من لذات المقربين | د. صلاح سلطان -فك الله أسره-
ومن لذّات العلماء الربانيين أن يرزق ” الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّـهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّـهَ .. ﴿٣٩﴾”(الأحزاب)، لأنه آنئذ من النادرين المصطفين من رب العالمين كما قال الشاعر أحمد شوقي:
إن الذي خلق الحقيقة علقما لم يُخل من أهل الحقيقة جيلا
إن الشجاعة في القلوب كثيرة ورأيت شجعان العقول قليلا
وكم يشفق العلماء الربانيون أصحاب القلوب ” إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ .. ﴿٢٨﴾”(فاطر) عندما يرون مواكب المنافقين من أصحاب الاجتهاد التسويغي للعوام أو الحكام، ينشدون لديهم الحظوة والمال، والسلامة من سجن وسجان والخشية من أذى أو قتل غافلين عن منازل المقربين: سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله .
وكأننا أمام فيض من اللذات العلوية مع الحسرة الأرضية لدى العز بن عبد السلام عندما صدع بالحق في الشام في مواجهة الظالم حاكم المكان الذي استعان بالصليبيين الذين هزمهم صلاح الدين الأيوبي وطردهم من ديار الإسلام، فاستدعاهم أوغاد الحكام يستظهرون بهم على إخوانهم لتوسيع نفوذ وسلطان، فلما بيّن العز حرمة ذلك سجنه وأمعن في الإيذاء، وذهب المشفقون على العالم الحبر سلطان العلماء، هلاَّ قبِلت على حاكم البلاد فقبّلت يده ليعفو ويصفح وتخرج من السجن فتدعو وتعلّم ويهتدي بك خلق كثير، فقال وقد امتلأ قلبه بلذّات قول الحق لا يخشى فيه طاغية ولا باغيا، بل يشفق على هؤلاء الوسطاء المغفلين، قال العز بن عبد السلام: يا قوم: أنتم في واد وأنا في واد، والله ما أرضى لهذا الحاكم الظالم أن يقبل قدمي، فكيف أقبّل يده، الموت أهون من ذلك كله، وكأنه قد تشبع بقول الشاعر:
لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
أو قول غيره:
أهوى الحياة كريمة لا قيد لا إرهاب لا استخفاف بالإنسان
فإذا سقطتُ سقطتُ أحمل عزتي، يغلي دم الأحرار في شرياني
أو قول آخر:
ونفس الشريف لها غايتان بلوغ المنايا، ونيل المنى
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا
وها هو التاريخ يطوي – في أسفل سافلين- صفحات الطغاة الظالمين والوسطاء المغفلين، وبقى العز بن عبد السلام ” وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ﴿١٦﴾”(النحل) بلذات الصبر، لا لذات الظفر، بلذات مواجهة الطغيان بكلمة الحق الأبلج، لا لذّات تسويغ الباطل اللجلج، بلذات المجاهرة بالأدلة الشرعية تأسيسا وترسيخا ، وليس بلذات ” ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ .. ﴿٩﴾”(الحج)، تلبيسا وتدليسا، حقا: يا لبعد ما بين الفريقين أصحاب الشمال والمقربين.
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)