مقالاتمقالات مختارة

من حقوق الأخوة الإيمانية الضائعة: إعانة المظلوم وإغاثة الملهوف

بسم الله الرحمن الرحيم
من حقوق الأخوة الإيمانية الضائعة: إعانة المظلوم وإغاثة الملهوف

نصائح غالية ورسائل نافعة لحكام العرب والمسلمين:
 عندما قال رجل لعمر رضي الله عنه: اتق الله! قال مُذعِناً ومُقراً لما قاله: (لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها) إي وربي لا خير في العلماء وطلاب العلام إن لم ينصحوا لولاة الأمر وغيرهم، ولا خير فيمن استنكف عن قبولها فكيف بمن يعاقب عليها؟ ولهذا عد عمر النصيحة هدية قيمة قائلاً: (رحم الله امرءًا أهدى إلي عيوبي).
 لأن قوام ديننا هذا النصيحة والمدافعة، قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: “الدين النصيحة” ثلاثاً. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: “لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم”. وقال عز من قائل: ” وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ” [سورة البقرة: 251] فلا خير لمن لا ينصح للأمة.
 فالمؤمنون إخوة ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ” [سورة الحجرات: 10] و “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله” و أخوة الدين أثبت من أخوة النسب، فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب كما قال القرطبي.
 وقال البيحاني في شرح الحديث السابق: (تكون الأخوة في النسب، والدين، والوطن، والصفات والمبادئ والمعاملات، وأوثقها رابطة، وأحكمها عقداً، وأثبتها مودة، الأخوة في الدين، التي لا تنفصم عراها، ولا تغيرها الأحداث الطوارئ، ولا تختص بقوم دون آخرين، ولا بزمان دون زمان).
 لقد أمر الشارع الحكيم بنصر المسلم أخاه ظالماً كان أم مظلوماً قائلاً: “انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً” فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إن كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: “تحجزه، أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره” [متفق عليه].
 فإعانة المظلوم وإغاثة الملهوف من أولى حقوق الأخوة الإيمانية، وهي واجبة على كل مسلم سيما الحكام حسب الطاقة، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
 أيها الحكام، يا من يتزعمون حرب الإرهاب، هل هناك إرهاب أشد وأعتى مما يمارسه البوذيون ضد إخوانكم المسلمين العزل (الروهنقا) في النيمار؟ حيث يبادون إبادة جماعية، وتُهدم بيوتهم، وتحرق مزارعهم، وتقتل نساؤهم وأطفالهم؟
 لماذا صُمَّت آذانكم وعميت عيونكم عن إغاثة المستغيثات في النيمار وغيرها؟
 لماذا تشاغلتم عن هذا الواجب بسفاسف الأمور والكيد على بعضكم البعض؟
 ألم تعلموا وعيد من تقاعس عن إعانة المظلوم وإغاثة الملهوف ممن لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؟ “ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يجب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه إلا نصره الله في موضع تجب فيه نصرته” [أبو داود رقم [4884] وغيره].
 أين أنتم من إغاثة المعتصم لامرأة واحدة وليس أمة كاملة؟
 قال ابن خلدون في تاريخه جـ3/322-323: (وبلغه أن هاشمية صاحت وهي في أيدي الروم: وا معتصماه! فإجاب وهو على سريره: لبيك، لبيك! ونادى بالنفير، ونهض من ساعته، فركب دابته، واحتقب أشكالاً من حديد فيها رداؤه. وجمع العساكر، وأحضر قاضي بغداد عبدالرحمن بن إسحق ومعه ابن سهل، في ثلاثمائة وثلاثين من العدول، فأشهدهم بما وقف من الضياع، ثلثاً لولده وثُلثاً لمواليه وثُلثاً لوجه الله، فسار فعسكر بقرى دجلة لليلتين من جمادى الأولى).
 لقد أغاث المعتصم تلك المرأة، وتم له فتح عمورية، وانتصر على الروم، فقال عبدالملك الزيات [المصدر السابق]:
أقام الإمام منــار الهـدى وأخـرس ناقوس عموريـــة
فقد أصبح الدين مستوثقاً وأضحت ديار الهدى وارية)
لله در القائل مقارناً بين صنيع المعتصم والمتقاعسين عن إغاثة الملهوفين:
رُبَّ وا معتصماه انطلقت ملء أفــواه الصبايا اليتم
لامست أسمـــاعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم
“فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ” [سورة الحج: 46].
 وما فعله المعتصم فعله كذلك الأمير الأموي بالأندلس الحكم بن هشام؛ (عندما استغاثت به امرأة قائلة: (وا غوثاه يا حكم، لقد ضيعتنا، وأسلمتنا، واشتغلت عنا حتى استأسد العدو علينا…) فرثى الحكم للمسلمين لما بلغته هذه الاستغاثة وحمى لنصرة الدين، وأمر بالاستعداد للجهاد، وخرج غازياً إلى أرض الشرك، فأوغل في بلادهم، وافتتح الحصون، وهدم المنازل، وقتل كثيراً وأسر كذلك، وقفل على الناحية التي كانت فيها المرأة، وأمر لأهل تلك المنطقة بمال من الغنائم، يصلحون به أحوالهم، ويفدون سباياهم، وخص المرأة وآثرها، وأعطاهم عدداً من الأسرى عوناً، وأمر بضرب رقاب باقيهم، وقال لأهل تلك الناحية وللمرأة: هل أغاثكم؟ قالوا: شفا والله الصدور، ونكى بالعدو، وما غفل عنا إذ بلغه أمرنا، فأغاثه الله وأعز نصره) [التاريخ الإسلامي مواقف وعبر للدكتور عبدالعزيز الحميدي جـ7/317 – 318].
 أعجب من ذينك الموقفين موقف الصحابي الجليل سعيد بن عامر رضي الله عنه الذي كانت تصيبه غشية – يغمى عليه – وهو بين ظهراني القوم لأنه شهد مصرع خُبيب بن عدي ولم يذب عنه، لأنه كان مشركاً!
عندما شكا أهل حمص منه هذه الحال لعمر وكان عاملاً له عليها سأله فقال: (شهدت مصرع خبيب الأنصاري وقد بضعت قريش لحمه، ثم حملوه على جذع فقالوا: أتحب أن محمدًا مكانك؟ فقال: والله ما أحب أني في أهلي وأن محمدًا شيك بشوكة. ثم نادى: يا محمد – ليس مستغيثاً وإنما معلماً له – فما ذكرت ذلك اليوم وتركي نصرته في تلك الحال وأنا مشرك لا أومن بالله العظيم إلا ظننت أن الله عز وجل لا يغفر لي بذلك الذنب أبداً، قال: فتصيبني تلك الغنطة. فقال عمر: الحمد لله الذي لم يفيل – يخيب – فراستي) [البداية والنهاية لابن كثير جـ4/76 وصفوة الصفوة لابن الجوزي جـ1/665-666].
قلت: قارن أخي الحبيب؛ بين إحساس هذا الصحابي وخشيته ألا يغفر الله له عدم انتصاره وإغاثته لخُبيب وهو مشرك وليس مؤمناً، وبين حال أموات الأحياء من المسلمين الذين لا يفكرون مجرد تفكير في نصرة مظلوم ولا إغاثة ملهوف، ولا يؤاخذهم ضمير ولا خوف من العزيز الحكيم!
 أيها الحكام احذروا الغفلة، فلا يشغلكم حرصكم على الحكم عن حماية حوزة الدين وإغاثة الملهوفين، فالملك لله يهبه لمن يشاء وينزعه عمن يشاء.
 أيها الحكام هداني الله وإياكم لكل خير تشبهوا بسلفكم الصالح فإن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالرجال فلاح.
 لا يتقضى عجب المرء من تصرف حكام بنغلاديش الذين يمنعون الفارين من الموت والقتل من النساء والأطفال والشيوخ من دخول بلادهم. عليهم أن يتقوا الله وأن ينتهوا عن هذا التصرف، اللئيم والسلوك غير المستقيم.
 على حكام المسلمين أن ينصحوا لهؤلاء وأن يحملوهم على الحق ويقصروهم عليه قصراً.
 احذروا أيها الحكام الظلم، فالظلم ظلمات يوم القيامة. والحذر الحذر من أن تستأسدوا على بعض العلماء وطلاب العلم، وتتركوا الحبل على الغارب للمفسدين في الأرض والسفهاء.
 احذروا أيها الحكام أن يقال فيكم ما قيل في الحجاج:
أسد عليّ وفي الحروب نعامــــة فتخاء تنفر من صفير الصافر
هلا برزت إلى غزالة في الوغى بل كان قلبك بين جناحي طائر
 قال عمر بن عبدالعزيز: (إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله تعالى عليك، ونفاد ما تأتي إليهم، وبقاء ما يأتون إليك) [السير جـ5/131].
 ومما يؤثر من كلام الأنبياء كما قال ابن تيمية: (الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة) [مجموع الفتاوى جـ28/62-63].
 قال الأصمعي: (سمعت يحيى بن خالد -البرمكي- يقول: الدنيا دول، والمال عارية، ولنا فيمن قبلنا أسوة، وفينا لمن بعدنا عبرة) [السير جـ9/60].
 وقال الذهبي: (إن ولداً ليحيى قال له وهم في القيد: يا أية بعد الأمر والنهي، والأموال صرنا إلى هذا . قال: يا بني، دعوة مظلوم غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها، مات يحيى مسجوناً بالرقة سنة تسعين ومات عن سبعين سنة) [المصدر السابق].
 العاقل من اتعظ بغيره والجاهل من اتعظ بنفسه.
 روى أحمد في المسند كما قال الحافظ في الفتح بإسناد صحيح: (دعوة المظلوم مستجابة وإن كان كافراً).
 لله در القائل:
إذا وليت من أمور قـــــوم ليلـة فاعلم بأنك بعدها مســؤول
وإذا حملت إلى القبــــور جنازة فاعلم بـأنك بعدها محمول
يا صاحب القبر المنقش سطحه ولعله من تحته مغلــــــول
 أيها الحكام أوصي نفسي وإياكم وأحذرها من موالاة الكفار، والشيعة الإمامية، والمنافقين، واعلموا أن جزيرة العرب هي جزيرة الإسلام، لا ينبغي أن يكون فيها دينان، فالحذر من بناء الكنائس فيها وإنشاء القواعد العسكرية للكفار.
 واعلموا أنه لا صلاح لآخر هذه الأمة كما قال مالك إلا بما صلح به أولها؟
 وأعلمو أن:
كل العداوات قد ترجى مودتها إلا عداوة من عاداك في الدين
فعدوك الحقيقي هو عدو دينك.
 المستجير منكم بالكفار والرافضة الأشرار كالمستجير من الرمضاء بالنار.
 لا شك أن الأصل في النصيحة للحكام ولغيرهم أن تكون سراً، ولكن لا مانع من الجهر بها إذا دعا الحال، فقد جهر بها من هو خير منا لمن هو خير منكم، جهر بها علي لعثمان رضي الله عنهما عندما كان عثمان خليفة، فلا يستخفنكم قول من يمنع ذلك.
(عن علي بن الحسبن أن مروان بن الحكم قال: شهدت عثمان وعلياً فنهى عثمان عن المتعة – التمتع بالعمرة في أشهر الحج – وان يجمع بينهما ، فلما رأى ذلك علي أهل بها، فقال: لبيك بحج وعمرة.
فقال عثمان: تراني أنهى الناس وأنت تفعله؟ فقال: لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس) [طبقات الشافعية للسبكي جـ3/68 وقال شيخنا أبو عبدالله الحافظ: إسناده صحيح].
 وقد جبذ أبو سعيد مروان بن الحكم عندما أراد أن يقدم الخطبة على صلاة العيد أمام الجمع الغفير.
 وعندما قال عمر لبعض الصحابة: اسمعوا وأطيعوا، قال له سلمان ابن الإسلام: لا نسمع ولا نطيع، فقال له عمر: لِمَ يا أبا محمد؟ّ! فقال: لأن عليك ثوبين وعلينا ثوب واحد؟ إلى أن بيّن عمر أن الثوب الثاني لابنه عبدالله. فقال سلمان: الآن نسمع ونطيع.
والأدلة على ذلك أكثر من أن يحاط بها، لكن القليل يكفي المنصف، والكثير لا يكفي المتعسف.
 وأخيراً أقول لكم أيها الحكام هدانا الله وإياكم، ما قاله ابن أبي ذئب لأبي جعفر المنصور رحمهما الله: سئل الإمام أحمد من أعلم ابن أبي ذئب أو مالك؟ فقال: (ابن أبي ذئب في هذا أكبر من مالك ، وابن أبي ذئب أصلح في دينه وأورع ورعاً، وأقوم بالحق من مالك عند السلطان. وقد دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر فلم يمهله أن قال له الحق. قال له: الظلم فاشٍ ببابك، وأبو جعفر أبو جعفر. وقال حماد بن خالد كان يشبه ابن ابي ذئب بسعيد بن المسيب. وما كان ابن أبي ذئب ومالك في موضع عند السلطان إلا تكلم ابن أبي ذئب بالحق والأمر والنهي ومالك ساكت) [طبقات الحنابلة للقاضي أبي يعلى جـ1/251].
وقال ابن أبي ذئب لأبي جعفر: (أنا أنصح لك من ابنيك هذين) صدق ورب الكعبة.
مواقف ابن ابي ذئب هذه وثناء الإمام أحمد عليه وتقديمه له على مالك لصدعه بالحق للسلطان أمام عدد من الحضورر يدل على بدعية من يصف من ينصحون للحكام في المخالفات المجمع عليها علناً حين لم يفد الإسرار بها بالخروج بالقول التي لم يسبقهم عليها أحد من سلف هذه الأمة وإلا لجاز أن يوصف هؤلاء الصحابة الأخيار والأئمة الكبار بذلك.
 رحم الله التابعي أبا حازم عندما قال له احد المتزلفين في نصحه للخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك رحمه الله: الخليفة يقابل بمثل هذا؟ أو كما قال. فقال راداً عليه: اسكت إنما أهلك فرعونَ هامانُ وهامانُ فرعونَ.
 فالحذر الحذر أيها الحكام من اتخاذ البطانة السيئة ودخول من يوغرون الصدور ويتقربون إليك بشين الأخيار، فليكن جلساؤك من المتقين الأخيار واحذر من استشارة الأشرار.
 ليكن لك في الخليفة الراشد الخامس، والإمام العادل، ومجدد القرن الأول بلا منازع الأسوة الحسنة.
 روى الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز قال لجلسائه: (من صحبني منكم فليصحبني بخمس خصال يدلني من العدل إلى ما لا أهتدي له، ويكون لي على الخير عوناً ويبلغني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ولا يغتاب عندي أحداً، ويؤدي الأمانة التي حملها عني وعن الناس، فإذا كان كذلك فحيهلا به، وإلا فهو فقد خرج من صحبتي والدخول علي).
اللهم ول على المسلمين خيارهم، ولا تولّ عليهم شرارهم، اللهم اجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، اللهم اصلح أئمة المسلمين واهدهم سبل السلام، اللهم وفقهم لتحكيم شرعك، وحماية دينك، وإقامة حدودك، والنصح لرعاياهم، والسعي لرفع المعاناة عنهم إنك ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله أولاً وأخيراً، والصلاة والسلام على من خُتمت به الرسالة، وأكمل الله على يديه الدين وعلى آله وصحبه والتابعين.

وكتبه
الأمين الحاج محمد أحمد
رئيس الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان
ورئيس رابطة علماء المسلمين
لسبعة عشر ليلة خلت من ذي الحجة 1438هـ

(المصدر: موقع رئيس رابطة علماء المسلمين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى