مقالاتمقالات مختارة

«نخبة مصر» في العصر الإسلامي

«نخبة مصر» في العصر الإسلامي

بقلم السيد أبو داود

ـ منذ أن تم فتح مصر على يد عمرو بن العاص، كان من الطبيعي أن تتغير تركيبة المجتمع المصري اجتماعيًا، فالاحتلال الروماني كان يذيق المصريين سوء العذاب (رغم اشتراكه في الديانة المسيحية معهم).. وكان أسقف القبط هاربًا في الجبال.. والأقباط يؤرخون لعصر الشهداء، وهم الذين قتلهم الرومان لدفاعهم عن عقيدتهم.. ومن المنطقي أن يقرب الرومان المنافقين من القبط وأن يوجدوا طبقة من خدام المستعمر ليجعلوهم نخبة المجتمع، سواء كانوا من رجال الدين المنافقين المنتفعين، أو من الضباط ورجال الجيش الذين يدافعون عن المستعمر ومشروعه، أو من كبار الموظفين العاملين في الدواوين، أو من كبار التجار.. الخ.

ـ تغيرت هذه التركيبة الاجتماعية مع مجيء الفتح الإسلامي، فأصبح العلماء والدعاة المسلمون هم أهم تكوينات النخبة الجديدة، كما استوطن مصر مجموعة من الفاتحين وفيهم بعض الصحابة.. فأصبحوا هم وذرياتهم من نخبة المجتمع، بل إن الأمر تطور فيما بعد ليصبح الأشراف من أرقى طبقات المجتمع المصري. كما أطلق المسلمون العنان لكل طاقة وإبداع.. فظهرت طبقة جديدة من المجاهدين وقادة الجيش والأبطال والفاتحين أصبحوا نخبة جديدة. كما تكونت نخبة من رجال المال الخيرين المنفقين في سبيل الله والذين يبنون المساجد والمدارس والمستشفيات والأسبلة والتكايا. وتكونت نخبة من التجار بمعايير أخلاقية جديدة. وبدأ المجتمع يتغير فأصبح لكل مهنة وصنعة نقابة ونقيب وأصبح كبار النقابيين والصناع جزءً من النخبة الجديدة. بالإضافة إلى طبقة الأثرياء والميسورين التي تكونت على أسس المجتمع الإسلامي، وتأسست أسر وعائلات عريقة توارثت المجد والشهرة حتى مجيء الاستعمار البريطاني وربما بعد ذلك.

ـ ولابد أن نقف عند واقعة رفض العز بن عبد السلام فرض ضرائب جديدة على الجيش المسافر لقتال التتار (وهي مهمة إسلامية ووطنية عظيمة) وبرر رفضه بأن على المماليك أن يخرجوا ما لديهم من حلي ومجوهرات، فإذا لم يف ذلك بالغرض، بيع المماليك أنفسهم من أجل تجهيز الجيش … وهو ما حدث. هذه الواقعة تكشف عن النخبة الحقيقية في مصر في ذلك الوقت .. فرغم ما للمماليك من قوة عظيمة في المجتمع ورغم ما يملكونه من ثروة، فإن تأثير العلماء كان أقوى. كما كان الأمراء يحترمون العلماء ويهابونهم، وكذلك كان العلماء متجردين لا يريدون الدنيا ولا يبحثون عنها ولا يذلون أنفسهم ولا يبيعون دينهم من أجلها، وكانت النخبة صالحة وبوصلتها منضبطة، فالعز بن عبد السلام خرج بحماره وكتبه وما يملك من متاع الدنيا، قاصدًا الشام، ومهددًا، فرآه الناس فمنعوه، ثم ضغطوا على أهل الحكم حتى نفذوا فتواه.

ـ وهكذا كانت النخبة التي تكونت في المجتمع المصري على امتداد عصور الدول الإسلامية، نخبة طبيعية ومنطقية .. أفرزها الواقع على الأرض .. ولم تكن نخبة مزيفة ومصنعة في المعمل مثل النخبة التى رأيناها بعد عام ١٩٥٢م وحتى الآن.

ـ ومعنى أن تكون النخبة طبيعية، أن مواقفها تكون صحيحة أو أقرب إلى الصحة، وبالتالي تكون في صالح قضايا الوطن وفي صالح المصريين، وهنا لا مجال للنخبة الأنانية الفاسدة، لأن المجتمع بعافية وقادته يعبرون عن دولة قوية وليسوا في حاجة لبطانة منافقة باعت ضمائرها.

ـ وكان طبيعيًا أن تكون طبقة النخبة في المجتمع المصري المسلم، وعاءً للعلم، والأخلاق النبيلة، والبذل والعطاء والسخاء، والدفاع عن ثوابت المجتمع المسلم.. لا أن تكون كما نرى اليوم.. نخبة متحللة من الأخلاق والدين والقيم، تخاصم قيم وثوابت المجتمع، وتؤيد أهداف أعداء المجتمع الإستراتيجية.

ـ ولما جاء المحتل البريطاني، وجد تركيبة المجتمع المصري بهذا التماسك، ووجد حال النخبة كأفضل ما يكون، فاستشعر الخطر، وبدأ اللعب والهدم وإعادة البناء والتركيب في النخبة..

فماذا فعل اللورد كرومر بالنخبة المصرية؟

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى