مقالاتمقالات مختارة

موت العلماء.. وذهاب العلم

موت العلماء.. وذهاب العلم

بقلم محمد إلهامي

كان خبرُ وفاةِ عالِمٍ يصيبني بالحزن والكآبة.. في هذه السنوات الأخيرة صار يصيبني بالرعب والفزع، حتى صِرْتُ أكره أن أسمع خبر وفاة أحدهم، وأنفر منه، وصرتُ لا أقوى حتى على كتابة عزاء في أحدهم.

ذهاب العلم بذهاب أهله، مع انتشار الجهل وتفشيه، ينبئ بمستقبل رعيب!!

الأجيال الجديدة لم تحظى بشئ مما حظي به جيلنا، مع أن الذي حظينا به هو قليل ضئيل أيضا، ولكننا كنا نملك في نهاية المطاف أن نذهب للشيوخ ونسمع منهم، وكان لدينا الوقت لنمسك بالكتب ونقرأ فيها، أو لنجلس بجوار المذياع وآلة التسجيل (الكاسيت) لنسمع منها.

أما الآن فهذا البحر المنهمر من وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات والألعاب الإلكترونية، هو ما يصنع ثقافة الجيل، بل أشد من ذلك أنه يحاصرهم.

نحن كنا نحب أن نلعب الكرة أو نتسلق الأشجار أو نعوم في النهر.. ولكن الجميع كان يأوي إلى سكونه وفراشه حين يجنّ الليل.. أما ألعاب العصر الآن وتطبيقاته فعليها ينام المرء وعليها يصحو!

كان المنشغل فينا بأمره يجد الوقت ليقرأ القرآن في وسائل المواصلات أو فترات الانتظار عند الطبيب أو حتى في طابور انتظار الخبز.. الآن لم يعد هناك وقت فراغ لا تستطيع وسائل التواصل والألعاب أن تشغله وتملؤه وتكون هي الكفيلة بتحويله من وقت سأم وملل إلى وقت متعة!

لذة اللعب في وقت الفراغ، تحولت إلى إدمان يبحث عن علاج!

وفي نفس الوقت فإن الفراغ الذي امتلأ بالألعاب أنشأ في المقابل فراغا عقليا شنيعا.. حيث تجد الشاب في هذه الأيام جاهلا بأبسط مبادئ دينه، بل جاهلا بأبسط مبادئ العقل والمنطق.. حتى صار الحوار نوعا من المعاناة لاحتياجه إلى تثبيت مبادئ الفهم.

ورويدا رويدا بدا أن أمثالي يتحولون إلى من يقصدهم الناس للسؤال والاستفسار.. والله إن هذا وحده لكفيل بالرعب والفزع!!.. إن أحسن ما يُقال في مثلي أنه بدأ طريق علم ثم انصرف عنه ولم يكمله دون أن يُحَصِّل شيئا، ومثل هذا لا يصلح ليكون شيئا.

وبينما الحال على هذا الحال، إذا بوفاة العلماء تخبرك بأن الظهر ينكشف، إذ تنهدم حصون العلم وتندكّ قلاع الفهم، ويتناقص الذين كنتَ تحيل إليهم مَنْ يسأل ويستفسر!!

وما بالك بساحة تزيد فيها جيوش الجهل كل يوم، وتنهار فيها حصون العلم، ثم لا يبقى فيها إلا الأعور والأعرج والمفلوج ومن لا يحسن أن يقوم بالأمر!!

فلا حول ولا قوة إلا بالله.. لا حول ولا قوة إلا بالله!!

تعلموا يا شباب، تعلموا.. استفيدوا من دروس الانترنت وأبحروا في أروقته والتهموا البرامج التعليمية والدعوية التهاما.. وأسِّسوا أنفسكم.. وجاهدوا أن تأخذوا من هذا البحر المنهمر خيره.. فإن الأيام القادمة ستحتاج من يعرف كل معلومة وكل مسألة.

تعلموا وجاهدوا في واقعكم.. جاهدوا لتصنعوا واقعا جديدا غير هذا الواقع الذي يُمَكِّن للجهل ويحارب العلم، جاهدوا لتهدموا هذه الأنظمة التي ترفع الراقصين والزناة وتسجن وتكبت الداعاة والعلماء.. فذلك هو التغيير الأهم والأكبر الذي تنجو به الأمة من هذا التهديد المُنبئ عن المصير الفظيع!

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى