مقالاتمقالات مختارة

منّهجية اضطهاد أهل السنة في إيران (الأحواز أنموذجاً)

منّهجية اضطهاد أهل السنة في إيران (الأحواز أنموذجاً)

بقلم عدنان هاشم

في القرن الخامس عشر الميلادي تحرك 40 ألف مقاتل في بلاد فارس يجوبون القرى والمدن القريبة، يصنعون ناراً هائلة في كل قرية يصلون إليها، ويتم تخيير سكان بين الإيمان بـ “12 إماماً” والدخول في المذهب (الاثنا عشرية) الذي لم يكن معروفاً وقتها في معظم بلاد فارس، أو يتم إلقاؤهم في تلك النار بمن فيهم من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، فيدخل في المذهب الجديد قرابة 600 شخص من أصل 1000، بينما يفر الباقون من تلك القرية.

من كتاب “إيران وعلاقاتها الخارجية في الدولة الصفوية” (1501 – 1722م) الذي ألفه “نصر الله فلسفي” أحد أهم الكُتاب الذين كتبوا عن العصر الصفوي، ونقله إلى العربية الدكتور محمد الريس 1989م.

ارتكب إسماعيل الصفوي مجازر وحشية بحق المسلمين في تلك البلاد، وكان أبرزها في حق أصحاب المذهب “السني”، وعندما وصل آية الله الخميني إلى السلطة تحدث كثيراً عن تأسيس الدولة المشابهة للدولة الأم (الصفوية)، وعلى هذه الأسس تم وضع الدستور الإيراني الذي ينص في المادة (12) على أن: “الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري (الاثنا عشرية)، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير”.

ويعتبر هذا العنصر في النظام الحاكم الإيراني أحد أبرز العناصر في سياسته الداخلية إلى جانب الشعور القومي (الآرية الفارسية) الذي يُقارب الشوفينية. ويقول القوميون الإيرانيون: إن الفاتحين العرب استخدموا القوة لإجبار الإيرانيين على الدخول في الإسلام! بل يرى المثقفون القوميون حتى الإصلاحيين منهم أن الفتح الإسلامي إنما هو غزو المتوحشين ضد الزرادشتيين (المجوس) المثقفين، وفي هذا خلط كبير في التاريخ لدى هؤلاء، فالفُرس دخلوا المذهب الشيعي بالقوة، كما فعله إسماعيل الصفوي، والفتوحات الإسلامية – كما يقول متدينون إيرانيون – جاءت بسبب شعور الفُرس بالظلم من قبل الحاكم في عهد الصحابي عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وشكلت الحالة “السنية” في الوعي الفارسي مرادفاً للـ “العربية” منذ بداية الدولة الصفوية، وتمَّ إجبار المجتمع على التحول إلى “التشيع” كآلية مناهضة للثقافة العربية، تزامنت مع حالات الاختراق للدول العربية؛ سواء الاختراقات السياسية، أو (الصناعات) المذهبية اللاحقة.

فما يحدث لدعاة أهل السنة داخل إيران يندرج ضمن تلك السياسة القديمة – الجديدة لإيران، وتتعاظم الكروب بحق أهل السُنة في الأحواز لأنهم “عرب” و “سُنة”، ولذلك يجري تنفيذ أحكام إعدام بالجملة تجاه الناشطين من الدعاة، وتغلق المساجد وتدمر؛ ففي أغسطس 2010م تم إغلاق آخر مسجد في الأحواز للـ “السنة” وهو مسجد “الإمام الشافعي” الواقع في “قصبة النصار” بالقرب من مدينة “عبادان”.

وبحسب الإحصاءات الرسمية الإيرانية فإن “الطائفة السنية” من أكبر الأقليات في إيران؛ إذ إنها تُشكِّل نسبة 10% من مكونات الشعب الإيراني، ومما يجعل الأقلية السنية أكثر تفاوتاً من غيرها، التنوع القومي التي تتميز به؛ حيث إنها تتكون من قوميات أخرى، هي البلوشية والتركمانية؛ وهما من الأقليات الكبيرة نسبياً. ومن المؤسف أن المناطق التي يسكنها أهل السنة في إيران تعتبر من أشد المناطق فقراً وتردياً مقارنة بالمناطق الأخرى. كما أن نسبة البطالة في هذه المناطق مقارنة أيضاً بالمناطق الأخرى تعتبر الأعلى، ومعدل التنمية الاقتصادية هو الأدنى بالنسبة لبقية المناطق الإيرانية. يضاف إلى ذلك أن سياسة الدولة الإيرانية في تلك المناطق هي الأكثر تشدداً؛ وهو ما يدفع تلك الأقليات إلى تشكيل مقاومات تدافع من خلالها عن هويتها وتطالب معظمها بالتحرير. بينما يقول علماء سُنة إنها تصل إلى 20%. ويمثل العرب 3% من السكان بحسب الإحصاءات الرسمية، لكن الباحث يوسف عزيزي يؤكد أن العرب يشكلون أكثر من 7.7% من سكان إيران. منهم 3.5 مليون في “الأحواز” وغالبيتهم من الشيعة، و 1.5 مليون عرب في سواحل الخليج العربي وهم من السنة، ونصف مليون متفرقون في أماكن مختلفة من إيران.

وبالرغم إن الأحواز العربية تنقسم بين المذهبين السُني والشيعي، إلا أن لديهم روحَ اعتزاز كبير بهويتهم القومية “العربية” وهو ما يثير سخط الإيرانيين تجاههم، وهو ما أدى إلى تشكيل جبهة موحدة من الجميع من أجل تحرير هذه البلد التي تمثل ظهر الخليج العربي، ويعتمد عليها الاقتصاد الإيراني بنسبة 85%.

الإعدامات والاعتقالات:

ويعاني أهل السُنة في إيران من اضطهاد ممنهج من قبل السلطات الإيرانية، فعلاوة على انعدام التنمية فيها، مقارنة بالمحافظات الأخرى التي ينتمي أبناؤها إلى “الزرادشتية”، فإنهم يتعرضون لحملات تنكيل مخيفة! قالت منظمة العفو الدولية في تقرير صدر في نوفمبر 2015م: إن هناك 2900 حالة إعدام في إيران، أغلبها بدواعٍ سياسية.

ولعل أبرزها الاغتيالات خلال العام الحالي، فقد اغتيل أحد مشايخ أهل السنة “محمد صالح علي مرادي” في مدينة “ثلاث باباجاني” الواقعة في محافظة باختران (كرمان شاه) الكردية يوم 27/ 2/ 2015م على يد مسلحين مجهولين. كما قامت الدولة الفارسية، بتنفيذ جريمة الإعدام بحق 6 نشطاء إسلاميين كُرد فجر يوم 4/ 3/ 2015م، بتهمة “محاربة الله ورسوله”. وهناك 28 من النشطاء الإسلاميين الكُرد يقبعون في سجن رجائي شهر، حكم عليهم جميعاً بالإعدام، وينتظرون تنفيذ الحكم.

ولا يمر يوم في الأحواز دون أنباء عن اعتقالات، معظمهم من أبناء السُنة، ففي 10 أكتوبر الماضي اعتقلت أحوازيَين من أبناء أهل السنة والجماعة وهما: حسين علي السيلاوي البالغ من العمر 24 عاماً، وخير الله المنصوري (أبو عبدالله) البالغ من العمر 25 عاماً ثم نقلتهما إلى مكان مجهول.

وما يزال “الاعتقاد بعقيدة أهل السنة والجماعة” أخطر تهمة ممكن أن يواجهها الإنسان في الأحواز المحتلة، حيث يتم سنويا اعتقال المئات بسببها، منهم من يسجن ويعذّب ومنهم من يحكم عليه بالموت ويعدم عبر المشانق.

وبالرغم من كل هذه الحملات إلا إن تيري كوفيل في كتاب “إيران الثورة الخفية”، يشير إن مذهب أهل السنة ينتشر بشكل واسع جداً في الأحواز المحتلة، ففضلاً عن انتشاره بالسواحل الخليجية الأحوازية ذات الغالبية السُنية، فإن هنالك أعداداً أخرى ضخمة في مدينة كوت عبد الله جنوبي الأحواز العاصمة، وفي أحياء كثيرة شرقي مدينة الأحواز، هذا بالإضافة إلى وجود أعداد معتبَرة في مدن الفلاحية، وعبادان، والمحمرة.

ويؤكد ذلك مصادر شيعية إذ ادَّعى ناصر رفيعي عضو الهيئة العلمية لجامعة المصطفى العالمية في مؤتمر مذهبي، يؤكد انخفاض عدد الشيعة ونموَّ أعداد السّنُة في البلاد، وقال: “إنّ مراجع التقليد قلقون بالنسبة إلى انخفاض عدد الشيعة”، بينما طالب آية الله مكارم الشيرازي – وهو من المراجع – بتكوين فريق عامل لمواجهة تزايد عدد أهل السنة في إيران.

وقد دأب السنة في الأحواز على الخروج في مظاهرات حاشدة في أول أيام عيدي الأضحى والفطر من كل عام، وذلك لإقامة صلاة العيد في العراء رغم حملات الإرهاب الإيرانية التي تستبق العيد بعشرة أيام من كل عام وتستمر حتى عقب انتهاء مدته الزمنية. لذلك يجري منع الأحوازيين من إقامة صلاتي عيدي الأضحى والفطر من كل عام.

أشكال الاضطهاد الديني بحق أهل السُنة:

وعموماً، يمكن ملاحظة أهم أشكال الاضطهاد الديني منذ الثورة الخمينية تحديداً، في النقاط التالية:

• منع أئمة جوامع أهل السنة من حرية بيان عقائدهم على المنابر يوم الجمعة.

• تنفيذ الإعدامات بتهمة الوهابية، وهم كل من يدعو إلى مذهب أهل السنة.

• جرح عقائد أهل السنة والنيل من الصحابة عموماً في الدوائر الحكومية وأمام أهل السنة.

• عدم السماح لأهل السنة ببناء المساجد والمدارس في المناطق ذات الأكثرية السنية.

• تسخير جميع وسائل الإعلام لنشر العقيدة الشيعية في الأوساط السنية.

• تنشئة الأطفال وأبناء أهل السنة على أفكار وعقائد الشيعة وترغيبهم بها، عن طريق المدارس من الابتدائية إلى العالية.

ويمكن الإشارة إلى أشكال الاضطهاد الاجتماعية بحق أهل السنة:

• حرمان أهل السنة من شؤونهم الثقافية والاجتماعية والأخلاقية.

• التضييق في المجالات الاقتصادية، عبر منع إنشاء المشاريع الاستثمارية، أو مصادرة الأملاك بحجج أمنية، أو إتلاف المنتجات ومنع نقلها من منطقة إلى أخرى.

• غياب التنمية بشكل كامل عن المناطق ذات الأكثرية السنية.

• منع التعلم والتعليم باللغات القومية للسنة.

• فرض مناهج تعليمية شيعية وأساتذة شيعة، والفقه الشيعي على السنة.

• نشر المخدرات في المناطق السنية والعرقية خارج المركز الفارسي، كأداة لتفكيك لحمة المجتمعات المحلية.

• فرض حظر على تسميات مواليد السنة، بأسماء ترمز إلى بعد عربي خالص، أو بعد سني بالتحديد.

• التمييز في المعاملة في المستشفيات والمدارس ضد السنة.

• منع نشر المطبوعات المدرسية والفكرية الخاصة بالسنة.

ويخشى النظام الإيراني من أن تنظم المقاومة “السنية” صفوفها، وتحصل على تأييد خارجي، لمواجهة القومية “الفارسية” التي تمثل (51% فقط)، وهو ما يسبب كارثة بحق النظام قد تؤدي إلى إسقاطه، بأسهل الطرق الممكنة، ويبدو أن هذا الطريق قائم بالفعل ولعل الانتفاضات الأخيرة في الأحواز والبلوش تمثل طريقاً سريعاً لمواجهة النظام الإيراني بأسهل الطرق.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى