مقالاتمقالات المنتدى

موقف سحرة فرعون من معجزة موسى (عليه السلام)… صورة فريدة في تاريخ البشرية

موقف سحرة فرعون من معجزة موسى (عليه السلام)… صورة فريدة في تاريخ البشرية

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

من المواقف الحاسمة في تاريخ البشرية هذا الذي كان بين فرعون وملئه، والمؤمنين من السحرة السابقين، ذاك الموقف الذي وقف الذين آمنوا من السحرة بعدما رأوا آيات الله التي أجراها الله على يد موسى عليه السلام، وصبروا أمام تهديدات فرعون من تهديدهم بالقتل والصلب إنه موقف حاسم في تاريخ البشرية بانتصار العقيدة على الحياة، وانتصار العزيمة على الألم وانتصار “الإنسان” على “الشيطان”، إنه ميلاد حاسم في تاريخ البشرية، بإعلان ميلاد الحرية الحقيقية، فما الحرية إلا الاستعلاء بالعقيدة على جبروت المتجبرين وطغيان الطغاة، فالاستهانة بالقوة المادية التي تملك أن تتسلط على الأجسام والرقاب، وتعجز عن استذلال القلوب والأرواح.

قال الله تعالى عن السحرة بعد ما رأوا الآيات المبهرة التي – وهي العصا- التي بها تحولوا من عتاة سحرة إلى مقربين بررة: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) } [طه: 70 – 76].

إنه موقف حاسم في تاريخ البشرية بإعلان إفلاس المادية، فهذه القلة التي كانت منذ لحظة تسأل فرعون الأجر على الفوز، وتُمنّى بالقرب من السلطان، فهي ذاتها التي تستعلي على فرعون وتستهين بالتهديد والسلطان، وتقبل صابرة محتسبة على التنكيل والتصليب والقتل، وما تغيّر في حياتها شيء ولا تغير من حولها شيء -في عالم المادة- وإنما وقعت اللمسة الخفية التي تُسلك الكوكب المفرد في الدورة الكبرى، وتجمع الذرة التائهة إلى المحور الثابت، وتصل الفرد الفاني بقوة الأزل والأبد.

وقعت اللمسة التي تحول البوصلة، فيلتقط القلب إيقاعات القدرة، ويتسمّع الضمير أصداء الهداية وتتلقى البصيرة إشراقات النور، وقعت اللمسة التي لا تنتظر أي تغيير في الواقع المادي، ولكنها هي تغير الواقع المادي وترفع “الإنسان” في عالم الواقع إلى الآفاق التي لم يكن يطمح إليها الخيال، ويذهب التهديد ويتلاشى الوعيد، ويمضي الإيمان في طريقه لا يلتفت ولا يتردد ولا يحيد. (القصص القرآني، ٢/٤٧٨).

انتهى التحدي بإيمان السحرة واختيارهم لما عند الله واستعلائهم على ما وجهه لهم فرعون من تهديد ووعيد وثباتهم على الحق الذي اختاروه، وصَبّرهم على التعذيب الذي صبّه عليهم فرعون، فها هم أولاء الذين جنَّدهم فرعون ليشهدوا له فانقلبوا وشهدوا ضده، وهذا من مكر الله وقدره وتدبيره بفرعون، فبعض من حوله ليسوا معه إنما هم مع الله، ولا يتحدث القرآن عما فعله فرعون بهم بعد التهديد، ولا يبيّن كيف قطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ولا كيف صلبهم في جذوع النخل ولا كيف قتلهم.

هذه مبهمات في العرض القرآني لقصة السحرة المؤمنين، وما جرى لهم بعد إعلانهم الإيمان، وحوارهم السابق مع فرعون “فجوة فنية” مقصودة في العرض القرآني.

ونهاية السحرة المؤمنين مفهومة، فهم قد أعلنوا إيمانهم صراحة، وخالفوا فرعون علانية وفرعون هو الظالم المتجبر المستبد المتألّه، الذي لا يسمح لأحد أن يقف أمامه ولا أن يقول له: لا، وبما أن السحرة وقفوا من فرعون هذا الموقف، فإن الأرجح أن فرعون قد نفّذ فيهم تهديده ووعيده فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلّبهم في جذوع النخل، وقتل الجماعة في سبيل الله ولقوا وجه الله شهداء بررة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أصبحوا سحرة، وأمسوا شهداء بررة. (القصص القرآني، ٢/٤٧٩).

وهكذا انتصر الإيمان في التحدي الكبير بين فرعون وموسى عليه السلام، وانتصر السحرة عندما لقوا وجه الله شهداء ثابتين على الحق. (القصص القرآني، (٢/٤٧٩).

 

ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: ” موسى – u– كليم الله”، للدكتور علي محمد الصلابي، واعتمد في كثير من معلوماته على كتاب: “القصص القرآني”، للدكتور صلاح الخالدي.

المراجع:

  • القصص القرآني؛ عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي، دمشق، دار القلم، ط4، 2016م.
  • موسى (عليه السلام) كليم الله عدو المستكبرين وقائد المستضعفين، د. علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 2022م.

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى