بقلم د. عبدالله بن معيوف الجعيد
منهج الاعتدال في كافة مناحي الحياة السعودية أمر لا يقبل النقاش أو الجدال؛ لأنه عنوان المملكة حكومةً وشعباً والتي ارتضت لنفسها الوسطية منهجاً عاماً، وفي التعليم خاصةً، والذي يعد الركيزة الأولى لتخريج كل طوائف المجتمع السعودي؛ من دعاة وأطباء ومهندسون وقضاة إلى آخر التخصصات الذي يهتم بها المجتمع وترتقي المملكة بهم.
ولذلك لم يكن عجباً أن تولى حكومات المملكة المتعاقبة اهتماماً من نوع خاص بالتعليم خاصة العلم الشرعي الذي يعتمد على الارتواء من نهري الكتاب والسنة، والعمل على تصدير هذا العلم لكل بقاع العالم خاصة أن مكة والمدينة هما أقدس مكانين هبطا فيهما الوحي بالآيات والدلالات الربانية، ولذلك كان الاهتمام بهم منذ عهد الملك المؤسس وتأصيلهم في نفوس طلاب ومعلمي السعودية وأن يكون المبدأ الأساسي هو قوله تعالى: ▬ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ♂ [النحل: 125].
فالاعتدال هو أرقى السمات الدينية والحضارية التي يتصف به التعليم الديني في السعودية، وتسعى حكوماتهم المتعاقبة إلى الوصول إلى درجة الكمال فيه من خلال بلورته على أرض الواقع بسلوك حضاري واجتماعي ذو مسئولية، ولا عجب في ذلك خاصة أن الأمة الإسلامية هي أكثر الأمم وسطية واعتدالًا.
لكن الفترة الأخيرة هاجمت بعض الأقلام المسعورة التعليم الديني في المملكة متهمة إياه بتصدير الفكر الإرهابي، وضرورة تنقية محتوياته من كل ما يشير إلى الجهاد والأفكار التي يرونها من وجهة نظرهم غير مجدية في التعليم، لكننا في الوقت ذاته نرى أن المناهج السعودية هي أرقى وأفضل المناهج التعليمية في العالم الإسلامي والتي تأسست بناءً على الكتاب والسنة ولا يوجد فيها ما يخجل منه المسلم أو تساهم في خلق بيئة إرهابية كما يزعم البعض.
فالقيادة السعودية تبنت منهج الاعتدال المُستمدّ من كتاب الله وسنة نبيه محمد ﷺ في كافة شئونها، منذ عهد القائد المؤسس الملك عبد العزيز الذي رسم ملامح هذا المنهج منذ توحيد البلاد وجمع شتات شملها تحت راية التوحيد، ثم نهج من بعده أبناؤه والتزموا بهذا المنهج مهما كانت الظروف.
ولعل تبني المملكة لسياسة الحوار والتفاعل مع الثقافات المختلفة خير دليل علي اتباعها منهج الاعتدال والوسطية، ودعوتها المستمرة للعالم بأسره إلى ضرورة التعايش الحضاري، ونبذ كافة أسباب الفرقة والتعصب ومظاهر الظلم والاستبداد، والسعي إلى الانفتاح حول تقبُل الآخر وبناء العلاقات الإنسانية ومد جسور التواصل والاحترام المتبادل، فلا يمكن أن يجتمع التسامح والكراهية، أو المحبة والدعوة للإرهاب في صدر المسلم، ولذلك فكيف تكون حكومة المملكة مؤمنة بضرورة التعايش مع الآخر؟ وهذا أمر منصوص عليه في الدين الإسلامي الحنيف الذي هو أساس التعليم السعودي ثم نتهم التعليم بأنه يحض على كراهية الآخر والدعوة إلى الإرهاب.
لذا فإن التعليم الشرعي السعودي يسير بخطوات ثابتة نحو التقدم، ومن خلال انتشاره في العالم فهو يثير حفيظة من أعداء الإسلام الذين يسعون إلى وقف تمدده وانتشاره؛ لأنه من وجهة نظرهم هو العدو الأول الذي يجب إيقافه بكافة السُبل. ولذلك فهم يعمدون إلى وضع العراقيل أمامه من خلال كمِّ الاتهامات وتسليط وسائل الإعلام المأجورة لاتهامه بالإرهاب، أو تخريج إرهابيين -زعموا-وهو أمر منافي للحقيقة.
فالتعليم السعودي وبشهادة دوائر التعليم العالمية ترى أنه خلال الفترة الأخيرة أصبح له مكانة كبرى في ظل الرعاية التي يتولوها أبناء الملك المؤسس سواء على مستوى الداخل، أو من خلال الابتعاث الخارجي، والذين يُعتبرون سفراء المملكة في الخارج يقدمون الوجه الحقيقي لحكومة المملكة ورغبتها في التقارب مع شعوب العالم، ونبذ العنف والتطرف وترسيخ عقيدة التسامح التي هي أساس الدين الإسلامي الذي نزل على سيدنا محمد ﷺ في مكة المكرمة.
فهل من يدعو إلى التسامح في الكتب؟! نتهمه بأنه مفرخة للإرهابين.
وهذا الأمر يحتاج إلى وقفة من العقلاء لمواجهة الدعوات الباطلة التي تريد تضييق الخناق على التعليم السعودي؟!
وهل يستطيع أهل العلم الوقوف في وجه هذه الهجمة الشرسة أم تضعف قواهم في مواجهة المد العلماني في الخارج والداخل؟
(المصدر: صيد الفوائد)