مقالاتمقالات مختارة

نحن وصلاحية الدين

نحن وصلاحية الدين

بقلم د. سعد الكبيسي

إن من أكبر مشكلات الفهم لدين الله تحت ذريعة فقه المرحلة وواجب الوقت وحب الناس للدنيا وكثرة المعاصي هو افتقاد التوازن في هذا الأمر تحت وطأة الواقع المؤلم ورد الفعل الديني غير المدروس.

ويتمثل هذا الإشكال في الاقتصار في التوجيه نحو معاني الصبر والتضحية والجهاد والبذل والتعبد والإقبال على الآخرة وما أعد الله فيها لعباده، وكثرة الوعظ والإرشاد لتطبيق ذلك عبر الأنشطة العلمية والعملية مما يوحي بطريقة غير مباشرة ويرسل رسائل سلبية غير مقصودة أن هذا الدين لا يحقق سعادة الدنيا وليس عنده برامج وخطط لاستيعابها وتطويرها وفق ما أنزل الله فتؤدي إلى ترسيخ علمانية غير منظورة في أعماق المتلقين من الجمهور فيحدث العزوف عن منهج الله تحت ضغط متطلبات الحياة وعنتها لكون هذا المنهج قد لا يفي بنوازلها وطوارئها كما فهمت واوحي اليها بذلك.

إننا هنا لا نتحدث عن هذا الفرد او ذاك بل عن صورة المسلمين ككل ولا نزهد في الترغيب في الاخرة وبيان حقيقة الدنيا وشهواتها بل نتحدث عن فهم منقوص للدين عن الدنيا وما يمكن ان يقدمه في قيادتها نحو سعادة الانسان عبر بيان اثر الدين في تنظيم الدنيا والرقي بها

مصداق ذلك:

_ أنك تجد معظم ما يقال عن الفقر يتحدث عن الصبر على الفقر وقسوته لكنك تجد أقله يتحدث عن برامج الاسلام وخطواته وآلياته في اخراج المسلم من الفقر وتحقيق الغنى والكفاية له!!!!

_ وقد تجد معظم ما يقال عن السيرة يتحدث عن الغزوات دون بقية جوانب السيرة في العقيدة والاخلاق والمجتمع والمال والسياسة والقضاء والمنازعات والتربية والأسرة في حين لو جمعنا ايام الغزوات والسرايا النبوية لاستطعنا عدها ببساطة حيث هي الاقل من ايام السيرة النبوية!!!!

_ وقد نجد ان معظم ما يقال عن الزنا يتحدث عن الزنا وحرمته وبشاعته ونجد أقله فقط يتحدث عن أسباب الزنا ولماذا يحدث؟ وعن غلاء المهور وتعنت الأولياء وما هو الواجب على الدولة ان توفره لتسهيل الزواج من فرص العمل والتوعية فمنكر تقصير الدولة والمجتمع في هذا الباب مثل منكر وقوع الزنا من الزناة سواء بسواء بل ربما كان الاول منكرا جماعيا وكان الثاني منكرا فرديا!!!!!

…ربنا آتنا في الدنيا حسنة

وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

آية فيها جامع من جوامع الدعاء فالحسنتان من مطالب الدين والانسان

خلق الله الانسان مهيأ لنعيم الدنيا والاخرة وليعيشهما معا فلا تحرموه من احدهما

اول خطاب من الله تعالى للملائكة عن اول انسان ومهمته في الارض:

…اني جاعل في الارض خليفة….

…هو الذي انشأكم من الأرض واستعمركم فيها…

فهم دلالات نصوص الدين عن الدنيا كفهم دلالاتها عن الاخرة سواء بسواء والا كنا قوما حالمين نبغض الناس في دين الله فلكليهما موقعه في خريطة حياة الانسان وسيره نحو مستقره الأخير

إن طلب الرفعة في الاخرة دون طلب الرفعة في الدنيا وعمارتها خطأ فادح في الفهم والتصور للنص الشرعي وانظروا للتاريخ فان علو المسلمين الديني والعلمي كان مقترنا دائما مع علوهم في الدنيا من حيث امتلاك اسباب الدنيا من القوة والعلم والمال والرفاه

ولم يحدث في التاريخ علو قدر لدولة المسلمين وخلافتهم وهي في ادنى دركات الفقر والجهل والمرض وامتلاك اسباب الرفعة في الحياة

قد لا تكون مشكلة الذين يحبون الدنيا في حبهم هذا فقط بل في اعتقداهم ان هذه الدنيا لا يمكن ان يوجه الدين دفتها ولا تكون هي معبرا للاخرة

ان الايغال والغلو في الوعظ لصالح الاخرة والتوجيه اليها دون ابراز توجيه الدين نحو قيادة الحياة والدنيا لا يعبر عن تدين حقيقي بل هو تدين منقوص وتبعيض للدين ونوع من الهروب الفردي والجماعي من مسؤوليات الدنيا وعمارتها وامتلاك ادواتها

إن من افضل العوامل لتقريب الناس وحبهم للاخرة ليس في تزهيدهم بالدنيا فقط بل في يقينهم ان هذا الدين يريد صلاح دنياهم مهما امتلكوها قبل صلاح آخرتهم من خلال توعيتهم بما اتاحه وشرعه الدين من آليات وخطوات.

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى