مقالاتمقالات مختارة

نصرٌ جديد للغة الضاد

نصرٌ جديد للغة الضاد

بقلم حسين لقرع

صنع البرلمانُ الباكستاني الحدث في الأيام القليلة الماضية حينما صادق بشبه إجماع على مقترح قانونٍ لتدريس اللغة العربية في المدارس الباكستانية إلزاميا، ابتداءً من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية، على أن يبدأ تطبيقُ القانون بعد ستة أشهر من الآن.

هو نصرٌ جديد تحققه اللغة العربية التي تعيش صراعا وجوديا في العقود الأخيرة، وتعاني حتى في عقر ديارها؛ ففي الخليج تطغى اللغة الانجليزية على حساب العربية في الحياة العامّة بسبب كثرة العمال الأجانب الذين فاقت أعدادُهم أعداد سكان هذه الدول، من دون الخوض في تفاصيل محتويات المنظومات التعليمية لهذه الدول والتي بدأت تتصهْيَن وتُحذف منها الآياتُ والأحاديث التي تتحدّث عن تحريم موالاة اليهود وعدم الوثوق في عهودهم ووجوب الجهاد ضدّهم.. وفي البلدان المغاربية لا تزال اللغة الفرنسية تحظى بمكانة متميزة؛ ففي المغرب، صادق البرلمان في 23 جويلية 2019 على مشروع قانون لتدريس المواد العلمية في المرحلة الثانوية بالفرنسية، وكانت وزيرة التربية السابقة نورية بن غبريط رمعون تروّج لمشروع مماثل في الجزائر منذ سنة 2015، لكنّها لقيت مقاومة شرسة من أنصار العربية في مختلف المواقع، والذين تصدّوا لها بقوة، وأفشلوا المشروع، فضلا عن إسقاط “اقتراحاتها” المسمومة بالتدريس باللهجات العامِّية في السنوات الثلاث الأولى من التعليم الابتدائي، وتخفيض معامل التربية الإسلامية وساعاتِ تدريسها وإسقاطها من بكالوريا الشُّعب غير الأدبية، غير أنّ أنصار هذا التيار لم يُفلِحوا في فرض قانون تعميم استعمال اللغة العربية في الإدارة والهيئات والمؤسسات العمومية والخاصة، وفي التعليم العالي، والمحيط العامّ، وفقا لقانون التعريب المجمّد منذ جوان 1992 إلى الآن، ما جعل وضعية اللغة العربية تراوح مكانها في الجزائر، بل إنها فقدت العديد من المواقع التي غزتها الفرنسيةُ على نطاق واسع بفعل استمرار نفوذ بقايا دفعة لاكوست في شتى دواليب الدولة، ما حوّل العربية إلى لغةٍ غريبة في عقر دارها.

وفي ظلّ تراجع تدريس لغة الضادّ في العديد من الدول العربية، وقيام مبغضيها بحملاتٍ منظمة ضدّها ووصفِها بالعقم والعجز عن مواكبة العصر، يأتي قرارُ البرلمان الباكستاني لينصُرها من حيث لم يكن أحدٌ يحتسب، وقال صاحب مقترح القانون، النائب عن حزب الرابطة الإسلامية، نواز جافيد عباسي، إنّ “العربية هي خامس أكثر اللغات انتشارا في العالم، وهي اللغة الرسمية لـ25 دولة، والقرآن الكريم يُتلى بها، وإذا فهمه الباكستانيون فلن يمرّوا بالمشاكل التي يعانون منها اليوم”. ومعنى هذا أنّ نهضة اللغة العربية والأمّة جميعا قد تأتي من الأعاجم المسلمين، تماما مثلما كان لأجدادهم دورٌ محوري وفاعل في ازدهار الحضارة الإسلامية وتطوير شتى العلوم والمعارف التي فاضت على أوروبا في القرون الماضية، وسيعزّز ذلك أكثر مكانةَ اللغة العربية في العالم.

شكرا لباكستان التي نصرت فلسطين من قبل ورفضت ضغوط دولتين خليجيتين عليها للتطبيع المجاني مع الاحتلال، وها هي تنصُر اللغة العربية الآن.. وإن تتولُّوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم.

(المصدر: صحيفة الشروق الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى