من للتتار الجدد في تركستان الشرقية؟
بقلم عزة مختار
في الثامن من يوليو 2019 وقعت اثنان وعشرون دولة -منها ألمانيا وفرنسا وسويسرا وبريطانيا واليابان وكندا- رسالة موجهة إلى مجلس حقوق الإنسان انتقدت فيها سياسة الصين في إقليم “شانغيانغ” -الذي هو تركستان الشرقية- وطالبتها بوقف عمليات الاحتجاز الجماعي، وردت الصين بتوبيخ الدول الموقعة واعتبرته تدخلاً في شؤونها، بينما وافقت بعض الدول العربية الصين في تلك السياسة القمعية، بل والاستئصالية، يقف المسلمون اليوم عاجزون عن التصدي لحملات الإبادة على إخوانهم في كل مكان، وفي كل بقعة من بقاع العالم، ويقفون عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم في الوقت الذي يتهمهم الآخرون بالإرهاب ، بينما تمارس عليهم كافة صنوفه تحت رعاية الدول العظمى، وصراع التنين الصيني مع الرأسمالية الأمريكية، والضحية في كل الأحوال مسلم.
فما هي تركستان الشرقية؟ ومتى دخلها الإسلام؟ ولماذا ذلك القمع الواقع عليها؟ وما هو دور المسلمين في الضغط؛ لإنقاذ إخوانهم أو تخفيف الضغوط عنها؟
الإسلام شمال شرق آسيا
فتح شرق آسيا على يد القائد “قتيبة بن مسلم الباهلي” حتى وصل إلى كاشغر -غربي التركستان الشرقية- مع نهاية القرن الأول الهجري، واستمر انتشار الإسلام في بلاد التركستان في عهد الأمويين والعباسيين، وفي العصر العباسي أسلم الخاقان “ستوف بوغرا” في سنة 232هـ ثم أسلم أبناؤه، ثم انتشر الإسلام في المنطقة بكاملها وانتشرت كذلك اللغة العربية واستخدمت في الكتابة، ومنذ ذلك الوقت صارت التركستان الشرقية دولة مسلمة في مجملها.
ونعمت الدولة بالحكم الإسلامي خاصة بعد إسلام المغول في المناطق المتاخمة لحدودها، وظل المسلمون بها يمثلون نسبة 100% حتى منتصف القرن العشرين، وتدخل الصين بالبلاد، من خلال عمليات هجرة منظمة، وعمليات إحلال للسكان الأصليين لتصل نسبتهم بعد ذلك لـ 45% من أجمالي عدد السكان البالغ عددهم 21 مليون نسمة كلهم من طائفة الإيجور.
في عام 1949 أعلن “ماو تسي تونج” عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وضم إليها تركستان الشرقية باستعمال العنف وأطلق عليها الاسم الحالي “شانغيانج” ومنذ ذلك الاعتداء والصين تمارس كافة أساليب القمع بحق المسلمين في تلك الأرض، من تغيير للهوية بعمليات الإحلال -كما نوهنا- وبتنظيم معسكرات التأديب والتأهيل؛ لمنعهم من ممارسة دينهم وأداء عباداتهم، فليس هناك ما يسمى بالوضوء أو الصلاة أو الصيام، بل وتوجب عليهم أداء طقوس صينية لا دينية، وتجبر المسلمات على الزواج من غير ملتهن، ومن يرفض كل تلك الجرائم يتعرض لأبشع أنواع التعذيب داخل معسكراتهم المليونية.
المجازر التاريخية ضد مسلمي الإيجور
لم تكن المجازر التي تدور رحاها اليوم بين مسلمي الإيجور هي الأولى من نوعها، والتي ارتكبتها القوات الشيوعية الصينية والروسية، وإنما هناك العديد من المذابح منذ تلك النكبة التي حلت بها بعد الاستيلاء عليها في عام 1949 وظلت مستمرة حتى اللحظة.
ففي ذلك العام ارتكبت أول مذبحة في حق الإيجور وراح ضحيتها مليون مسلم، وأعدم عشرة آلاف مسلم دفعة واحدة، وفي عام 1966 ارتكبت الصين مجزرة قبيل شهر رمضان المبارك قتلت فيها أكثر من سبعين ألف من المسلمين في كاشغر، وفي عام 2013 حصلت مذبحة مسجد خان أريق بمدينة خوتان يوم 28 يونيو، وقتل فيها 200 مسلم من الإيجور.
