مقالاتمقالات مختارة

هكذا يتحركون: عسكر مصر بين انقلابين

هكذا يتحركون: عسكر مصر بين انقلابين

بقلم محمود جمال

الانقلاب العسكري في أحد تعريفاته هو “تغيير نظام الحكم في البلاد عن طريق إطاحة الجيش بالحاكم سواء كان مدنياً أو عسكرياً، وقيام قادة الانقلاب بالسيطرة على مقاليد الحكم”.

تشتهر الدول العربية والأفريقية بالانقلابات العسكرية التي يستولي فيها الجيش على الحكم وكانت الأسباب في معظم الحالات التي تمت بالفعل، لاعتبارات تتعلق برغبة العسكريين في الاستيلاء على الحكم، بخلاف بعض المحاولات التي تمت لاستعادة الحياة الديمقراطية وإبعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم ولكن في معظمها فشلت ولم تُحقق أهدافها.

وبين عامي 1952 و2019 شهدت مصر انقلابين عسكريين نجحا في تحقيق أهدافهما وسيطر قادتهما على مقاليد الحكم في البلاد، مع اختلاف الظروف والسياقات التي شهدتهما الحالتين، وذلك على النحو التالي:

أولاً: انقلاب 23 يوليو 1952م:[1]

وهو ما يعرف بحركة الضباط الأحرار، ووصفها البعض بـ “ثورة يوليو 1952″، وهي حركة تغيير فكرية تنفيذية، أخذت شكل الانقلاب العسكري‏،‏ قادها مجموعة من الضباط في رتب مختلفة. وقد بدأ تنظيم الضباط الأحرار عام 1949م؛ حيث ذكر السادات في كتابه (أسرار الثورة المصرية) أن عبد الناصر بدأ في تكوين القاعدة للتنظيم في سبتمبر 1949؛ وهي الحقيقة التي اعترف بها جميع الضباط الأحرار دون استثناء، سواء في كتبهم أو مذكراتهم التي نشرت أو في أقوالهم التي أدلوا بها أمام لجنة تسجيل تاريخ ثورة 23 يوليو 1952.[2]

والذي يقرأ مذكرات اللواء محمد نجيب والكلمات التي تحدث بها جمال عبد الناصر ومذكرات الضباط الأحرار التي قد كتبت بعد نجاح تحرك الجيش عام 1952م، يري أنه من أهم أسباب غضب أفراد الجيش من قيادات المؤسسة العسكرية وقتها الهزيمة في حرب 1948 وضياع فلسطين وفضيحة الأسلحة الفاسدة، وكذلك الفساد المتواجد بشكل كبير داخل المؤسسة العسكرية، والاستبداد بشكل عام الذي يمارس على الشعب المصري من قبل الطبقة الحاكمة في تلك الفترة.

وعن مضامين المنشورات التي كان ينشرها الضباط الأحرار للضباط والمدنيين لحثهم على التغيير كتب الرئيس الأسبق محمد نجيب في مذكراته، والتي نُشرت الطبعة الأولي منها عام 1984م، تحت اسم “كنت رئيساً لمصر: “كانت منشورات الضباط الأحرار تملأ وحدات الجيش.. وأحياناً كانت تخرج إلى المدنيين.. وكانت تتكلم عن فساد الحكم وتفضح عيوبه، وتصرخ في وجه انحرافات قادة الجيش، وتطالب بالإصلاح والتغيير. صدر المنشور الأول للضباط الأحرار في أكتوبر 1950م، تحت عنوان (نداء وتحذير) جاء فيه: إن الضباط الأحرار جزء لا يتجزأ من الشعب، وإذا كان الشعب يُحكم حكماً ملكياً مستبداً، فإن الجيش هو الأخر يخضع لنفس الظروف منذ سيق إلى مجزرة فلسطين دون رأي ودون استعداد، وفُرضت عليه الخطط الفاسدة والأسلحة الفاسدة”.[3]

يري البعض أن أهم عامل ساعد الضباط الأحرار في تنفيذ حركتهم والقيام بانقلاب عسكري على الملك فاروق هو الغضب الشعبي الذي كان متواجداً في الشارع المصري وقتها، والذي كان يعبر عنه جموع الشعب المصري بالتظاهر في المدارس والجامعات والمصانع والميادين والشوارع، وإن كان البعض يرى أن مجموعة الضباط الأحرار كانت سبباً في صناعة بعض الأحداث في تلك الفترة، لكي تخلق حالة من الضجر على الحكم الملكي، ولكنه يتضح أنهم كانوا يعتبرون أن التظاهرات في الشوارع ووجود المواطنين في الميادين عامل أساسي لحراكهم”.

ثانياً: انقلاب يوليو 2013:

في 25 يناير 2011م، شهدت مصر واحدة من أهم موجات الثورات الشعبية التي حدثت في تاريخها الحديث والمعاصر، حيث نزلت جموع الشعب المصري في ميادين أغلب محافظات مصر وبأعداد كبيرة، واستغل الجيش المصري تلك التظاهرات للإطاحة بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك لتحقيق أهداف خاصة بالمؤسسة العسكرية، في مواجهة ملف التوريث الخاص بجمال مبارك.

المؤسسة العسكرية تعاملت من أول لحظة من اندلاع الثورة المصرية في 25 يناير 2011م، بخطة محكمة مدروسة حتي تصل في نهاية الأمر إلي إعادة تموضعها مرة أخري وتسيطر علي زمام الأمور، فكانت عامل ضغط على مبارك للتخلي عن الحكم لوجود مصالح كانت تبحث عنها المؤسسة العسكرية في أواخر حكم مبارك، ثم عملت على تفتيت القوي الثورية مع أول لحظة تولي فيها المجلس العسكري برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي إدارة حكم البلاد في 11 فبراير 2011م، بداية من استفتاء مارس علي التعديلات الدستورية في مارس 2011م،  ثم مرورا بالانتخابات البرلمانية لمجلسي الشعب والشوري في نهاية عام 2011م، ثم الانتخابات الرئاسية في جولتيها في مايو- يونيو 2012م.

ويري البعض إن هناك عدة نقاط مهمة، كان لها أثر واضح في تحديد موقف الجيش من الثورة، منها: عدم شعور الجيش بتوجه الاحتجاجات نحوه بشكل مباشر، خصوصا أنه لم يكن أداة من أدوات النظام لقمع الشعب أو المعارضة، على الرغم من كونه حاميا للنظام، وعدم تأييد الجيش للتوريث لأن في ذلك خروجا على مبدأ الحاكم ذو الخلفية العسكرية بالإضافة لتهديد امتيازات الجيش وتقديره أن الاحتجاجات توقف ملف التوريث.[4]

وبعد إعلان المستشار فاروق سلطان نتيجة الانتخابات الرئاسية في يونيو 2012م، بفوز الرئيس محمد مرسي، عملت المؤسسة العسكرية بخطة محكمة مدروسة، للتخلص من الرئيس مرسي، بداية من خلق الأزمات الاقتصادية والأمنية والمجتمعية، لتشكيل حالة ضجر شعبي علي الرئيس مرسى وجماعة الإخوان المسلمين، كما قامت المخابرات الحربية بتأسيس حركة تمرد حتى تزيد من الغضب الشعبي على الرئيس وتزيد أعداد المتظاهرين في الشوارع والميادين للمطالبة برحيل نظام الرئيس مرسي، وتصوير الأمر على أنه موجة ثورية جديدة تحت مسمى “ثورة 30 يونيو 2013”.[5]

خلاصات واستنتاجات:

1ـ الانقلابات العسكرية التي حدثت في مصر ونجحت في تحقيق أهدافها كانت تتمتع بظهير شعبي حتى لو كان مصطنعاً، بخلاق الانقلابات التي فشلت في تحقيق أهدافها والتي جرت بدون ظهير شعبي كمحاولات عامي 1953م و1954م.

2ـ في انقلاب 03 يوليو 2013، وبالرغم من سيطرة الجيش على مفاصل الدولة بشكل تام، إلا أنه صنع ظهيراً شعبياً لكي يتحرك ويطيح بالرئيس محمد مرسي، فالظهير الشعبي لأي حراك عسكري ضروري حتى يستطيع الانقلابين تنفيذ مخططهم.

3ـ بعد انقلاب 03 يوليو 2013م، كانت هناك محاولات لتصحيح مسار المؤسسة العسكرية، ولعل أبرز تلك المحاولات كانت في 2015، والتي كشفت عنها محاكمة 26 ضابطاً بتهمة محاولة القيام بانقلاب عسكري.

4ـ من ينتظر تحرك قوات من الجيش للانقلاب على السيسي، عليه ابتداءً إحياء الثورة في الشوارع والميادين مرة أخري، فكما قال أحد العسكريين “الجيش عادة يتحرك إذا الشعب تحرك”، والشعب لن يتحرك إلا بوجود نخبة ثورية جادة وفاعلة ومُعبرة عن الشعب وآماله وطموحاته [6].


الهامش

[1] اتجاهات التغيير داخل المؤسسة العسكرية المصرية ج1، محمود جمال، المعهد المصري للدراسات، الرابط

[2] كتاب محمد نجيب زعيم ثورة أم واجهة حركة.. د/رفعت يونان ص 23، رابط

[3] كتاب “كنت رئيساً لمصر” ص 92، الرابط

[4]قراءة في كتاب العلاقات المدنية – العسكرية والتحول الديموقراطي في مصر بعد ثورة 25 يناير، نون بوست، تاريخ النشر 03 يوليو 2016م، تاريخ الدخول 10 سبتمبر 2018م، الرابط

[5] اتجاهات التغيير داخل المؤسسة العسكرية المصرية ج2، محمود جمال، المعهد المصري للدراسات، الرابط

[6] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

 لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

(المصدر: المعهد المصري للدراسات)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى