مقالاتمقالات المنتدى

من نماذج عُلمائيّة مُلهمة (13) .. عبد الله بن عباس “حبر الأمة وترجمان القرآن”

من نماذج عُلمائيّة مُلهمة (13)

عبد الله بن عباس “حبر الأمة وترجمان القرآن”

 

بقلم د. علي محمد الصلابي “الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” (خاص بالمنتدى)

 

حِبر الأمة، وتُرجمان القرآن، وقمة الفقه، وإمام التفسير، الفتي العالم، والشجاع الوسيم، والصحابي القريب، صاحب الرأي والحكمة، عظيم الخشية والتواضع، الخطيب المصقع، الحجة في اللغة والأدب والبيان، عفيف اليد واللسان، نموذجا في التضحية والهمة، والإقدام والإيثار، والصورة العملية التطبيقية، لمنهج الله في الأرض، أبو العباس عبد الله، ابن عم رسول الله ﷺ.

أولا: اسمه ونسبه وكنيته:

 هو عبدالله بن العباس، بن عبد المطلب، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصي، بن كلاب، ابن كعب، ابن لؤي، ابن غالب، بن فهر، بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، بن نزار، بن معد، بن عدنان، ثم يرتقي نسبه إلى أن يصل إلى إسماعيل، بن إبراهيم، عليهما الصلاة والسلام، واسم عبدالله من الأسماء المعروفة المتداولة قبل الإسلام، وهو اسم أبي النبي ص وجاء الإسلام فحبب على التسمية به، وجعله من خير الأسماء التي تختار للأبناء، ففي الحديث (إن أحب اسمائكم إلى الله عز وجل عبدالله وعبد الرحمن)، ويكنى بأبو العباس، أكبر أولاده وهو العباس([1]).

ثانياً: صفته وحليته:

كان وسيماً جميلاً، مديد القامة، مهيباً كامل العقل، ذكي النفس، من رجال الكمال، قال أبو عبد الله ابن منده: كان أبيض طويلاً، مشرباً صفرة جسيماً صبيح الوجه، له وفرة، يخضب بالحناء، قال عطاء: ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة إلا ذكرت وجه ابن عباس، وقال مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت: أجمل الناس، فإذا نطق قلت أفصح الناس، فإذا تحدث، قلت أعلم الناس، قال ابن حجر في الإصابة: روى أبو الحسن المدايني عن سحيم بن حفص عن أبي بكرة قال: قدم علينا ابن عباس البصرة وما في العرب مثله حشماً وعلماً وثياباً وجمالاً وكمالاً، وكان رضي الله عنه يحب أن يظهر أثر نعمة الله عليه، فكان يتأنق في مظهره وملبسه دون أن يتجاوز الحد المشروع، فلقد كان يلبس الثياب ذات الأثمان الغالية، ويتطيب، ويحسن مظهره ما قدر، وروى أبي الجويرية عن عكرمة: قال كان ابن عباس، إذا مر في الطريق، قالت النساء على الحيطان: أمر المسك أم مر ابن عباس ([2]).

ثالثاً: إسلامه وهجرته:

مهما قيل في زمن إسلام العباس، أبيه، فإن الروايات تتحدث بتقديم إسلام عبد الله بن العباس، على غزوة الفتح، بزمن غير يسير، جاء في صحيح البخاري، عن ابن أبي مليكة أن عبد الله بن العباس(رضي الله عنه) تلا: (إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان)، قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، وجاء في صحيح البخاري تعليقاً، قال: كان ابن عباس (رضي الله عنهما)، مع أمه من المستضعفين ولم يكن مع أبيه على دين قومه، وقال: أي عبد الله بن العباس: الإسلام يعلو ولا يعلى ([3]).

وأما عن هجرته:

فمع تقدم إسلامه وإسلام أبيه، فإنه لم يتح له أن يهاجر إلا قبيل فتح مكة، وذلك بعد أن أسلم ابوه، فهاجرا معاً، فاتفق لقياهما مع النبي ﷺ، مع النبي بالجحفة وهو ذاهب لفتح مكة، فرجعا وشهدا معه فتح مكة، وكان فتح مكة سنة ثمان من الهجرة صبيحة يوم الجمعة لعشرين خلت من رمضان، وعلى هذا يكون انتقال ابن عباس إلى دار الهجرة سنة الفتح وقد بايعه رسول الله ﷺ بعد أن هاجرـ، وهو صغير لم يبلغ الحلم ([4]).

 رابعاً: عبادته وورعه:

 لقد عاش ابن عباس حياته الاولى في كنف رسول الله ﷺ واطلع على عبادته وخشيته من الله تعالى، فكان يتلقى دروسا عملية في عبادة الله والاخلاص له، ثم صحب من بعده الخليفة عمر بن الخطاب أمير المؤمنين التقي المتعبد الورع، فلا عجب بعد ذلك أن بنشأ محباً لعبادة الله مقبلاً عليها، خائفاً منه سبحانه، تارك للشبهات، وقافاً عند حدود الله، ولقد وصف كثير ممن عايشه واتصل به عبادته وورعه وخشيته من الله سبحانه، عن عبد الله بن أبي مليكة قال : صحبت ابن عباس من مكة الى المدينة، فكان يصلي ركعتين فإذا نزل قام شطر الليل، ويرتل القرآن حرفاً حرفاً، ويكثر في ذلك من التسبيح والنحيب، ولقد بلغ من تقواه وورعه (رضي الله عنه): أنه كان لا يحيد عما أمره به رسول الله ﷺ، وإن لم يكن ذلك من الأمور الواجبات، وإنما هو من قبل المستحسنات، ولقد كان ابن عباس تأخذه في عبادته خشية من الله ورقة فتندفع عيناه بالبكاء والنشيج، ولقد ذكر رسول الله ﷺ في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه، وهكذا كان ابن عباس (رضي الله عنه) ([5]).

خامساً: مكانته وشخصيته العلمية:

كانت شخصية عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) شخصية متكاملة، متعددة الخصال، الكريمة، فما من خضلة من خصال الخير والفضيلة إلا وجدته متفوقا فيها، ولا شك أخذ معظم هذه الخصال من ابن عمه رسول الله ﷺ الذي بلغ الكمال كل الكمال في صفات البشر الخيرية، فما هو السبب في ذلك، إن من هذه الأسباب التي جعلته كذلك:

أولهما: دعوة الرسول ﷺ حيث قال له: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل، فكان بهذه الدعوة فقيهاً ومفسراً لكتاب الله.

 ثانيهما: ذكاؤه النادر، وقريحته الوقادة، وصبره في تحصيل العلم، وقدرته على الاستيعاب، فلقد كان بارعاً في ميادين شتى؛ العلم والمعرفة؛ والأدب والشعر واللغة، قال عمرو بن دينار فيه ما رأيت مجلساً أجمع لخير من مجلسه، الحلال والحرام؛ وتفسير القران، والعربية، والشعر والطعام؛ وقال فيه عبد الله ابن عتبة؛ ما رأيت عالماً قط جلس إليه إلا خضع له، ولا وجدت سائلاً سأله إلا وجد عنده علماً قال: وربما حفظت القصيدة من فيه ينشدها ثلاثين بيتاً ([6]).

ولقد اتفق الناس أن ابن عباس برع على وجه خاص في الفقه: والتفسير والحديث، حتى كان مرجع الناس إليه بالغدو والآصال، لكن من أين حصل ابن عباس على هذه الحصيلة العلمية؛ مع أنه لم يصاحب رسول الله إلا فترة قصيرة فلقد توفي عليه الصلاة والسلام ولم يتجاوز ابن عباس الثالثة عشر من عمره، ومع ذلك في الأغلب والأعم إلى:

 1ـ دعاء رسول الله: أ له كما ذكرت بالفقه؛ والفهم؛ وكفى بذلك سبباً.

2ـ وأيضاً: ملازمته لرسول الله ﷺ في هذه الفقرة القصيرة، وساعد على ذلك أن زوج رسول الله ﷺ ، ميمونة بنت الحارث الهلالية خالته فجعل يدخل بيت رسول الله في أوقات لم تتح لغيره، خصوصاً مع صغر سنه.

3ـ ملازمته لعمر وعلي: وهما من كبار الصحابة فلقد كان قريباً من عمر طيلة حياته كما لازم علياً، قال ابن عباس: لما فتحت المدائن، أي فارس أقبل الناس على الدنيا، وأقبلت على عمر، فكان عامة حديثه عن عمر ([7]).

4ـ حرصه على العلم وصبره على تحصيله، فكان لا يأنف أن يأخذ العم ممن عنده علم، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.

5ـ كثرة سؤاله وتثبته فكإن لا يكتفى بسؤال الرجل أو الاثنين: فكِان صاحب لسان سؤول وقلب عقول، وكان ربما يسأل، عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب رسول الله، كما كان لا يأخذ من أحد إلا بعد تثبت واطمئنان وتوثق.

من هنا يتبين لنا أن شخصية كهذه توفر لها من المقومات التي ذكرناها تكون شخصية علمية بكل المقاييس، ويقال في ابن عباس أنه حبر الأمة بحق وأنه بحر ([8]).

 مكانته في الفقه

كان (رضي الله عنه) فقيهاً، بل كان أحد الفقهاء السبعة، الذين انتهت إليهم الفتيا، بعد رسول الله، وقد جمع أبو بكر محمد، بن موسى، بن يعقوب، ابن أمير المؤمنين المأمون، فتيا عبد الله بن عباس في عشرين كتاباً، وكان عبد الله بن عباس مرجع الصحابة عند اختلافهم في أمور الفقه: وقالت فيه عائشة أعلم الناس بمناسك الحج، وشهد له عبد الله بن عمرو بن العاص. قال فيه: ابن عباس أعلمنا بما مضى، وأفقهنا فيما نزل مما لم يأت فيه شيء ([9]).

مكانته في التفسير:

 كان ابن عباس لم يبلغها أحد غيره من الصحابة، حتى لقب بترجمان القرآن، وقد أخذه من رسول الله، ومن أصحاب رسول الله، ثم معرفته باللغة، وعلمه الجم بها، ثم ما فتح الله عليه به لدعوة الرسول له، وقد روى البخاري بسنده عن أبى جحيفة: قال: قلت لعلي: هل عندكم من شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال العقل، وفكاك الأسير وألا يقتل مسلم بكافر.

وقد سلك ابن عباس في التفسير منهجاً سليماً، فهو حين يستعمل العقل يستعمله مستعينا بمقاصد الشريعة، وأهدافها، واللغة العربية التي نزل بها القرآن، وكان عبد الله بن عباس يكره أن يأخذ من أهل الكتاب، أو يسألهم وكان يقول: كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم أحدث تقرؤونه محضاً لم ينشب.

منزلته في الحديث:

كان ابن عباس من المحدثين البارزين عن رسول الله، ولكنه كان يكره الإكثار من الحديث عن الرسول، كما كان لا يقبل حديثاً إلا بعد تثبت، وكان ينهج في هذا النهج نهج عمر، ورغم كراهيته للإكثار من الحديث فإنه يعد من المكثرين للحديث، مع أبي هريرة وجابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وعائشة أم المؤمنين.

وقد بلغ مجموع ما رواه ابن عباس: 1660 حديثاً، اتفق البخاري ومسلم على خمسة وتسعين حديثاً، وانفرد البخاري بمائة وعشرين حديثاً، وانفرد مسلم بتسعة وأربعين حديثاً، وفي الرياض المستطابة ليحيى بن أبى بكر العامري، روى عبد الله بن عباس، عن رسول الله ﷺ، وأكثر فأخرج له الشيخان مائتين وأربعة وثلاثين حديثاً واتفقا، على خمسة وسبعين ‏ وانفرد البخاري، بمائة وعشرة، ومسلم بتسعة وأربعين، وخرج عنه أصحاب المسانيد والسنن كلهم ([10]).

سادساً: مكانته من عمر (رضي الله عنه) وإمامته للمدرسة المكِّيَّة:

         احتلَّت هذه المدرسة المكانة في قلوب المؤمنين، السَّاكنين، والثَّائبين إِلى بلد الله الحرام، الحجاج، والعمَّار، والزُّوَّار، بل أخذت مكَّة بألباب كلِّ مؤمنٍ رآها، أو تمنَّى أن يراها، ولقد كان العلم بمكَّة يسيراً زمن الصَّحابة، ثمَّ كثر في أواخر عصرهم، وكذلك في أيَّام التَّابعين، وزمن أصحابهم، كابن أبي نجيحٍ، وابن جريجٍ، إِلا أنَّ مكَّة اختصت زمن التَّابعين بحبْر الأمَّة، وترجمان القرآن ابن عباسٍ رضي الله عنهما الَّذي صرف جلَّ همِّه، وغاية وسعه إِلى علم التَّفسير، وربَّى أصحابه على ذلك، فنبغ منهم أئمَّةٌ كان لهم قصب السَّبق بين تلاميذ المدارس في التفسير، وقد ذكر العلماء مجموعةً من الأسباب أدَّت إلى تفوُّق هذه المدرسة، أهم هذه الأسباب، والأساس فيها إِمامةُ ابن عبَّاسٍ (رضي الله عنهما) وأستاذيَّته لها، وقد تحدَّث العلماء عن مجموعةٍ من الأسباب أهَّلَت ابن عباسٍ (رضي الله عنهما) وقدَّمته على غيره من الصَّحابة في فهم كتاب الله، والقدرة على تفسيره، وهي على الإجمال:

دعاء النَّبيِّ ﷺ له بالفقه في الدِّين، والعلم بالتَّأويل، الأخذُ عن كبار الصَّحابة، قوَّةُ اجتهاده، وقدرتُه على الاستنباط، اهتمامُه بالتَّفسير، منهجُه المُمَيَّز في تعليم أصحابه، حرصُه على نشر العلم، رحلاتُه، وأسفاره، تأخُّرُ وفاته، قربُ منزلته من عمر رضي الله عنه ([11]).

فقد حظي بعنايةٍ خاصَّةٍ من الفاروق عندما لمس فيه مخايل النَّجابة، والذَّكاء، والفطنة، فكان يدنيه من مجلسه، ويقرِّبه إِليه، ويشاوره، ويأخذ برأيه فيما أشكل من الآيات، وابنُ عباسٍ ما زال شابّاً غلاماً، فكان لذلك الأثرُ البالغ في دفعه، وحثِّه على التَّحصيل، والتقدُّم بل والإِكثار في باب التَّفسير، وغيره من أبواب العلم، فعن عامرٍ الشَّعبيِّ، عن ابن عباسٍ، قال: قال لي أبي: يا بنيَّ! أرى أمير المؤمنين يقرِّبك، ويخلو بك، ويستشيرك مع أناسٍ من أصحاب رسول الله ﷺ، فاحفظ عنِّي ثلاثاً: اتَّق الله لا تفشينَّ له سرّاً، ولا يجرِّبنَّ عليك كذبةً، ولا تغتابنَّ عنده أحداً.

وكان عمر رضي الله عنه يداخله مع أكابر الصَّحابة، وما ذلك إِلا لأنَّه وجد فيه قوَّة الفهم، وجودة الفكر، ودقَّة الاستنباط، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما كان عمر يسألني مع أصحاب محمَّد ﷺ، فكان يقول لي: لا تتكلَّم حتى يتكلَّموا، فإِذا تكلَّمتُ، قال: غلبتموني أن تأتوا بما جاء به هذا الغلام الَّذي لم تجتمع شؤون رأسه.

وكان ابن عباسٍ لشدة أدبه إِذا جلس في مجلسٍ فيه من هو أسن منه لا يتحدَّث إِلا إِذا أُذن له، فكان عمر يلمس ذلك منه، فيحثُّه، ويحرِّضه على الحديث تنشيطاً لنفسه، وتشجيعاً له في العلم، كما مرَّ معنا في تفسير قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} [البقرة: 266]، وقوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] ([12]).

