نور الدين زنكي: نموذج القيادة الراشدة .. هل يستفيد السوريون من تجربته في بناء دولتهم؟
بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
إن الأمة الإسلامية تعرّضت عبر تاريخها لمحاولات غازية استهدفت عقيدتها وثوابتها، وهي ليست وليدة اللحظة، بل امتداد لمحاولات مستمرة تهدف إلى ضرب العقيدة الصحيحة، والنيل من القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرة الصحابة الكرام، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وأمهات المؤمنين، خاصة السيدة عائشة (رضي الله عنهم جميعاً). فهذه الهجمات استهدفت عقيدة التوحيد الصافية، وكل القيم التي تحفظ الفطرة الإنسانية السوية.
وفي مواجهة هذه التحديات، تظهر أهمية اِستلهام النماذج القيادية الفذّة التي استطاعت أن تواجه الأخطار بقوة وحكمة، ولعل أبرز هذه النماذج السلطان نور الدين محمود زنكي، الذي يُعد رمزاً للقيادة الراشدة والحاكم الرباني الذي اِستلهم نهج القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في بناء دولته.
وكان نور الدين نموذجاً للقائد الذي يتبنى قيم العدل والإصلاح، مُستلهماً في ذلك نهج الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز (رحمه الله). وطلب السلطان نور الدين من علماء عصره أن يكتبوا سيرة عمر بن عبد العزيز لتكون نموذجاً يُحتذى به في إدارة الدولة، وتدبير شؤون الناس، وإقامة العدل بينهم.
لقد أدرك نور الدين أن مواجهة التحديات تتطلب توحيد صفوف الأمة، فعمل على توحيد المسلمين بمختلف مذاهبهم ومشاربهم، مُعتبراً أن وحدة الأمة هي السبيل الوحيد للتصدي للمؤامرات الداخلية والخارجية. وكان يؤمن بالمفهوم الشامل لأهل السنة والجماعة، الذي يضم الأشاعرة، وأهل الحديث، والمتصوفة السنية، والمدارس الفقهية الأربع. هذه الرؤية الواسعة ساهمت في تعزيز قوة الأمة وتماسكها، ومكنته من مواجهة المشروع الصليبي الغربي والمشروع الباطني الفاطمي.
فضلاً عن ذلك، عُرف نور الدين بعدله وتسامحه، حيث احترم أهل الكتاب، وأمّن حقوق الأقليات، مما جعل دولته نموذجاً يحتذى به في العدل والتعايش السلمي. كما أرسى قواعد إصلاحية راسخة في دولته، فكانت بمثابة الأساس الذي استكمل تلامذته، وعلى رأسهم القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي، البناء عليه. وواصل صلاح الدين هذه المسيرة، فحقق إنجازات عظيمة، كان من أبرزها تحرير بيت المقدس وتوحيد الأمة الإسلامية في مواجهة أعدائها.
وإن المرحلة الحالية في سوريا، بعد سقوط النظام الاستبدادي، تمثل فرصة تاريخية يجب استغلالها لبناء دولة جديدة على أسس العدل والقيم الإنسانية الرفيعة التي انتهجها نور الدين، وسوريا بحاجة إلى قيادة شجاعة تعمل على توحيد الصفوف، بعيداً عن التناحر الداخلي، والولاءات الخارجية. حيث يجب أن تضع القيادة مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وأن تُعيد بناء ما دمرته سنوات الحرب والاستبداد والفساد.
ويحمل الشعب السوري أيضاً على عاتقه مسؤولية عظيمة في هذه المرحلة المفصلية. فعلى السوريين أن يتكاتفوا لدعم قيادتهم في بناء دولة حديثة تقوم على سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، مع التخلص من آثار الطائفية والفساد. وإن الوحدة الوطنية والتعايش السلمي يجب أن يكونا أساس المرحلة المقبلة، مع الحرص على تعزيز منظومة التربية والتعليم، وتطوير الاقتصاد والتجارة الحرة، والنهوض بالبنية التحتية، وإعادة اللاجئين إلى وطنهم بكرامة وأمان.
نسأل الله أن يجعل سوريا نموذجاً مشرقاً في العالم العربي والإسلامي، وأن يوفق شعبها وقيادتها لبناء دولة حديثة تعتز بالإسلام وقيمه العظيمة. وإن الأمة بحاجة إلى سوريا قوية وموحدة تكون منارة للعدل والسلام، وتساهم في نهضة الإنسانية جمعاء ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ﴾.
ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق العاملين في سبيل نهضة الأمة الإسلامية لتحقيق العدل، وحفظ الحقوق، ونشر قيم الإسلام التي تعتز بالقرآن الكريم وهدي النبي (صلى الله عليه وسلم)، لتكون مثلاً أعلى للإنسانية جمعاء في إقامة العدل، وسعادة الدنيا والآخرة.