وفي عام 2014، وقعت مجزرة خوتن ناحية وقتل فيها أكثر من 5500 مسلم، ولم يتوقف الأمر عند تلك المجازر البشعة، وإنما تتهم المنظمات العلمية والحقوقية الحكومة الصينية بعمل تجارب نووية في المنطقة الشمالية مما يتسبب في إصابة الآلاف بالإشعاعات النووية، غير تلوث التربة والهواء.
لم تكن المجازر التي تدور رحاها اليوم بين مسلمي الإيجور هي الأولى من نوعها، والتي ارتكبتها القوات الشيوعية الصينية والروسية، وإنما هناك العديد من المذابح منذ تلك النكبة التي حلت بها بعد الاستيلاء عليها في عام 1949 وظلت مستمرة حتى اللحظة
أحوال المسلمين الصينيين اليوم
حورب المسلمون ومنعوا من تأدية شعائرهم بحرية، وقد تقلص عدد المساجد في تركستان الشرقية من 16 ألف مسجد إلى 9 آلاف مسجد، وطورد الآلاف من الأئمة الإيغوريين، ومنع التعامل باللغة العربية، والتدخل في المناهج الدراسية لتتبع التعاليم الصينية والعلوم الشيوعية الدينية دون مراعاة للهوية والديانة الاسلامية.
وبالنسبة للمرأة اليوم فيحرم الحجاب وتتعرض من ترتديه للاعتقال، وتجبر على الزواج بغير المسلمين، وتخضع لمعسكرات جماعية ترتكبُ فيها كل الجرائم التي يمكن تخيلها بحق النساء ومنها جريمة الاغتصاب وممارسة شعائر دين وضعي، وتعذيب جسدي ممنهج، وبالنسبة لشعائر المسلمين فقد أشاعت الحكومة الصينية أنها تمنع الموظفين والطلاب من الصيام؛ لأنه يؤثر بشكل سلبي على العمل والإنتاج والتحصيل، وإنما الحقيقة أن الحكومة الصينية تحرم الصيام على المسلمين العاملين وغير العاملين، وتداهم البيوت وقت السحور، وتعتدي على الصائمين في نهار رمضان، كما تصادر المصاحف الموجودة في البيوت.
اتهمت الصين المسلمين بالإرهاب بعد الحملات العالمية عليهم خاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تعرض المسلمون بعدها لحملات تشبه حملات التطهير العرقي، والتنمر، والعداء غير المبرر، وتجري أيضاً محاكمات قاسية بتهمة تعدد الزوجات تصل لعشرات السنوات، يحدث كل هذا في ظل تجاهل دولي لما تمارسه الصين تجاه المسلمين، ولم يصدر العالم بيانه في يوليو 2019 إلا لاعتبارات سياسية واقتصادية؛ فالصين تعدّ القوة التي تناطح الولايات المتحدة وتتحداها في مصالحها الاقتصادية في الشرق الأوسط ومعظم دول العالم ولديها مخاوف كبيرة تجاهها، وقد استغلت جرائمها ضد الإيجور المسلمين لمحاولة استصدار أي قرار عقابي من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة إلا أنها فشلت في ذلك، ولم تعتد الصين بأي من تلك المناوشات، أضف إلى ذلك موقف العرب والمسلمين من تلك القضية التي تشوه وجه الإنسانية بالسكوت عنها، كان موقفهم مخزياً بالنسبة لإخوانهم المسلمين المضطهدين في أراضيهم؛ فلم يخرج بيان شبه رسمي من أية دولة، ولو بسحب السفراء أو الاعتراض على ما يدور.
موقف العرب والمسلمين من تلك القضية التي تشوه وجه الإنسانية بالسكوت عنها، كان موقفهم مخزياً بالنسبة لإخوانهم المسلمين المضطهدين في أراضيهم؛ فلم يخرج بيان شبه رسمي من أية دولة، ولو بسحب السفراء أو الاعتراض على ما يدور
دور الشعوب الإسلامية في نصرة الأقليات المسلمة في العالم
ما يقرب من ملياري مسلم في العالم، ألا يستطيعون أن يغيروا سياسة العالم تجاه المسلمين من ظلم وتضييق واتهامات باطلة؟
يقول الله – عز وجل – في استسلام المسلمين لظلم الآخرين؛ لائما عليهم ذلك: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} [التوبة:8] فالمسلم قوي عزيز متقدم الصفوف، سباق لكل خير، عالم، متبحر في العلم، يسير في الأرض مكتشفاً وفاتحاً، فما بال المسلمين اليوم بهذا الضعف والخنوع والجهل والتخلف والتبعية، صارت بلادهم مجرد سوق يتلقى منتجات الغرب جيدها وسيئها، لا يستطيع الاختيار بينها، فهي حضارة مادية إما أن يأخذها جملة أو يتركها جملة، وقد قرر أن يأخذها بدون تصنيف أو تفنيد أو تساؤل!
إلى متى هذا الهوان؟ كيف بأمة “اقرأ” أن تقبل ذلك الوضع المهين، بينما كتابها الذي تتعبد به لربها يحثها على العمل والإتقان واتخاذ وسائل القوة قدر الاستطاعة؟
كيف بأمة {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:103] فكيف بأمة الاعتصام والوحدة والترابط أن تكون متنافرة، ويأكلها العدو واحداً تلو الآخر دون أن يحرك أحد ساكناً؟
إن على الشعوب المسلمة دور كبير بعدما أحجمت الأنظمة عن القيام بهذا الدور وهي تستطيع إن أرادت ، وإن أكثر ما يوجع الدول هو أن تضار في مصالحها الاقتصادية، والشعوب المسلمة التي تعتمد اعتماداً كليا على المنتجات الصينية تستطيع اليوم أن تفرض كلمتها، بمقاطعتها التامة لكافة المنتجات الصينية أو أن تركز على عدد من المنتجات وتقاطعها بشكل تام، وتستخدم بدلاً منها منتجاً عربياً أو تركياً أو ماليزياً، ونستطيع الاكتفاء من الصناعة الإسلامية بشكل كامل، إن الأنظمة الحاكمة لا تلقي بالاً لا للشجب والاستنكار والبكائيات، وإن تدخلت كيانات أخرى اعتراضاً على ذلك العبث فهو لمصلحة لديها، وإلا فالنماذج أمامنا واضحة رأي العين، والجميع له ضحايا من الدماء المسلمة، كل حسب مصالحه الخاصة وأطماعه غير المحدودة.
إن الشعوب اليوم -وفي ظل الاعتماد في الاتصال فيما بينها على وسائل التواصل الاجتماعي- يمكن أن تأخذ قرارها بالمقاطعة، وأن تعمل عبر تلك الصفحات بالضغط على حكوماتها لاتخاذ مواقف إيجابية تجاه قضية المسلمين الإيجور قبل التطهير العرقي الكامل لهم وإبادتهم بشكل جماعي.
إن التاريخ اليوم يمكن أن يتشكل من جديد، ويمكن أن تفرض الشعوب نفسها على المعادلة فتعدل الميزان، وتضبط البوصلة؛ فلا يستشعر مسلم في أي مكان في العالم أنه وحده، وإنما من خلفه أمة سوف تقيم الدنيا ولا تقعدها من أجل مسلم واحد في آخر بقاع العالم.
لقد جعل الله – عز وجل – لدماء الإنسان حرمة، ولدماء المسلم عند الله أكثر قداسة وحرمة من هدم الكعبة، إنها فرصة أمام الشعوب المسلمة لتثبت ذاتها، وتتحد فيما بينها وتتجاوز الأنظمة في سبيل فرض هيمنتها وكلمتها واستعادة دورها المحوري في القضايا الكبرى مرة أخرى .
إن الأمر لم يعد رفاهية، وإنما هي قضية وجود، وقديما أكل الثور الأسود يوم تخلى عن الثور الأبيض، فهل يفعلها المسلمون بقيادة علمائهم ومفكريهم وكتابهم؟ هذا ما ننتظر.
(المصدر: موقع بصائر)