وكان لعمر (رضي الله عنه) مجلسٌ يسمع فيه من الشَّباب، ويعلِّمهم، وكان ابن عباسٍ من المقدَّمين عند عمر، فعن عبد الرَّحمن بن زيدٍ، قال: كان عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه إذا صلَّى السُّبْحَةَ، وفرغ، دخل مِرْبداً له، فأرسل إلى فتيانٍ قد قرؤوا القرآن، منهم ابن عباسٍ، قال: فيأتون، فيقرؤون  القرآن ويتدارسون، فإِذا كانت القائلة؛ انصرف، قال: فمرُّوا بهذه الآية و{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ * وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 206 ـ 207]، فقال ابن عباسٍ لبعض من كان إِلى جانبه: اقتتل الرَّجلان، فسمع عمر ما قال، فقال: وأيُّ شيءٍ قلت؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين! قال: ماذا قلت؟ اقتتل الرَّجلان؟ قال: فلمَّا رأى ذلك ابن عباسٍ؛ قال: أرى ها هنا مَنْ إِذا أُمر بتقوى الله أخذته العزَّة بالإِثم، وأرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، يقوم هذا، فيأمر هذا بتقوى الله، فإِذا لم يقبل، وأخذته العزَّة بالإِثم، قال هذا: وأنا أشتري نفسي! فقاتله، فاقتتل الرَّجلان، فقال عمر: لله تلادُك يا بن عباسٍ ([13]).

وكان عمر (رضي الله عنه) يسأل ابن عباسٍ عن الشَّيء من القرآن، ثمَّ يقول: غص غوَّاص، بل كان عمر إِذا جاءته الأقضية المعضلة؛ يقول لابن عباس: يا أبا عبَّاسٍ! قد طرأت علينا أقضيةٌ عضلٌ، وأنت لها، ولأمثالها! ثمَّ يأخذ برأيه، وما كان يدعو لذلك أحداً سواه إذا كانت العضل، وعن سعد بن أبي وقَّاص، قال: ما رأيت أحداً أحضر فهماً، ولا ألبَّ لبّاً، ولا أكثر علماً، ولا أوسع حلماً من ابن عباس، ولقد رأيت عمر بن الخطاب يدعوه للمعضلات، ثمَّ يقول: عندك قد جاءتك معضلةٌ، ثمَّ لا يجاوز قوله، وإِنَّ حوله لأهلُ بدرٍ من المهاجرين، والأنصار، وكان عمر يصفه بقوله: ذاكم فتى الكهول، إِنَّ له لساناً سؤولاً، وقلباً عقولاً.

يقول طلحة بن عبيد الله: ما كنت أرى عمر بن الخطَّاب يقدِّم على ابن عباسٍ أحداً، وكان ابن عباسٍ رضي الله عنهما كثيرَ الملازمة لعمر، حريصاً على سؤاله، والأخذ عنه؛ ولذا كان رضي الله عنه من أكثر الصَّحابة نقلاً، وروايةً لتفسير عمر، وعلمه (رضي الله عنهم) وقد أشار بعض أهل العلم إِلى أنَّ عامَّة علم ابن عباسٍ أخذه عن عمر (رضي الله عن الجميع)، هذا بعض ما لقيه ابن عباسٍ إِمام المدرسة المكِّيَّة من عناية الفاروق، وتقريبه له رضي الله عنهم وأظنُّ هذا ممَّا أعان ابن عباسٍ، وشجَّعه للمُضيِّ قُدُماً في طريق العلم عامَّةً، والتَّفسير خاصَّةً ([14]).

[1] عبد الله بن عباس، مصطفى سعيد الخن، دار القلم، دمشق، ط4، 1994م، ص13.

[2] سير أعلام النبلاء، م3/ ص336ـ 238.

 [3] البخاري، م5/ 181/ م2، ص96.

[4]  البداية والنهاية، م8/ ص269.

[5] عبد الله بن عباس، الخن، ص31.

[6] البداية والنهاية م8ص301.

[7] حياة الصحابة، م3، ص645.

[8] سير أعلام النبلاء، م3، ص238.

[9] البداية والنهاية، م8، ص301.

[10] عبد الله بن عباس، أبو ضيف مجاهد حسن، كلية الدراسات الإسلامية، جامعة سوهاج، العدد1، مصر، ص111.

[11] تفسير التَّابعين (1/371)، د. محمد الخضري.

[12] عمر بن الخطاب، علي محمد الصلابي، ص182.

[13] تفسير الطبري، م4 ص245

[14] عمر بن الخطاب، الصلابي، ص183.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى