مقالاتمقالات مختارة

هذا هو السبب الرئيسي لانتشار الإرهاب!

هذا هو السبب الرئيسي لانتشار الإرهاب!

بقلم سيد صابر

العقل هو هدف الإرهاب، وهو ساحة الحروب الحقيقية التي يشنها علينا. ونحن نخطئ الخطأ الكبير حين نشن حرباً على الإرهاب في سيناء، ولا نشن حرباً عليه في عُقر داره وهو العقل المصري والعربي. فالإرهاب مختبئ في عقولنا وفي عقول أبنائنا وبناتنا، وفي تربيتنا وديننا وتعليمنا منذ زمن بعيد، ولكنه متخفّي بأثواب زائفة ولكنها تبدو حقيقية ومزخرفة لدرجة أننا نتباهى ونفتخر بها مثل التدين. إن المتدين الذي ينصح الآخرين بالابتعاد عن الخطأ وفعل الصواب، ويفرض عليهم فلسفته الخاصة ووجهة نظره في الخطأ والصواب إرهابي بدرجة مستعد. لأن فكرة التطابق التي يطالب بها المتدينون هي أساس الفكر الإرهابي، حيث ينتظر الشخص المتدين من غيره أن يتطابق فكرهم مع فكره، وأن يفعلوا ما يراه هو صواباً ويبتعدوا عما يراه هو خطأ من وجهة نظره الدينية.

ولا شك أنه استمد هذه المعايير للخطأ والصواب من الدين، ولديه نية خيّره حين يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ولهذا السبب يمكننا أن نضع الدين ذاته في قفص الاتهام من الناحية الفلسفية الموضوعية. ولما لا؟ أليس معنى الدين الإنكار للأديان الأخرى؟! أليس هذا هو التعصب الذي قاد العالم للحروب في العصور الوسطى؟! إننا يجب أن نصدم أنفسنا والمجتمع من حولنا بهذه الحقيقة وهذه الأسئلة، هل الدين هو الإرهاب؟ وإلى أي مدي الدين متورط في انتشار الفكر الإرهابي؟ وهل المشكلة في فهم وتفسير الدين والتراث الديني أم المشكلة في الدين ذاته؟ وهل يمكن الفصل بين مفاهيم الدين والتدين وبين التعصب والعنصرية؟

إن الإرهاب لا يقتل بالسلاح فقط بل لديه أسلحة أخطر من ذلك. إنه يسمم العلاقات ويقتل الجسد الاجتماعي، ويجعلنا من نتفرّق ونتمزّق ونتجابه ونقتل بعضنا البعض نفسياً ومعنوياً قبل أن نستخدم السلاح. إننا نجد الفتاة تطلب من خطيبها التوبة والالتزام في الصلاة بنية إيجابية خيرة دون أن تدري أنها ارتكبت جريمة في حق خطيبها بنظرتها إليه على أنه إنسان ملوث بالذنوب والمعاصي، وأنه اقل منها تديناً رفعةً عند ربها، وهذا يجعلها تتعامل معه على هذا الأساس الفاسد مما يسمم علاقتهم فيما بعد بدون أن يدركوا ذلك.

ونجد الصديق يطعن في نيّة صديقه الذي يراه أقل منه تديناً، او مختلفا معه في بعض الآراء الفقهية. ونجد الناس ينظرون إلى الفلسفة على أنها إلحاد وكفر لمجرد أنها لا تتطابق مع فكرهم الديني، وينظرون إلى الأديان الأخرى على أنها الكفر ذاته، وإلى المختلفين عنهم في الديانات على أنهم كفار مصيرهم النار والجحيم والهلاك. ولا شك أن هذا يتضمن شعوراً سلبينا كفيل بتسميم العلاقات الاجتماعية وجعلها علاقات سطحية فاسدة.

وعندما ننظر إلى النمط الفكري العام لدى أفراد مجتمعنا بنظرة تحليلية نجد فكرة المطابقة التي أشرنا إليها مهيمنة، ونجد صعوبة كبيرة لدى العقل العربي في تقبل الاختلاف، وتكاد لا توجد فكرة تقبل اختلاف التفكير والآراء والمعتقدات على أنه اختلاف طبيعي مثل الاختلاف بين حبة الموز وحبة البرتقال. ونجد أيضاً منطق البديلين فقط الذي يختزل العالم بتعقيده وبساطته في اختيارين فقط كلٍ منهما مضاد أو معادي للآخر، فإما هذا أو ذاك، أهلي أو زمالك، جنة أو نار، كافر أو مؤمن، دين أو علم، معي أو ضدي، أنا أو أنت.

ولا نجد فكرة المزيج الذي يمكن أن يجتمع فيه البديلين ليخرج عنهما شيئاً مختلفاً، أو فكرة التعاون الإبداعي التي تعني أن الأهلي إذا تعاون مع الزمالك سيكوّنان فريقاً أقوى من الأهلي وحده وأقوى من الزمالك وحده بل وأقوى من مجموع قوة الفريقين، ويعني أيضاً أنني يجب أن أجعل علاقتي إيجابية معك لأن قوتك بالإضافة إلى قوتي سينتج عنهما قوة أكبر من قوتي وأكبر من قوتك وهكذا. وبنظرة عابرة غير متعمقة نجد أن أجهزة الإعلام تعلّم الناس نمط التفكير الخاطئ الذي يتضمن أسس الفكر الإرهابي، والذي يفسد كافة العلاقات الاجتماعية، ويضعف الجسد الاجتماعي ككل، ونجد أن نظام التعليم غير مهتم بتعليم التلاميذ والطلاب طرق التفكير الصحيح، ولا يدرّبهم عليها، ولا يهتم بالجانب الفكري لديهم، فالفلسفة يتم تدريسها على نطاق ضيق جداً غير أن مناهجها لا تربي المفكر الذي نتطلع إليه.

فهل هذا له علاقة بأنظمة الحكم والسياسة؟ والإجابة نعم، فالأنظمة الاستبدادية ترغب في مواطن أعمى غير مفكر، ولقد تم بالفعل ترسيخ هذا النمط الفكري الخاطئ في مجتمعنا أيديولوجياً على يد المستعمرين والمستبدين على مدى تاريخنا، ولكن هذا الفكر الخاطئ الآن تحوّل إلى وباء قاتل، وإذا لم نقضي عليه فإنه سيقضي علينا.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى