بقلم د. محمد عمارة
في كتاب “الدعوة إلى الإسلام” للمستشرق الإنجليزي الحجة “سير توماس أرنولد” (1864 – 1930م) – وهو أهم كتاب تتبع حركة انتشار الإسلام في العالم – حديث عن موقف الأقلية المسيحية التي تحكم الحبشة (إثيوبيا) من الأغلبية المسلمة في تلك البلاد.
ولقد جاء في هذا الكتاب: “أن الملك “سيف أرعد” (1342 – 1370م) – حاكم أمهرة – قد اتخذ تدابير صارمة ضد المسلمين في مملكته، تقضي بإعدام كل من أبى الدخول في المسيحية أو نفيهم من البلاد.
وأن الملك “بثيد ماريام” (1468 – 1478م) قضى الجزء الأكبر من حكمه في محاربة المسلمين الذين كانوا يقيمون على الحدود الغربية من مملكته، وقد كان على مسلمي “هدية ” أن يدفعوا جزية أخرى للملك وهي أن يعطوه في كل سنة بنتاً ينصرها، وجرت هذه العادة في بلدهم بمقتضى معاهدة كان ملك الحبشة يحكم دائما بها.
ثم إنه حكم عليهم ألا يلبسوا عدة الحرب ولا يمسكوا السيف، ولا يركبوا خيولهم بالسروج، وإلا قتلهم وخرب مساجدهم، وقد كانوا مجبرين على تقديم الأموال إلى رسل الملك، ومعها البنت، يخرجونها على السرير، بعد تغسيلها وتكفينها بثوب والصلاة عليها، بحسبانها قد ماتت!.
ولقد أرغم ملك الحبشة – في النصف الأخير من القرن التاسع عشر – قبائل الجلا والسومال على الدخول في الديانة المسيحية، وفي عام 1878م بعد حرب 1875م بين الحبشة مصر، عقد الملك الحبشي “جون” مجمعا يضم رجال الكنيسة الحبشية، ونادوا به حكما أعلى في المسائل الدينية فقرروا وجوب الاقتصار على دين واحد في كافة أنحاء المملكة، وأعطى المسيحيين على اختلاف طوائفهم – ما عدا اليعاقبة – مهلة عامين ليصبحوا فيها متفقين في الرأي مع كنيسة البلاد، وألزم المسلمين بالتسليم في خلال ثلاث سنوات، والوثنيين خلال خمس سنوات، وأذاع الملك مرسوما بعد ذلك بأيام قليلة، أوضح فيه أن مهلة السنوات الثلاث التي منحها للمسلمين كانت قليلة الأهمية، وألزمهم ببناء كنائس مسيحية، ودفع العشور للقساوسة، بل وأنذر كل الموظفين المسلمين بأن يختاروا في خلال ثلاثة أشهر بين قبول التعميد أو التخلي عن مناصبهم.
وفي هذه الحملة أرغم الملك “جون” عام 1880م ما يقرب من خمسين ألفا من المسلمين على التعميد، كما أجبر عشرين ألفا من أفراد إحدى القبائل الوثنية، ونصف مليون من قبائل الجلا على اعتناق المسيحية!”.
حدث هذا في الحبشة باسم المسيحية، التي هي ديانة السلام المتصوف، والصوفية المسالمة.
ومثله أيضا حدث في بلاد الجبل الأسود بالبلقان، عندما جمع الأسقف “دانيال بيتروفتش” عام 1703م القبائل، وأخبرهم أن الأمل الوحيد في إنقاذ بلادهم ودينهم ينحصر في القضاء على المسلمين الذين يعيشون بين ظهرانيهم، وكان من أثر ذلك أن الذين أبوا أن يدخلوا المسيحية من مسلمي الجبل الأسود قد قتلوا جميعا في ليلة عيد ميلاد المسيح عليه السلام!!
وفي روسيا، اعتنق الملك “فلاديمير” المسيحية عام 988م، وفي اليوم التالي لتعميده، أصدر مرسوما بأن يذعن الروس كافة، سادة وعبيدا، أغنياء وفقراء، للتعميد وفق طقوس الديانة المسيحية، وظلت الديانة المسيحية هي الدين الوحيد للروس حتى عام 1905م، عندما صدر مرسوم ينص على التسامح الديني ويسمح بالتعددية الدينية في روسيا!.
ولقد طبقت بلاد أوربية كثيرة مبدأ: “دين واحد للدولة الواحدة”!!، وذلك على عكس البلاد الإسلامية التي اعتبرت التعددية الدينية سنة من سنن الله التي لا تبديل لها ولا تحويل، منذ فجر الإسلام وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
*المصدر : الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين