و لا زالت ساحة تجربة تفاعلات السّعودية الكيميائية الّتي تتحكّم في عناصرها و تفاعلها الأيادي الإماراتية خصوصا بعد صعود نجم وليّ العهد السّعودي محمّد بن سلمان الّذي ارتهن مصيره بنجاح صفقة القرن و بالثّالوث ترامب و نتنياهو و بن زايد.
لا يمكن للسّعودية في وضعها المتأزّم  الرّاهن إلاّ أن تستجيب لما يملى عليها و هي تتهيّأ لذلك و تهيّئ المحيط بقبول ما لم يكن مقبولا،فلا صوت يعلو اليوم فوق صوت المطبّعين في وسائل الإعلام الرّسمية و على وسائل التّواصل الاجتماعي و من فوق المنابر،ليتجنّد السّديسي و بقية جوقة المتفيقهين و علماء السّلاطين و يجتهدوا في فقه التّطويع و التّطبيع و المعاهدين،و من المضحكات المبكيات أن يدعوا لتقبّل العدوّ الفاجر الغريب و يجرّموا التّعاطف مع الأخ القريب ،و يفتحوا الأجواء لطائرات العال “الاسرائيلية” و يمنعوا ظلما مرور القطرية.
لم يكن التّطبيع مع العدوّ الصهيوني مستحدثا جديدا إذ كان يمارس باستحياء و من وراء السّتار إلى أن قرّر ترامب كشفه علانية ليستعملهم كورقة انتخابية سيرميها لاحقا في مرحاض التّاريخ.
لم يكن مستغربا موقف الجامعة العربية، المختطفة و الميّتة سريريا ،فقد تلكّأت عند طلب فلسطين لاجتماع عاجل لوقف نزيف الخيانة و العمالة لتجتمع بعد شهر رفعا للحرج و تسقط قرارا فلسطينيا بإدانة التّطبيع و لا تفوّت الفرصة لتحذير تركيا من تدخّلاتها في الشّؤون العربية،و المؤسف حقّا أن يلتزم الحياد من كان صوته عاليا في الدّفاع عن القضيّة الفلسطينية مثل الجزائر أو من صرّح سابقا بأنّ التطبيع خيانة عظمى لتصبح شأنا داخليا و وجهة نظر.
“سيأتي يوم على هذه الأمّة و تصبح الخيانة وجهة نظر” تلك كانت مقولة الشّهيد غسّان كنفاني ذات يوم لنشاهد بأعيننا ذاك اليوم.
“سيتفاجأ العرب ذات يوم أنّنا قد أوصلنا أبناء إسرائيل إلى حكم بلادهم” هكذا تحقّقت نبوءة جولدا مائير.
في النّهاية طبّعوا كما شئتم فالقضّية مطبوعة في وجداننا و منقوشة في جيناتنا و لن تفيدكم أشجار الغرقد الّتي تزرعون مهما اقتلعتم من شجر الزيتون.
(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى