نشأة القوميَّة العربيَّة ودورها في إسقاط الخلافة الإسلاميَّة 7من 7
إعداد د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
تاريخ حزب العمل الإسرائيلي
يعود حزب ماباي إلى حركة بوعالي صهيون، أو عمَّال صهيون، القوميَّة اليهوديَّة الاشتراكيَّة، التي أُسست عام 1906م، ثم تعرَّضت لانشقاقات تأسَّس على إثرها حزب احدوت هعفودا، المنادي بالاستيطان، والذي انضمَّ إلى حزب هبوعيل هتسعير عام 1930م، ليتكوَّن حزب ماباي، وفق ما نشره المركز الفلسطيني للدِّراسات الإسرائيليَّة (مدار). تعرَّض حزب ماباي عام 1965م بدوره إلى انشقاق بعض أعضائه، بعد خلافات بين دافيد بن غوريون وبعض شباب الحزب، ومنهم موشيه دايان وإسحق رابين، وبين الجيل القديم، يتزعَّمه ليفي إشكول وغولدا مائير؛ لينسحب بن غوريون وأعوانه ويأسِّسوا حزبًا جديدًا، هو حزب قائمة عمَّال إسرائيل (رافي)، ويتغيَّر اسم ماباي إلى حزب العمل. لم ينتزع موقع الصَّدارة والتَّأييد الشَّعبي اللازم لتشكيل الحكومة من حزب العمل إلَّا حزب الليكود، حزب يمين الوسط الذي أُسِّس عام 1973م، وانتصر على حوب العمل في الانتخابات التَّشريعيَّة عام 1977م، ليصبح مناحيم بيغن أوَّل رئيس حكومة إسرائيلي من الليكود. ونقلًا عن موسوعة ويكيبيديا الرَّقميَّة، شغل منصب رئيس وزراء حكومات إسرائيل من حزب الليكود مناحيم بيغن (1977-1983م)، ثم إسحاق شامير (1983-1984، 1986-1992م)، وبنيامين نتنياهو (1996-1999م) وأريئيل شارون (2001-2005م)، وعاد نتنياهو إلى رئاسة الحكومة عام 2009م، ولم يزل محتفظًا بموقعه برغم حالة التخبُّط التي يعيشها المشهد السياسي الإسرائيلي منذ مايو 2019م، بعد فشَل محاولتين لتشكيل حكومة، وإن كان الليكود والأحزاب الدِّينيَّة المتحالفة حصل على أغلبيَّة الأصوات في انتخابات 9 أبريل 2019م و17 سبتمبر 2019م. ويجدر التَّذكير بأنَّ الليكود نشأ على عقيدة الصُّهيونيَّة التَّصحيحيَّة، المجاهرة بالعداء للعرب والمؤيِّدة لأيِّ عمل عسكري كاسح لا يأبه بأيِّ اعتبارات إنسانيَّة بشأن غير اليهود.
” الكيبوتسات تذهب إلى السُّوق”: تطبيق الاشتراكيَّة في الأرض المقدَّسة
أفرد جوشوا مورافتشيك خاتمة كتابه لتناوُل انهيار الاشتراكيَّة وفشل تجاربها في تنقُّلها “من موسكو إلى دار السَّلام إلى لندن”، معتبرًا أنَّ تجارب تأسيس مجتمعات شيوعيَّة كانت عبارة عن “تصوير كاريكاتوري بائس للرُّؤية الاشتراكيَّة” (صـ392). برغم اختلاف بيئات تلك التَّجارب، تشترك محاولات روبرت أوين في تأسيسه مدينة فاضلة في أمريكا، وفلاديمير لينين في إلغائه الرَّأسماليَّة ومصادرته أموال الإقطاعيين في روسيا، وبينيتو موسوليني في تطبيقه الإصدار الإيطالي للاشتراكيَّة، المعروف بالفاشيَّة الإيطاليَّة، وكليمنت أتلي في سعيه إلى تحويل بريطانيا إلى الاشتراكيَّة في أوَّل حكومة يقودها حزب العمَّال (1945-1951م) في أعقاب الحرب العالميَّة الثَّانية، ومساعي صمويل جومبرز وجورج ميني للنُّهوض بحقوق العمَّال في أمريكا من خلال تأسيس الاتحاد الأمريكي للعمل (American Federation of Labor)، وجوليوس نيريري في مساعيه لمعالجة حالة التَّخلُّف والرَّجعيَّة والتَّردِّي الاقتصادي في تنزانيا، وجهود ميخائيل غورباتشوف لمنع انهيار الاتحاد السُّوفييتي التي ذهبت سُدى، في الفشل في تطبيق نظام اشتراكي عادل. صرَّح غورباتشوف، آخر رئيس للاتحاد السُّوفييتي المنحل في 26 ديسمبر 1991م، عند تجوُّله في تعاونيَّة (كيبوتس) ‘عين جدّي’ الزّراعيَّة، لدى زيارته إسرائيل بعد 6 أشهر من انهيار الاتحاد السُّوفييتي بقوله “هذا ما قصدناه بالاشتراكيَّة” (ص392). ينقلنا ذلك إلى العنوان الذي اختاره مورافتشيك لخاتمة الكتاب، وهو ” THE KIBBUTZ GOES TO MARKET”، أي الكيبوتسات تذهب إلى السُّوق، في إشارة إلى إسهام الإنتاج الزّراعي في الكيبوتسات التي أُسِّست في الأرض المقدَّسة منذ مطلع القرن العشرين، في دعم تحقيق الوفرة والأمان المادّي للمستوطنين اليهود. كان أوَّ كيبوتس أُسس على أرض فلسطين عام 1910م، وأُطلق عليه ديغانيا، وقد بلغ عدد الكيبوتسات بعد 70 عامًا ذلك التَّاريخ 270 كيبوتسًا. طبَّقت الكيبوتسات “نوعًا خالصًا للغاية من الاشتراكيَّة” قام على “تناوُب الأعضاء على الوظائف”، واستندت إلى الشَّعار الماركسي “من كلٍ حسب طاقته ولكلٍّ حسب احتياجاته” (صـ393).
ويعتبر جوشوا مورافتشيك كيبوتس جينوسار، الذي أُسس عام 1937م في وادٍ ضيق على الضِّفاف الشَّماليَّة الغربيَّة على بحيرة طبريا، من أفضل نماذج تطبيق الاشتراكيَّة في إسرائيل؛ حيث تناسى اليهود أنَّهم الشَّعب المختار، ودأبوا على العمل من أجل “استرداد أرض أجدادهم، ليس فقط بشرائها، ولكن بمزج عملهم بذلك“، ويرجع ذلك إلى التَّأثير القويّ للماركسيَّة على توجُّه هؤلاء المستوطنين (صـ394). وقد كان من بين أعضاء جينوسار السَّابقين رؤساء الوزراء دافيد بن غوريون، وغولدا مائير، وشمعون بيريز، وإيهود باراك، وجميعهم من زعماء حزب العمل الاشتراكي، أو حزب ماباي اليساري السَّابق عليه.
الاشتراكيَّة هي مستقبل حُكم العالم
كما سبقت الإشارة، لم يُحبط جوشوا مورافتشيك من فشل تجارب تطبيق الاشتراكيَّة في شتَّى الأُطُر والظُّروف، ويجد في نجاح التَّجربة في كيبوتسات إسرائيل بريق أمل. تحيَّةً للفيلسوف الذي أمضى حياته في خدمة الصُّهيونيَّة والشُّيوعيَّة، نُقلت رفات الفيلسوف والمنظِّر الاشتراكي اليهودي الألماني موزس هس إلى كيبوتس كنيرت، ونُقش على قبره عبارة “أب الدّيموقراطيَّة الاجتماعيَّة الألمانيَّة”. يسرد مورافتشيك تجربة هس في اعتناق الشُّيوعيَّة، التي كانت “الربَّ الذي وجده” (صـ411). اعتبر هس أنَّ كارل ماركس، الذي كان يكبره بسنوات، بمثابة “معبوده…الذي سيسدد الضَّربة النّهائيَّة إلى جميع الأفكار الدّينيَّة والسّياسيَّة المتعلقة بالقرون الوسطى”، وكان يقدِّر له أنَّه هو الذي قاده إلى اعتناق الشُّيوعيَّة، وإلى اتّخاذ الاشتراكيَّة نظام حياة بديل عن الدِّين (صـ411). ومن المثير للانتباه أنَّ هس برغم اتِّخاذه الشُّيوعيَّة واعتناقه الاشتراكيَّة دينًا، فهو لم يتخلَّ عن يهوديَّته، بل واعتنق الفكر الصُّهيوني نتيجة تألُّمه من معاداة السَّاميَّة في مجتمعه. وقد عبَّر في كتابه Rome and Jerusalem-روما وأورشليم (1862م) عن حنينه لأورشليم، “الأرض المقدَّسة” و “المدينة الخالدة”، وكرَّس حياته من أجل إعادة اليهود إلى أرض أجدادهم، بعد أن دبَّت في نفسه “نزعة قوميَّة” تُعوى إلى عاطفته الدِّينيَّة (صـ412).
يعتقد مورافتشيك أنَّ الماركسيَّة “جعلت الاشتراكيَّة دينًا”؛ حيث أنَّها “ربطت الخلاص البشري بطبقة مطحونة، مقرنة فكرة الشَّعب المختار في العهد القديم بنبوءة العهد الجديد القائلة أنَّ الودعاء يرثون الأرض”؛ وهكذا، نجحت الاشتراكيَّة في منح البشريَّة الوعد بحياة عادلة، خالية من الطَّبقيَّة والمحسوبيَّة والتمييز العنصري، وهذا ما لم تعد به الديانات الأخرى، على حدِّ زعم الكاتب (صـ414). ويضيف الكاتب والمفكِّر اليهودي أنَّ كثيرين سينكرون أنَّهم يعتنقون الاشتراكيَّة دينًا، على اعتبار أنَّ كارل ماركس اعتبر الدِّين مثل المخدِّر، كما تشير عبارته الشَّهيرة “Die Religion … ist das Opium-الدِّين…أفيون الشُّعوب”. وتأسَّى كثيرون بموقف ماركس من الدِّين؛ ففقدوا إيمانهم بالخوارق والمعجزات التي لا تفسِّرها العلوم الحديثة، ويضرب مورافتشيك المثل في ذلك بمايكل هارينغتون، المنظِّر الاشتراكي الأمريكي، الذي قال عن نفسه “رغم أنِّي لا أؤمن بالله…فأنا…‘طبيعة دينيَّة بدون دين‘، رجل تقي راسخ الإيمان، ولكن ليس في الخوارق”؛ وقد ذكر نورمان بيرنبوم، وهو من تلاميذ هارينغتون أنَّ الاشتراكيَّة بطبيعتها “دين للخلاص” (صـ415). وقد ألَّف ارنست بلفور باكس، وهو أحد منظِّري الماركسيَّة البريطانيَّة المفوَّهين، كتابًا أطلق عليه The Religion of Socialism-دين الاشتراكيَّة (1886م)، ردَّد فيه ما صرَّح به موزس هس في شبابه “الاشتراكيَّة… تُنزل الدِّين من السَّماء إلى الأرض…تنظر إلى ما وراء اللحظة الآنيَّة…وليس إلى عالم آخر، إنَّما ترنو إلى حياة اجتماعيَّة متميِّزة في هذا العالم. ففي تلك…الحياة المتميِّزة…التي تفوق إمكاناتها قدرة اللسان على التَّعبير، أو العقل على التَّصوُّر، التي يجدها معتنق الاشتراكيَّة غايته، أو دينه” (صـ416). يعترف مورافتشيك بأنَّ كثيرين ارتكبوا أفعالًا شنيعة باسم الاشتراكيَّة، لكنَّه يبرِّر ذلك بزعمه أنَّ كثيرين غيرهم فعلوا ذلك باسم الدِّين، مثل الحروب الصَّليبيَّة ومحاكم التَّفتيش بعد سقوط الأندلس وأحداث 11 سبتمبر لعام 2001م. ويختتم مورافتشيك كتابه بقوله “لم ينجح الاشتراكيون الديمقراطيون في تأسيس الاشتراكيَّة إلا مرَّة واحدة. وهي تعاونيَّات الكيبوتس” (صـ418).
هل مفهوم الاشتراكيَّة مُستلهَم من الكتاب المقدَّس؟
تزخر آيات الكتاب المقدَّس، سواءً العهد القديم أو العهد الجديد، بآيات تعكس الفكر الاشتراكي، في إشارة قويَّة على أنَّ مؤسّسي ذلك الفكر من المتأثّرين بما ورد في الكتاب المقدَّس من آيات تحضُّ على الإحسان إلى الفقراء وإعانة المنكوبين ومشاركة الإنتاج بالتَّساوي والتَّكامل في أداء المهام. يشير كتاب Heaven on Earth: The Rise and Fall of Socialism–الجنة على الأرض: صعود الاشتراكية وسقوطها (2002م) لجوشوا مورافتشيك إلى أنَّ روبرت أوين في نهاية حياته قد نشط دينيًّا، وأسَّس ما عُرف بالمجتمع العالمي للعقلانيين المتدينين (Universal Community Society of Rational Religionists)، كان يستهدف التَّغيير الاجتماعي والإصلاح الأخلاقي، وكان يعقد قدَّاس الأحد كلَّ أسبوع، وكان يُتلى في الصَّلوات من كتاب Book of the New Moral World-كتاب العالم الأخلاقي الجديد (1836م)، وبعض التَّراتيل اجتماعيَّة الطَّابع (Social Hymns)، والتي من بينها “أيُّها المنبوذون في وطنكم، المحكوم عليهم بالفقر والعناء، أيُّها الغرباء في بلدكم، تعالوا انضمُّوا إلى الجماعة، اتركوا حالتكم البائسة، يوم شقاق ويوم كراهية، خذوا أيدي الأخوَّة التي نمدُّ، تعالوا وعيشوا حياة المشاركة، اتركوا خلفكم الأنانيَّة، ووجّهوا حبَّكم من النَّفس إلى البشريَّة”. إذا وضعنا هذه الخلفيَّة الدّينيَّة لصائغ مصطلح الاشتراكيَّة وزعيمها الرَّائد، وأخذنا في الاعتبار الخلفيَّة اليهوديَّة لكارل مارس وأنَّ عائلته كانت متديّنة وأنَّ جدَّه كان ربَّانيًّا، فليس من المستبعد أبدًا أن يكون تكرار مفهوم الاشتراكيَّة في آيات الكتاب المقدَّس من بين المصادر التي استُقي منها الفكر الاشتراكي. وفيما يلي نماذج من آيات العهد القديم والعهد الجديد تعكس الإيمان بالاشتراكيَّة.
5.استنتاجات وتساؤلات
1. أُسقطت الخلافة الإسلاميَّة من خلال إحياء القومية في تركيا قبل العالم العربي، وأسست أنظمة حُكم ملكيَّة في مصر والأردن والعراق، بينما خضعت فلسطين للانتداب البريطاني، وسوريا للانتداب الفرنسي، لتعجز أنظمة الحُكم عن منْع تأسيس إسرائيل 1948. نشأت على أنقاض الأنظمة الملكيَّة في مصر والعراق واليمن أنظمة اشتراكيَّة، وتأسّس في سوريا نظام مشابه، قاده حزب البعث ذو الأغلبيَّة العلوية، بعد تمكين الاستعمار الأقليَّات من حُكم البلاد، ثم أفضى ذلك إلى هزيمة كافَّة تلك الجيوش في حرب الأيام الستة. سهَّلت ثورة الاتحاديين عام 1908م مهام ثورة لورنس 1916م، والتي فتحت بدورها المجال لثورات الخمسينات والسّتينات من القرن الماضي في مصر وتونس والعراق والجزائر وليبيا، هل تنتهي ثورات الرَّبيع العربي بتقسيم جديد؟
2.نجحت ثورة 23 يوليو 1952م في مصر، ونادى زعيمها، جمال عبد النَّاصر، بإذكاء الحسّ القومي العروبي إلى أن لُقّب بـ “بطل العروبة”، وحرص على تصدير ثورة مصر إلى الدُّول المحيطة، أملًا في تحويل العالم العربي إلى “دولة كبرى تفرض وجودها” على قوى الاستعمار. غير أنَّ المشروع القومي الاشتراكي اصطدم بالأنظمة الملكيَّة “الرَّجعيَّة”، كما كان يطلق عليها عبد النَّاصر، وأدَّى ذلك إلى تصارع القوى الرَّجعيَّة مع التَّيَّار التّقدُّمي النَّاصري في ساحة اليمن منذ أواخر 1962م، وكان لذلك أثره العظيم في هزيمة يونيو 1967م، باعتراف اللواء جمال حمَّاد، رأس قائمة الضُّبَّاط الأحرار وكاتب بيان ثورة يوليو، الذي شارك محمَّد نجيب قوله في مذكّراته، كنتُ رئيسًا لمصر (1984م) أنَّه لو كان يعرف أنَّ الأمور ستؤول إلى ما آلت إليه بعد الثَّورة لما شارَك فيها. إذا وضعنا تصريحي حمَّاد ونجيب في خانة واحدة مع ما كشفه جلال كشك في كتابه ثورة يوليو الأمريكيَّة (1988م) عند دور أمريكا في تأييد تنظيم الضُّبَّاط الأحرار وتشجيع انقلابهم على النّظام الملكي، فهل ينطبق على ثورة يوليو والثَّورات العربيَّة المعاصرة لها ما قاله الدُّكتور بهاء الأمير في كتابه اليهود والماسون في الثَّورات والدَّساتير (2011م) عن استغلال الجمعيَّات السّرّيَّة رغبة الشُّعوب المقهورة في التَّغيير والإصلاح بإشعال ثورات تُحدث فوضى واضطرابات من شأنها إعداد العالم لتأسيس دولة مخلّص بني إسرائيل؟
3.برغم إخلاصه المشهود به لقضيَّة الأمَّة العربيَّة واستماتته في الدّفاع عن تراب الوطن، تعرَّض الزَّعيم الرَّاحل جمال عبد النَّاصر لحملات عديدة لتشويه سيرته، منها أنَّ تهديده المتكرّر بمحاربة إسرائيل لم يكن سوى دعاية لكسب الشَّعبيَّة في الشَّارع العربي، ومنها كذلك “أنَّه عميل إسرائيل، وأنَّ أمَّه يهوديَّة“، كما أورد جلال كشك في ثورة يوليو الأمريكيَّة (1988م، صـ21)، وأنَّه “رئيس المتآمرين وزعيم كذَّاب ومزيَّف“، كما نقل مايكل أورين في ستَّة أيَّام من الحرب (2002م) عن العاهل السُّعودي الرَّاحل الملك فيصل بن عبد العزيز (صـ573). أُثيرت حول بطل العروبة كذلك أقاويل عن صداقته بالعسكري والسّياسي الإسرائيلي البارز موشيه دايان، الذي نشرت صحيفة اليوم السَّابع أنَّه كان جاره في السَّكن في حارة اليهود في مصر، وإن شكَّكت في الأمر لاحقًا. والسُّؤال: لمصلحة مَن إثارة مثل تلك الأقاويل عن زعماء العرب؟ فعبد النَّاصر ليس الوحيد الذي شُكّك في إسلامه؛ حيث قيل إنَّ العاهل الأردني يهودي نسبةً لأمّه، التي تعرَّف عليها وتزوَّجها الملك الحسين بن طلال أثناء عملها مساعدة إخراج لفيلم لورانس العرب (1962م)، لم تثبت يهوديَّتها، وكلّ ما يعرف عن ديانتها أنَّها ليست مسلمة وكان ذلك ما أدّى إلى استبعاد ابنها من ولاية العهد؛ كما قيل إنَّ السُّلطة الفلسطينيَّة يرأسها بهائي، حفيد ميرزا حسين المازندراني، مؤسّس البهائيَّة، وهي ديانة منبثقة عن إحدى الفرق الشّيعيَّة المغالية، حيث نُفي المازندراني، أو حضرة بهاء الله، إلى فلسطين مطلع القرن العشرين، وقد منح الاستعمار البريطاني لابنه عبد البهاء عبَّاس وسام الفارس، تقديرًا لجهوده في مساعدة المستعمر، ويُنسب إليه قوله “الآن تأتي طوائف اليهود إلى الأرض المقدسة ويمتلكون الأراضي والقرى ويزدادون تدريجيًّا إلى أن تصير فلسطين جميعًا وطنًا لهم”. كيف إذًا يفترض البعض وصول أحد أحفاد عبد البهاء عبَّاس إلى هرم السُّلطة الفلسطينيَّة الذي لم يشغله سوى ياسر عرفات (أبو عمَّار) ومن بعده محمود عبَّاس (أبو مازن)؟
4.يثير موقف سوريا البعثيَّة حيال القضيَّة الفلسطينيَّة بعض الحيرة، من مساعدتها حركة فتح في استفزاز إسرائيل بضرب مزارعها من الجولان، إلى تَّفريط الأسد ذاته في الجولان، ثم إلى إصرار الوفد السوري في مؤتمر الخرطوم في سبتمبر 1967م، الذي لم يكن الأسد بين أعضائه، على الحل العسكري ورفض الحل السلمي والتفاوض، ثم التَّراجع عن ذلك وتفضيل التَّفاوض السّلمي وحدوث شرخ في علاقة الأسد بياسر عرفات. والسؤال: كيف يُفسَّر هذا التغيُّر المريب في تعامُل نظام الأسد العلوي مع القضيَّة الفلسطينيَّة؟ وإذا كان توماس إدوارد لورانس قد اعترف في كتابه أعمدة الحكمة السَّبعة (1922م) بأنَّ من قوانين النُّصيريَّة “أنَّه لا يمكن لنصيري أن يخون نصيريًّا آخر، بينما يحقُّ له كلَّ الوقت أن يخون الآخرين” (صـ247)، لماذا سلَّم الانتداب الفرنسي الأقليَّات غير المسلمة في سوريا، ومنها الطَّائفة النصيريَّة، المناصب القياديَّة في البلاد؟ وهل يعتبر وصول أحدهم للسُّلطة مدعيًا اعتناقه الإسلام تقيَّةً مؤامرة على العالم الإسلامي أفضت إلى احتلال الجولان وسهلت هزيمة الجيوش العربيَّة في 5 يونيو؟ هل حكم بلاد العرب فئة من مدَّعيّ الإسلام بعد سقوط الخلافة لتسهيل مصالح الاستعمار؟ وإذا وضعنا في الاعتبار أنَّ من عقائد اليهود أنَّ اليوم عند الرَّب كألف سنة، وإن كان في القرآن ما يتوافق مع ذلك﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾[سورة الحجّ: الآية 47]، فهل لتسمية حرب 5 يونيو 1967م، التي وقعت في الرَّبع الأخير من الألفيَّة اليهوديَّة السَّادسة، بحرب الأيَّام السّتَّة علاقة بالاعتقاد اليهودي بأنَّ المخلّص يظهر في اليوم السَّابع، أي مع بداية الألفيَّة اليهوديَّة السَّابعة؟
5.تشهد الوثائق التَّاريخيَّة بتعاون الشَّريف الحسين بن عليّ والملك عبد العزيز آل سعود مع المخابرات البريطانيَّة في إسقاط دولة الخلافة العثمانيَّة، الذي ترتب عليه تقسيم ولاياتها العربيَّة بين الاستعمارين، البريطاني والفرنسي، وسهَّل ذلك إضاعة الأرض المقدَّسة من خلال إتاحة الهجرة اليهوديَّة إليها. واليوم، يؤكّد الإعلامي عبد الحميد الغبين، ساقط الجنسيَّة السَّعوديَّة، على ضرورة التَّخلّي عن قضيَّة فلسطين بالكامل والتَّحالف مع إسرائيل لمواجهة المشروعين، الإيراني والتُّركي، في منطقة الشَّرق الأوسط، ملفتًا إلى أنَّ التَّعاون مع إسرائيل يكفل الانتعاش الاقتصادي والنُّهوض بأحوال المنطقة. والسُّؤال: هل ما سبق ينطبق عليه قول نبيّنا مُحمَّد (ﷺ) عن فتنة السَّراء، في حديث رواه أبو داود وأحمد، وصحَّحه الحاكم وأقرَّه الذهبي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) “كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (ﷺ) فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ قَالَ هِيَ هَرَبٌ وَحَرْبٌ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ،ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً فَإِذَا قِيلَ انْقَضَتْ تَمَادَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ مِنْ غَدِهِ“؟
(المصدر: رسالة بوست)