مقالاتمقالات مختارة

منهجية البحث في مسائل الفقه

منهجية البحث في مسائل الفقه

بقلم د. أحمد عبد المجيد مكي

هناك جملة من المفاهيم والأمور المهمة التي لا بد لطالب العلم في مجال الدراسات الفقهية من الإلمام بها والتنبه لها قبل أن يخوض غمار الدراسة المقارنة والترجيح بين الأقوال ، وفيما يلي أهمها:

أولاً: تعريف البحث والمنهج:

– كلمة البحث في اللغة تعني الاستقصاء، وفي الاصطلاح: بذْلُ الجهد في موضوع ما، وجمع المسائل التي تتصل به.

– أما كلمة مَنْهَج ومِنْهاج في اللغة فتعني: طريق واضح، وهي أيضًا وسيلة محدّدة توصِّل إلى غاية معيَّنة، ومَنْهَجيَّة: مصدر صناعيّ من مَنْهَج: نظامُ طُرُقِ البحث.

والمنهج بشكل عام هو منطق كلي يحكم العمل العلمي ويوجهه منذ أن يكون فكرة حتى يصير بناءً قائمًا، اعتمادًا على أصول وقواعد تشكل في مجملها نسقًا متكاملاً هو المسمى بأصول البحث العلمي.

ولا شك أن هناك منهجية علمية شاملة تنتظم جميع العلوم، ولكن طريقة تطبيق هذه المنهجية وإجراءاتها تختلف من علم لآخر،

والمنهج له ركنان أساسان: الأول: مصادر البحث، الثاني: طرق البحث.

ويتوجب على الباحث وطالب العلم أن يكون على دراية تامة بمنهج البحث الفقهي، فهو علم يعنى ببيان خصائص البحث ومقاصده ومحاذيره، ويُعَرِّف بالمصادر الفقهية الأصيلة ككتب المذاهب الفقهية الأربعة، والمصطلحات الخاصة بكل مذهب، ينظر في ذلك على سبيل المثال لا الحصر:

“البحث الفقهي: طبيعته، خصائصه،…” إسماعيل سالم، “منهج البحث في التراث الفقهي: دراسة في كيفية توثيق الآراء الفقهية”، الناجي لمين، “كتابة البحث العلمي ومصادر الدراسات الإسلامية”، عبدالوهاب أبو سليمان، “البحث الفقهي ومصادره”، قحطان الدوري، “البحث العلمي: حقيقته ومصادره” (مجلدان)، عبدالعزيز الربيعة، “لمحات في المكتبة والبحث والمصادر” محمـد عجاج الخطيب

ثانيًا: الطريقة الصحيحة لبحث المسائل الفقهية:

لكي تُبْحث المسائل الفقهية بحثًا جادًا ومفيدًا لا بد من سلوك الخطوات التالية:

1- أن تكون المسألة مما ينبني عليها عمل، وليست من المسائل القديمة التي لا وجود لها في الواقع المعاش، أو من المسائل النظرية التي لا يترتب عليها كبير فائدة أو عمل.

2- تصوير المسألة تصويرًا دقيقًا وتحديد جوانبها، بعبارات واضحة بعد بيان مفرداتها، والتقصير أو القصور في ذلك يقود في كثير من الأحيان إلى نتائج غير صحيحة.

3- تحديد أو تحرير محلِّ النزاع، أي تعيين نقطة الخلاف على وجه الدقة، وقد يتطلب الأمر أحيانًا ذكر نقاط الاتِّفاق حتى تخرج عن نطاق النقاش والبحث.

4- التركيز على موضوع البحث وتجنب الاستطراد، وعدم الإغراق في ذكر الحدود والتعريفات، فهذا مما يعين الباحث على التركيز، وفي نفس الوقت يريح القارئ ويساعده على استيعاب المسألة وأدلتها وفهمها بسهولة ويسر.

5- الوقوف على مَنشأ الخلاف وطبيعته، وهل هو خلاف حقيقي يترتب عليه أثر في الحكم، أم أنه خلاف لفظي يعود إلى الاصطلاحات والتسميات، ولا يترتب عليه ثمرة؟

6- جمع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالمسألة محل البحث، وتَتَبُّع مادتها في مظانها واستقراء مواضعها استقراءً تامًا، سواء في ذلك كتب التفسير أو الحديث أو الفقه أو اللغة.

7- ذكر أدلة كل فريق، مع التأكد التام من صحة نسبة الرأي والاستدلال إلى صاحبه وتوثيق الأقوال من كتب أهل المذهب نفسه، وليس من كتب المخالفين.

8- ترتيب الاستدلال؛ فيبدأ بالقرآن ثم السُّنَّة ثم الإجماع ثم المعقول أو القياس.

9- تحليل الأدلة ومناقشتها سواء مِن حيث الصحة والضعف إن كان الدليل حديثًا نبويًا، على أن يكون استناده في التصحيح والتضعيف إما باجتهاد من نفسه إن كان له القدرة على ذلك أو اتباع لأهل العلم في هذا الشأن.

أو من حيث الدلالة ووجهها، بناءً على أساس موضوعي ومنهج علمي نقدي يستمد مقاييسه من القواعد الأصولية المتفق عليها. مع التزام الأدب وعفة القلم واختيار العبارات الواضحة والأسلوب السهل.

10- الترجيح: مع ذكر أسبابه؛ فإن عجز عن الترجيح فليتوقف.

وأود الإشارة إلى أن منهج الفقه المقارن هو الطريقة المثلى لدراسة الفقه، وإعداد البحوث والرسائل العلمية، ومن المهم جدًا أن يدمن طالب العلم النظر والاطلاع على بحوث المحققين من أهل العلم والفقه حتى تتأصل عنده طرق البحث وتتكون عنده الملكة بكثرة الممارسة، وهناك كتب معاصرة كثيرة تسير على هذه المنهجية.

ثالثًا: مصادر البحث في مسائل الفِقْه:

لا يتسع المقام لسرد هذه المصادر وما يقدم منها وما يؤخر، فقد كُتِبَت في ذلك مؤلفات خاصة، سبقت الإشارة لبعضها قبل قليل، وأكتفي هنا بما يلي:

أ- كُتُب تفسير آيات الأحكام، أو كتب التفسير التي اهتمت بهذا الجانب كتفسير القرطبي وابن كثير، والتحرير والتنوير للطاهر بن عاشور، وأضواء البيان للشنقيطي.

ب- الكُتُب المعتمدة في المذاهب الفقهية الأربعة، ومنها:

في المذهب الحنفي: شرح معاني الآثار لأبي جعفر الطحاوي، المبسوط لشمس الأئمة السَّرْخَسِيّ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني، البحر الرائق لابن نجيم، شرح فتح القدير لكمال الدين بن الهمام، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي. حاشية ابن عابدين المسمى رَدُّ المحتار على الدُّرِّ المُخْتَار.

في المذهب المالكي: بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد، الاستذكار لابن عبدالبر، وله أيضًا الكافي، قوانين الأحكام الشرعية لابن جُزَي الكَلْبي، «الذخيرة» في الفقه للقَرَافِي.

في المذهب الشافعي: الأم للشافعي، المجموع شرح المهذب للنووي( )، روضة الطالبين وعُمْدَة المفتين للنووي، وللنووي كتاب “منهاج الطالبين وعُمْدَة المفتين”، شرحه كثير من العلماء، ومن أشهر شروحه: تحفة المحتاج بشرح المنهاج” لأحمد بن حجر الهيتمي، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشهاب الدين الرملي.

في المذهب الحنبلي: المغني لابن قدامة، (وهو بحق موسوعة فقهية جامعة لا غنى لطالب العلم عنها)، الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي، الفروع لابن مفلح.

ج- كُتُب الفقه المقارن التي تتميز بجودة الترتيب والتبويب، واستيعاب الأقوال، والإكثار من ذكر الفروع التي يُحتاج إليها، علما بأن بعضها يصنف أيضًا ضمن كتب المذاهب التي سبقت الإشارة إليها. إلا أنها أصل في معرفة الاتفاق والاختلاف والمقارنة بين الأقوال، ومن أمثلتها:

الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف لابن المنذر، بدائع الصنائع للكاساني الحنفي، التمهيد لابن عبدالبر، المحلى بالآثار لأبي محمـد بن حزم الظاهري( والكتاب بحق موسوعة فقهية، فيها أبحاث ماتعة جدًا، لولا ما شابه من ظاهرية المؤلف المفرطة في فهم بعض النصوص، وميله إلى القطع والجزم بالأحكام في مسائل الخلاف السائغ المعتبر، وشدته وتطاوله على غيره من الأئمة بعبارات شديدة وقاسية!!)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد، والمغني لابن قدامة المقدسي، والمجموع شرح المُهَذَّب للإمام النووي، والروضة الندية لصديق حسن خان.

مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والصنعاني والشوكاني والسعدي وابن عثيمين.

ومن الكتب المعاصرة التي بُذل فيها جهد كبير: الموسوعة الفقهية الكويتية، الفقه الإسلامي وأدلته، للدكتور وهبه الزحيلي، (ثلاثة عشر مجلدًا)، فقه السُّنَّة للشيخ سيد سابق.

د- كُتُب شروح الأحاديث، ومن أبرزها:

– شروح موطأ مالك، ومنها التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد للإمام ابن عبد البرّ، المنتقى في شرح الموطأ لأبي الوليد الباجي، المسالك في شرح موطأ مالك للقاضي أبي بكر بن العربي، وله أيضًا: القبس في شرح الموطأ، شرح الموطأ للزُّرقاني.

– شروح صحيح البخاري، وأهمها: شرح صحيح البخارى لابن بطال، فتح الباري لابن رجب الحنبلي، فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني (وهو من أشهر الشروح وأجمعها وأنفعها)، عمدة القاري لبدر الدين العيني، إرشاد الساري للقسطلاني.

– شروح صحيح مسلم، ومن أهمها: المُعْلِم بفَوَائِدِ مُسْلِم للمازري، وإِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم للقاضي عِيَاض، والمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي (وهو من أشهر الشروح وأجمعها وأنفعها)، والمفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم لأبي العباس القرطبي.

– شروح سنن أبي داود، ومنها: معالم السنن للخطابي، تهذيب سنن أبي داود للعلامة ابن القيم، عون المعبود شرح سنن أبي داود لشمس الحق العظيم أبادي.

– شرح سنن الترمذي، ومنها: عارضة الأحوذي لابن العربي المالكي، تحفة الأحوذي للمباركفوري.

– سُبل السلام للصنعاني، ونيل الأوطار للشوكاني، شرح السنة للبغوي، فيض القدير للمناوي وهو من أوسع الشروح التي تكلمت على أكبر عدد من الأحاديث.

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى