من هو الشهيد في الإسلام؟
بقلم د. محمد بن عبد الكريم الشيخ
الشهادة من المنازل الأخرويَّة العالية؛ والرتب والمقامات الساميةِ، وهي من أشرف الأوصاف التي يموت عليها المسلم؛ بل هي أعلاها، وأنفسها وأحسنها، ميتةً سويَّةً؛ وذلك لما لأهل الشهادة؛ من المقام الكريم؛ والأجر العظيم يوم القيامة .
ولكن دَرَجَ كثيرٌ من الناس في هذا الزمان على إضفاء لقب الشهادة؛ على كل أحدٍ؛ ولو كان كافراً ، ظنّاً منهم أنها من الكلمات؛ التي تسوغ المواساة بها؛ أو المجاملة فيها .
والصواب أنَّ الشهادة من الألفاظ الشرعية؛ التي ينبغي التقيد فيها بمناطها الصحيح وضوابطها.
وذلك أنَّ الشهادة في الإسلام على ثلاثة أنواع :
أولها شهيد الدنيا والآخرة؛ وهو القتيل المسلم حين يقتل من الكفار؛ مقبلاً غير مدبر؛ بشرط أنْ يقاتلَ لتكونَ كلمةُ الله هي العليا، قال رسول الله ﷺ: “من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله” رَوَاهُ الشيخان ، فهذا في أعلى منازل الشهادة في الآخرة؛ وفي الدنيا له أحكام الشهيد؛ من دفنه في ملابسه؛ وعدم غسله وكذا عدم الصلاة عليه عند جمهور الفقهاء إلا الحنفية .كما ألحق الإمام أحمد بهذا الصنف المقتولَ ظلماً من غير قتال .
والثاني: شهيدُ الدنيا؛ وهو الذي يُقتلُ في قتالٍ مع الكفار في الظاهر ولكنه أفسد جهاده بالرياء، أو العصبية والحميَّةِ لقومه، أو لأي غرض من أغراض الدنيا، فهذا له أحكام الشهيد في الظاهر من دفنه في ثيابه ونحو ذلك؛ غير أنَّه متوعَّدٌ بالنار في الآخرة لأنّهُ ما أراد بقتاله وجه الله .
والثالث :شهيد الآخرة الذي يكون له أجر شهيد في الآخرة لكنه في الدنيا يطبق عليه ما يطبق على الميت الذي مات حتف أنفه ، وهذه الشهادة يدخل فيها كلُّ ميِّتٍ مسلمٍ مات بأنواعٍ من العِللَِ والأمراضِ والأوْبئةِ ، عن جابر بن عتيك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ” الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد. والمبطون” رواه ابن ماجه وأبو داود .
إذن فالشهادة منزلتها عند الله عظيمة؛ تفوق منزلة الصالحين ؛ بعد رتبة النبيين والصديقين؛ قال الله تعالى :﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: ٦٩]؛
أما عند إطلاق وصف(الشهيد)على من مات فلا بد فيه من قيود :
أولها : أن يكون مسلماً فإن كان ممن مات على غير دين النبي محمد ﷺ فإنه كافر؛ خالدٌ مخلدٌ في نار جهنم؛ قال الله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)[البقرة : ١٦١] . فالكافر لا ينال الشهادة؛ ولو مات بسبب من أسبابها، لأن شرط حصولها الإيمان بالله تعالى وبرسله؛ قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: “أجمع العلماء على أن الكافر الذي مات على كفره لا ثواب له في الآخرة” .
الثاني : أنْ لا يكون من أهل الزندقة والنفاق ممن حكم عليهم بالردة؛ فإطلاق الشهادة على مثل هذا اعتداء وخطأ عظيم؛ مثل الرافضي المجوسي (قاسم سليماني ) الذي اشتهر بقتل المسلمين؛ في العراق وسوريا واليمن؛ مع ما عرف به من مذهب الرفض القائم على لعن الصحابة؛ فإطلاق إسم الشهيد عليه؛ يُعَدُّ من الكذبِ الذي يبوءُ به قائله؛ ومن الزور الذي سيسأل عنه شاهده؛ قال تعالى: ﴿ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: ١٩] .
الثالث : إطلاق وصف الشهادة على المُعيَّنِ لا يكون بالإطلاق المفيدِ للجزمِ بذلك ؛ بل بلفظ يفيدُ الرجاءَ والدعاءَ نحو؛ اللهم اجعله شهيداً ، وذلك لأنَّه لا يجوز القطع ُ بالشهادة إلا لمن شهد له النبي ﷺ أو اتفقت الأمة على الشهادة له بذلك، وقد ترجم البخاري -رحمه الله- لهذا بقوله: “باب لا يقال: فلان شهيد” قال الحافظ ابن حجر : “أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي؛ وكأنه أشار إلى حديث عمر – رضي الله عنه – أنه خطب فقال: “تقولون في مغازيكم: فلان شهيد، ومات فلان شهيداً ولعله قد يكون قد أوقر راحلته، ألا لا تقولوا ذلكم، ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من مات في سبيل الله”، أو قُتل فهو شهيد” وهو حديث حسن أخرجه أحمد وسعيد بن منصور وغيرهما من طريق محمد بن سيرين عن أبي العجفاء عن عمر”. (فتح الباري ٩٠/٦)
فإذا كان هذا فيمن نرجوا فيه الخير والصلاح؛ لا نجزم له بالشهادة ، فكيف بمن لا خلاق له؟.
وعليه فلا ينبغي التساهل في إطلاق وصف (الشهيد) على أيِّ أحدٍ دون مراعاة ما سبق .
والله أعلم وأحكم ، وكفى بالله وليّاً وكفى بالله شهيداً .
(المصدر: رابطة علماء المسلمين)