نيويورك تايمز: الصين تستهدف المثقفين الإيغور لمحو الهوية والثقافة الإسلامية في تركستان الشرقية
تحت عنوان “الصين تستهدف المثقفين الإيغور لمحو الهوية العرقية” كتب أوستن رمزي في صحيفة “نيويورك تايمز” قال فيه أن الكاتب ومحرر مجلة اسمه قربان ماموت (محمود)، عمل على نشر ثقافة وتاريخ شعبه الإيغور وبقية الأقليات التي تنتمي للعرقية التركية والتي تعيش في غرب الصين. وقام بعمله من خلال القيود التي فرضها الرقيب الصيني الذي يخشى من النزعة الانفصالية والتطرف داخل الشعوب المسلمة في الصين. وظل يعمل ماموت من خلال هذه القيود ويتحرك بحذر مدة 26 عاما وترفع في عمله الصحافي حيث أصبح محرر للمجلة التي يتحكم فيها الحزب الشيوعي واسمها “حضارة تينشيانغ” وحتى تقاعده في عام 2011. وقال نجله بهرام سينتاش الذي يعيش اليون بولاية فرجيينا في الولايات المتحدة: “كان والدي ذكيا ويعرف الخط الأحمر ولو تجاوزته فستنتهي إلى السجن” وأضاف “تستطيع العمل حول الخط الأحمر لتثقيف الناس. ويجب أن تكون ذكيا وحذرا في الكلام الذي تكتبه”. ولكن الخط الأحمر تحرك في العام الماضي حيث وجد ماموت ومئات من المثقفين الإيغور الذين قاموا وبنجاح بالتحرك في عالم الأكاديميات والفن والصحافة أنفسهم هدفا لحملة قمع واسعة في المنطقة، والتي ادت بوضع مليون مسلم في معسكرات إعادة تعليم. ويرى الناشطون والمدافعون عن حقوق الإنسان والمنفيين الإيغور أن عمليات الإعتقال وسجن الناجحين والمبرزين من الإيغور علامة عن حملة الهندسة الاجتماعية المكثفة التي يقوم بها الحزب الشيوعي الصيني منذ عقود. فحراس التقاليد الإيغورية والموثقين لتاريخها وكصناع لفنها فقد كانوا يبنون آسيا الوسطى وخزان الذاكرة الجمعية للمجتمع المتحدث باللغة التركية عبر المسموح به في حكم ديكتاتوري. وتعلق الصحيفة أن اعتقالهم هو محاولة من الحزب الشيوعي لمحو الهوية الإيغورية وإعادة تشكيلها في هوية علمانية ودمجها في الثقافة الصينية العامة المتساوقة مع أيديولوجية الحزب الشيوعي. ووصفت الحكومة الصينية عمليات الاعتقال بأنها هي عملية تدريب وظيفي يهدف لتوفير الفرص لأفقر التجمعات السكانية في البلاد. ولكن قائمة من 100 أعدها المنفيون الإيغور تضم شعراء بارزون وكتابا وأساتذة جامعيين ورؤساء جامعات وأسماء متخصصة في الإنثروبولوجي وتاريخ الإيغور”. وتقول مايا وانغ، الباحثة في منظمة “هيومان رايتس ووتش” في هونغ كونغ: “حقيقة اعتقال أصحاب الشهادات العليا والمثقفين والأكاديميين والعلماء ومهندسي الكمبيوتر في هذه المنشآت هو جدال مضاد لما تقوله السلطات وأنه نوع من برامج تعليمية لمنفعة الإيغور”.
ويقول باحث إيغوري يعيش في إسطنبول إن عزل الباحثون الإيغور العارفون بنظام الحكومة الصينية والنظام التعليمي والقضائي لا يهدف فقط إلى محو الهوية العرقية الاستثنائية ولكن القدرة على حماية التقاليد. ويعيد الكثيرون الهجوم على المثقفين الإيغور لاعتقال الاقتصادي الإيغوري إلهام توهيت في عام 2014 . وكان توهيت متحدثا شديدا ضد التمييز الممارس على الإيغور في الصين وحكمت عليه السلطات بالسجن المؤبد بعدما أدين بالدعوة إلى الانفصال. وحدثت اعتقالات أخرى في عام 2017 ومعظم من اعتقلوا كانوا يعملون في الحفاظ على الثقافة الإيغورية. وكان من بين الذين اختفوا رحيل دعوت التي تعد من أشهر الأكاديميين الإيغور وكانت استاذة في علم الأنثروبولوجيا بجامعة تينشيانغ وركزت في بحثها على المزارات الإسلامية والأغاني الشعبية والفولكلور. واعتقلت في عام 2017 ولم تر منذ ذلك الوقت. وتقول الصحيفة إن المثقفين الإيغور كانوا قبل محاولات القمع يمثلون الجسر الثقافي للمجتمع الإيغوري البالغ عدده 11 مليون نسمة، معظمهم من المزارعين الفقراء حيث تتركز الثروة في عرقية الهان التي يسيطر أفرادها على السلطة السياسية والاقتصادية. وحاول المثقفون الإيغور تغيير أوضاع مجتمعهم الذين يشتكي من التمييز والقوانين التعسفية التي تقيد حرية ممارسة الشعائر الدينية. ويقول رون ستينبرغ الباحث في دراسات ما بعد الدكتوراة في جامعة كوبنهاغن إن المثقفين قدموا طريقا معتدلا للإيغور لكي يحافظوا على ثقافتهم ومواجهة التمييز. وقال “هذه التراجيديا الكبرى بشأن القمع” و “كانوا بناة جسر الاندماج للإيغور في المجتمع والاقتصاد الصيني”. ويقول المهندس إركين سيديق الذي سافر إلى الولايات المتحدة عام 1988 للدراسة ويعمل الآن في التلسكوبات بوكالة الفضاء الامريكية “ناسا” إن الكثير من الشباب استلهموا إنجازات المثقفين. وقال سيديق إن المئات كانوا يحضرون الاجتماعات غير الرسمية التي كان يعقدها ويؤكد فيها على أهمية التعليم وقرأ الكثيرون كتابا ألفه عن الأكاديميين الإيغور. وأضاق أن “الشعب الإيغوري يثمن التعليم كثيرا”. ويحتفظ الإيغور الآن بقائمة للذين اختفوا في حملة القمع. وقام طاهر حموت، الشاعر الإيغوري المقيم بفرجينيا بالتعاون مع المنفيين الإيغور لجمع أسماء من اعتقلوا خلال العام الماضي بناء على التقارير الإخبارية والمعلومات التي قدمها لهم الزملاء السابقون في الجامعة. وزاد العدد الآن إلى 159 مثقفا إيغوريا وخمسة أخرين من أقليات أخري. وقال حموت إن هؤلاء المعتقلين يمثلون أهم الشخصيات في إقليم تينشيانغ “وهم نموذج ودرسوا بدأب واهتموا بأنفسهم، واعتقالهم يمثل جرحا كبيرا وهجوما عظيما على الإيغور”.
وتتهم السلطات الصينية الإيغور بأنهم يتعاملون “بوجهين” فمن ناحية يلتزمون بالخط العام الرسمي ومن ناحية أخرى يرفضون عمليات القمع. ولهذا السبب تم عزل الكثيرين من مراكز الدولة في الإقليم. ونقلت الصحيفة مواقف الحكومة التي وردت في صحفها عن عزمها ملاحقة أي شخص يحاول حرف المجتمع ونشر ما تقول “التطرف الديني”. وكتب مياسوموجيانغ ميامور، مسؤول الشؤون الدينية “سنقتلع جذور أصحاب الوجهين ونحفر عنهم، وسنلاحق أصحاب الوجهين حتى النهاية”. ولاحقت الحملة حتى من عبروا عن موقف داعم للحملة مثل عبد القادر جلال الدين، الباحث في شعر القرون الوسطى بوسط آسيا بجامعة تينشيانع العادية الذي عمل على حماية الثقافة والهوية الإيغورية. وتقول راشيل هاريس، التي تقوم بدراسة الموسيقى الإيغورية بمدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن “كان رجلا معتدلا وحاول دائما موازنة رأيه لدرجة أن الكثير من القوميين الإيغور اتهموه ببيع نفسه للنظام”. وكتب جلال الدين رسالة العام الماضي دعم فيها حملة الدولة وأعلن عن ولائه للنظام. ولكن اعتقل في كانون الثاني (يناير) 2018.. وقالت هاريس إن الكثير من المثقفين المعتدلين “لا أستطيع فهم هذا باستثناء كونها سياسة مدروسة لحرمان الإيغور من ذاكرتهم الثقافية”. وترى الصحيفة أن حملة القمع ليست جديدة بل مستمرة منذ احتلال جيش الشعب الصيني تينشيانغ في عام 1949 بل وفي الثلاثينات عندما كان الإقليم تحت السيطرة السوفييتية. وتختم الصحيفة بالقول إن حملة ملاحقة المثقفين الإيغور هي اعتراف من السلطات الصينية أن محاولاتها دفع الإيغور القبول بتفوق الدولة الصينية قد فشلت ويجب الرد بقوة. وقال ستينبرغ “لقد خسرت الحكومة” و “مثل لاعب الشطرنج الخاسر يقوم بتمزيق الرقعة”.
(المصدر: تركستان تايمز / القدس العربي)