مقالاتمقالات مختارة

من عتمة السجن .. الأسرى يُرسلون نطفاً حاملة إرادة الحياة

بقلم تسنيم الرنتيسي

حكم المُحتل على أحد الأسرى الفلسطينيين بالسجن عشرة مؤبدات، وفي المُقابل حكم على زوجته بمؤبداتٍ من الإقصاء عن مشاعر الأمومة التي تتأصل في نفسها.. فكم كانت تتمنّى جنيناً يتحرك داخل أحشائها، تلده.. تُرضعه.. تضمه إلى صدرها، وتكون أول كلمة يتلفظ بها هي ماما.

أرسل الأسير إلى زوجته رسالة يُخبرها عن طريقة ابتكرها الأسرى ليتمكنوا من الإنجاب رغم عتمة السجن وإجراءات السجان المُشدّدة، إنها “النُطف المُهربة”، وعرض عليهاَ في رسالته أن تُهيئ نفسها للإنجاب إن كانت ترغب بذلك.. ثم تُخبره بقرارها..
وبدأت رحلة الإعداد، مع الطبيب، وفي موعد الزيارة، هرّبت والدة الأسير «نطفة حاملة عشق الحياة» محفوظة داخل حبة تمر أعدها ابنها الأسير، أوصلتها إلى الطبيب، وتم التلقيح في الأنابيب، ثم تمت زراعة البويضات المخصبة داخل رحم زوجة الأسير.. وبعد ما يقارب أربعة شهور، شعرت زوجة الأسير بحياةٍ جديدة تدب داخل أحشائها.. طارت فرحاً، لم تُصدق نفسها.. كيف لا وهي ستغدو أُماً رغم القيود والمؤبدات.. وطفلها سيحمل اسم ابيه ويقوم مقام والده حتى ينظر الله في أمره ويعود شامخ الرأس من أسره.

حُب الأسرى للحياة وحلمهم بـ”الأبوة”

إن حالات التطبيق العملي “للإنجاب عن بُعد” عن طريق النُطف المُهربة تعكس مدى اهتمام الأسرى وحبهم للحياة، وحرصهم على إنجاحه لتحقيق حلمهم بالأبوة، خاصةً للأسرى من ذوي الأحكام العالية أو ممن أمضوا سنواتٍ طويلة في السجن، ولم يُحققوا حُلمهم بالأبوة.

فسنوات الأسر الطوال لم تُفلح في قطع أنسال أعداد من الأسرى، ولا في حقهم في الإنجاب كغيرهم من باقي البشر الذين تركوا زوجاتهم في ريعان أعمارهن، إذا ما تحدثنا حول المرأة والعمر الافتراضي المحدود للإنجاب.

سنوات الأسر الطوال لم تُفلح في قطع أنسال أعداد من الأسرى، ولا في حقهم في الإنجاب كغيرهم من باقي البشر الذين تركوا زوجاتهم في ريعان أعمارهن

كما نجحت إرادة الأسرى مراراً وتكراراً في معركة كسر القيد وتهريب «نُطف الحرية» والتي سجلت نجاحات في صفوف زوجات الأسرى وأنجبن الذكور والإناث، وذلك وفق قبول اجتماعي وديني في وقت يقف فيه السجان حائراً أمام ضراوة هذه المعركة وحُب الأسرى الفلسطينيين للحياة.

تحويل السجن لمراكز للانطلاق نحو الحياة

وتتواصل حرب الأدمغة بين الأسرى الفلسطينيين السياسيين القابعين في السجون “الإسرائيلية” من جهة ومصلحة السجون والمخابرات “الإسرائيلية” الهادفة لتحويل السجون إلى قبورٍ لهم من جهةٍ أُخرى، بينما يصرون هم على تحويلها إلى مراكز للانطلاق نحو الحياة رغم غياب أي دعم رسمي فلسطيني لهذه المحاولات الإبداعية للوصول إلى حياة وإخراج “سُفراء الحرية الفلسطينية” عبر حيواناتٍ منوية تُهرب من أقبية الزنازين.

تتواصل حرب الأدمغة بين الأسرى الفلسطينيين السياسيين القابعين في السجون “الإسرائيلية” من جهة ومصلحة السجون والمخابرات “الإسرائيلية” الهادفة لتحويل السجون إلى قبورٍ لهم من جهةٍ أُخرى، بينما يصرون هم على تحويلها إلى مراكز للانطلاق نحو الحياة

وتجدر الإشارة إلى أن بوادر هذه الفكرة كانت واردة لدى الأسرى مُنذ العام 2000 حيث كانت الحركة الأسيرة أمام عدة تحديات قد واجهتها للإلمام بأبعاد وتفاصيل هذه القضية، فتمكنت من تهريب رسالة استفسار وتوضيح حول مدى نجاح وشرعية الفكرة خاصة مع التقدم الطبي، وبعد الرد الايجابي أصبحت القضية محل اهتمامٍ كبير لدى عدد من السجناء، حيث سُجّلت أول قصة نجاح على يد أحد الأسرى من الضفة الغربية والمحكوم عليه بالسجن 27 مؤبداً، والذي أقدم على تهريب أول نطفة في تاريخ الحركة الأسيرة في 2012 ورزق بمولوده الأول، وكانت هذه الخطوة ولادة معركة جديدة للأسرى في السجون الصهيونية.

“مجاهد” آخر الإنجازات

وفي آخر الإنجازات وليس آخر المحاولات رُزق الأسير الفلسطيني “أيوب أبو كريّم” قبل ثلاثة أسابيع بطفله “مجاهد” بعد أن وضعته زوجته عن طريق “نطف” نجحت بتهريبها من زوجها المعتقل في سجون الاحتلال منذ سبعة أعوام، وشهدت أحياء مخيم المغازي وسط قطاع غزة، زفة للمولود “مجاهد” احتفالاً بقدومه.

وقال “عزام أبو كريّم”- والد الأسير- رُزقنا بمولود ذكر لابني المُعتقل داخل السجون ، بعد أن نجحنا في تهريب النطفة، مُبدياً سعادته بالحفيد الجديد، ومُعتبراً هذه الخطوة “إنجاز فلسطيني يُضاف لسجل الصمود وانتزاع الحقوق الفلسطينية من مخالب السجان والمحتل “الإسرائيلي” رغم كل المعوقات”.

يُذكر أن الأسير “أبو كريّم” مُعتقل منذ عام 2011، وحُكم عليه بالسجن 15 عاماً بتهمة مُقاومة الاحتلال.

وتتعدد طرق التهريب والتي حيرت الاحتلال، فبعض الأسرى يستخدمون الكبسولات الفارغة، ومنهم من يستخدم نواة حبة التمر، والبعض يستخدم أكياسا شفافة، وحسب خبراء فإن العينة تبقى صالحة قرابة 12 ساعة إن كانت محفوظة في مكانٍ آمن.

عقوبات لعرقلة تهريب النطف

وتعتبر مصلحة السجون “الإسرائيلية” هذه القضية ممنوعة ومرفوضة قانونياً، وتحاول وضع العقبات في طريقها، ويتعلق ذلك بمنع الصهاينة إصدار بيانات شخصية للمواليد، إضافة إلى منع الأطفال من زيارة آبائهم داخل السجون، وفي حال تم كشف أي من طرق التهريب يعاقب الأسير وأهله وذويه من خلال منعهم من الزيارة لفترات طويلة، ومن العقوبات أيضا عرقلة حركة تنقل أهالي الأسرى عبر المعابر، وذلك لإبطال مفعول أي من النطف المهربة».

تعتبر مصلحة السجون “الإسرائيلية” هذه القضية ممنوعة ومرفوضة قانونياً، وتحاول وضع العقبات في طريقها

وفي السادس من تموز عام 2009 كان يوماً مُهماً عندما عرضت جمعية الأسرى والمحررين «حسام» فيلماً بعنوان «انتزاع» حيث عرضت الجمعية فيلماّ انسانياّ يُجسد فكرة تهريب النطف من داخل السجون إلى خارجها من أسير فلسطيني متزوج يقضي بالحكم المؤبد داخل سجون الاحتلال.

وتقوم فكرة الفيلم على رغبة أسير فلسطيني بالإنجاب وحُبه للذرية والأولاد وحقه في الحياة كأي إنسان على وجه البسيطة، حيث يُصوّر الفيلم مشاعر الأسير وهو يلامس طفله، ولكنه في الحقيقة غير موجود، واعتُبر هذا الفيلم الإشارة الأولى لتقبل المجتمع الفلسطيني فكرة إنجاب زوجات الأسرى عن طريق النُطف المُهربة، كذلك اعتبر حافزاّ لزوجات الأسرى لقبول الفكرة.

ويبقى السؤال: ماذا تُشكل نظف الأسرى من خطر على أمن “إسرائيل؟ ولماذا لا يتم إخراج النُطف بطريقة إنسانية؟ أليس هناك تقصير واضح وكبير من الهيئات الدولية ومؤسسات الصليب الأحمر وحقوق الإنسان تجاه زوجات الأسرى.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى