هكذا استغل الاحتلال إغلاق كورونا لخلق وقائع جديدة بالأقصى
إعداد فيحاء شلش
قد يبدو موضوع الإغلاق الشامل طبيعيا في ظل انتشار فيروس كورونا؛ ولكنه في مدينة القدس المحتلة ليس كذلك أبدا، فكل الدلائل تشير إلى استغلال الاحتلال لفترات الإغلاق المتتالية لفرض أمر واقع جديد خاصة في المسجد الأقصى المبارك.
دائرة الأوقاف الإسلامية المسؤولة عن المسجد كانت وثقت العديد من الانتهاكات التي قام بها الاحتلال خلال فترة الإغلاق، وتنوعت ما بين القيام بأعمال مسح مشبوهة في ساحاته وحفريات جديدة ونصب المزيد من آلات المراقبة.
الشيخ ناجح بكيرات نائب مدير الأوقاف قال لـ”عربي٢١” إن الأمر تعدى كونه ملاحظات فقط، وإنما تمت مشاهدة الاحتلال يخترق عدة أمور في المسجد ومحيطه.
وأوضح أن ما يحدث في القدس هو انتهاك للمقدسات والإنسان؛ وأن الاحتلال يعمل من خلال برنامج متكامل لتهويد الأقصى؛ فقام بعمل قياسات داخل المسجد ما يدلل على أن وراءها نوايا كبيرة جدا، وحين يمنع لجنة الإعمار من العمل ويعطل الترميم يكون التساؤل لمصلحة من كل ذلك.
وأكد أن الاحتلال يستمر في إدخال المستوطنين إلى المسجد من باب المغاربة ويمنع الفلسطينيين من غير سكان البلدة القديمة من الوصول إليه؛ ما يدلل على واقع يريد أن يجعله في الأقصى وهو تجفيف الوجود فيه.
وشدد بكيرات على أن أخطر ما يمكن الحديث عنه هو موضوع الحفريات التي جرت في المنطقة الغربية والجدار الغربي عند حائط البراق للمسجد؛ حيث أن هذه الحفريات ما زالت حتى الآن مستمرة وتشكل خطرا كبيرا جدا؛ وكل ذلك حدث في فترة الإغلاق.
وأشار إلى أن الاحتلال عمد خلال فترات الإغلاق إلى محاولة التأثير على الوجود البشري للفلسطينيين في المسجد؛ وذلك من خلال مخالفاتهم المستمرة؛ فأي شخص كان يصل للمسجد يجب أن يضع هويته؛ ومئات المخالفات تم تحريرها بمئات آلاف الشواكل حتى وصلت قيمتها إلى مليون ونصف المليون شيكل؛ وكلها مخالفات فقط على أبواب المسجد الأقصى المبارك.
ورأى أن الاحتلال يسعى لعزل الأقصى ومحاولة المس بقدسيته أثناء الإغلاق؛ حيث تمت مشاهدة إحدى المستوطنات وهي تقوم بأخذ ابنها ليتبول في الساحات الشرقية للمسجد، وكذلك قيام الاحتلال بتكريس وجوده في منطقة باب الرحمة، ناهيك عن محاولة نصب المزيد من آلات المراقبة؛ كلها كانت واضحة تماما وأخطرها الحفريات التي ما زالت حتى اللحظة، حسب تعبيره.
وأكد أن الاحتلال سعى لمحاولة تغيير الأمر الواقع والضغط على دائرة الأوقاف بشكل كبير جدا؛ وأراد التدخل في كثير من مشاريعها؛ وهو استغلال واضح لانتشار كورونا.
واعتبر أن ما يحدث هو تغيير للوضع التاريخي الراهن للمسجد؛ لافتا إلى أن الوباء موجود ولكن الهدف منه هو شل حركة الوجود الاقتصادية في البلدة القديمة التي تعتبر منبعا ورافدا أساسيا للمسجد.
وأضاف: “شلت البلدة القديمة بشكل كامل لم نر فيها إلا القطط ولا نرى من يتحرك سوى الجنود والمستوطنين؛ وهذا استغلال واضح، والهدف الاقتصادي انعكس بشكل واضح على مناحي الحياة التجارية، فالتجار الذين كانوا يفتحون محلاتهم كانوا يأتون ويصلون، وبعد إنهاء الإغلاق رأينا كيف عادت الحياة وانتعشت البلدة القديمة التي تشكل الحاضنة الأساسية للمسجد وأقرب حاضنة له؛ والتي تحولت خلال الإغلاق إلى شبه مقبرة ومكان ميت تماما”.
وأشار إلى أن هذا التنفيذ السياسي للإجراءات التي تحاول دولة الاحتلال أن تستمر فيها تعزل المدينة والمسجد ولها أثر واضح جدا؛ وأنها حين حرمت الناس من الوصول خلقت نوعا من الهجرة من داخل المدينة؛ حيث بدأ بعض سكان البلدة القديمة بالتفكير بالرحيل منها والخروج إلى الأحياء في القدس وهذا خطر كبير جدا.
رئة المقدسيين
الناشط المقدسي فخري أبو دياب يقول لـ”عربي٢١” إن الاحتلال منع من هم خارج سكان البلدة القديمة من دخولها ودخول المسجد الأقصى؛ وأنه استغل الجائحة لتفريغه من المصلين.
وأكد أن سلطات الاحتلال تعمل على مدار العام على تفريغ المسجد من المصلين والمرابطين والمواطنين لإتاحة الفرصة للمستوطنين، وأنه يبني مخططاته على تفريغ البلدة القديمة والمسجد الأقصى لأنه لن يستطيع فرض وقائع جديدة عليه إلا بإبعاد خط الدفاع الأول ومن يدافع عنه من أجل محاولات فرض وقائع جديدة.
وأشار إلى أن الاحتلال استغل الجائحة أكثر من مرة لتهويد الأقصى؛ ولكنه فشل في ذلك لأنه حين يقوم بإعادة فتحه بعد الإغلاق يعود الفلسطينيون له بأعداد أكبر وشوق أضخم، فيصبح كل ما خطط له الاحتلال منتهيا بلمحة بصر، حسب قوله.
وأكد أبو دياب بأن الاحتلال حين قام صباح الأحد بفك الإغلاق بدأ الناس بالتوافد للمسجد وانتشرت دعوات لمحاولة دعم تجار البلدة القديمة الذين عانوا كثيرا.
وأضاف: “الأقصى بالنسبة لنا كمقدسيين هو المصدر الذي يعطينا الأكسجين ونتنفس من خلاله؛ وهو بالنسبة لنا أهم من منازلنا؛ ومنذ أن تم فك الإغلاق فتحت الكثير من الأعمال في دولة الاحتلال ولم نذهب لأعمالنا لأننا أردنا الذهاب للأقصى لنكحل أعيننا والصلاة فيه والصمود فيه وإعماره؛ لأننا نعلم تماما أنه مهدد من قبل الاحتلال وتحاك المؤامرات عليه”.
وأوضح بأن تواجد المصلين في المسجد بعد الإغلاق هو إثبات للاحتلال أنه مهما أغلقه سيبقى يعيش في داخل قلوبهم، مبينا أن حملات شد الرحال للمسجد وحملات الفجر العظيم التي كانت قبل انتشار فيروس كورونا ستعود بقوة.
وقال إن المصلين الذين زاروا الأقصى بعد حرمان كانوا يتشوقون كأنهم أبعدوا عنه لسنوات؛ وأن شوق الناس للأقصى لا يوصف لأنهم يعتبرونه الرئة التي يتنفسون بها.
وعلى صعيد آخر رأى أبو دياب أن الاحتلال يوظف الجائحة في استغلال سياسي؛ حيث قام بإغلاق المسجد ومنع من هم خارج البلدة القديمة من دخولها وهي عصب الاقتصاد المقدسي لأنه يريد أن يثقل كاهل التجار وإبعادهم وإجبارهم على البحث عن أماكن أخرى لفتح محلات تجارية للعيش؛ ما يعني محاولة لتفريغ الأقصى لأن حُماته هم من يتواجدون في الأسواق والمنازل والمحلات التجارية.
وأشار إلى أن الاحتلال قام بشكل مستمر بدفع الناس للابتعاد خارج المنطقة وتأثروا بالفعل كثيرا في الجائحة، حيث أن التجار فرضت عليهم ضرائب باهظة.
وتابع: “الاحتلال يلاحق القدس بشكل عام وهي في عين العاصفة، وطأة الإغلاق لم تتوقف والاحتلال لا يتخلى عن محاولة فرض وقائع جديدة على المسجد الأقصى؛ وهناك دعوات منذ الآن لجماعات الهيكل لاقتحامات ضخمة للمسجد ما يدل على نوايا الاحتلال”.
واعتبر أن هذه الدعوات هي ردة فعل على توافد المصلين للمسجد وشد الرحال إليه؛ ما أزعج الاحتلال الذي اعتاد المقدسيون على مخططاته وينجحون في إفشالها دائما، مؤكدا أن “هبة باب الأسباط ليست عنا ببعيدة”.
(المصدر: عربي21)