من مظاهر أهمية القرآن في حياة المسلم
بقلم د. وصفي أبو زيد
ممَّا يوضح أهمية القرآن في حياة المسلم أنه شرع له الشرائع، وحدَّ له الحدود، وبيَّن له الحلال، وفصَّل له الحرام.
قال تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 151 – 153].
وقال تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 145].
وعن النُّعمان بن بشير قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحَلالُ بَيِّن والحرام بَيِّن، وبينهما مُشَبَّهات لا يعلمها كثيرٌ من الناس؛ فمَن اتقى المُشَبَّهات استبرأ لدِينه وعِرضه، ومن وقع في الشُّبهات، كراعٍ يرعى حول الحِمى يوشك أن يواقِعَه، ألا وإنَّ لكل ملِك حِمًى، ألا إن حِمَى الله في أرضه محارمُه، ألا وإن في الجسد مُضغة إذا صلَحت صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسد كلُّه؛ ألا وهي القلب))[1].
ومن رحمة الشَّريعة الإسلامية أنها ذكرَتِ الحرامَ وفصَّلته، أمَّا الحلال فهو ما دون ذلك؛ وهو دليل على أنَّ الشريعة سَمحة وواسِعة، ومساحة الحلال فيها أضعاف مساحات الحرام، بل هي الأصل في الأشياء إلَّا ما ورد النص بتحريمه، حتى الحرام أباحه الله تعالى للإنسان في حال الضَّرورة، والضرورة تُقدَّر بقدرها كما قال الفقهاء.
فأي سعة، وأي رحمة، وأي يُسْر في هذه الشريعة الغرَّاء؟ وأي قانون يُدانِي هذا القانون الربَّاني؛ رحمةً ومصلحةً، وحكمةً ومراعاةً للإنسان؟
ولهذا قال الإمام ابن القيم في عبارة له صارَتْ شهيرة، وغدتْ عَلَمًا يُهتدَى به: “إن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعادِ، وهي عدلٌ كلُّها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجَت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدِّها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحِكمة إلى العبَث – فليسَت من الشريعة وإن أُدخِلتْ فيها بالتأويل؛ فالشريعة عَدْل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظلُّه في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتمَّ دلالة وأصدقها، وهي نوره الذي به أبصَرَ المبصرون، وهُداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كلِّ عليل، وطريقه المستقيم الذي مَن استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، فهي قُرَّة العيون، وحياةُ القلوب، ولذَّة الأرواح”[2].
هوامش
[1] متفق عليه: صحيح البخاري: كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، وصحيح مسلم: كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات.
[2] إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 3)، تحقيق: طه عبدالرؤوف سعد، دار الجيل – بيروت، 1973م.
(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)