بقلم د. سعد الكبيسي
إن مقصد نزول الوحي هو بناء الإنسان والمجتمع أولا ثم معالجة المشكلات التي تعترضه في الطريق ثانيا
فما يريده منا الوحي هو أن ننطلق منه إلى بناء الواقع أصالة ثم معالجة الواقع به تبعا
إن مشكلات الواقع تحتم علينا منهجية الرجوع إلى النص لإيجاد الحل فيه لكن ذلك ليس هو الأصل
إنما الأصل هو منهجية الإنطلاق من النص إلى الواقع في عملية البناء والإصلاح فهو يقوم بمهمة البناء ثم يقوم بمهمة الحماية ومعالجة المشكلات
إن الإسلام لا يستدعى عند المشكلات والأزمات فحسب بل الأصل أنه يستدعى في عملية البناء والإعمار للحياة، وإلا فهو دين مركون على الرف يرجع إليه عند الحاجة وليس هو الروح والمنهج والهواء الذي نتنفسه في كل وقت وحين.
من أكبر المشكلات المنهجية التي نقع فيها هو الاعتماد الكلي أو الجزئي على منهجية البحث عن الحلول الفكرية والفقهية للنوازل والحوادث عند وقوعها من الوحي قرآنا وسنة حيث يجعلنا هذا في دائرة رد الفعل الدائم والمستجيب للطوارئ.
أو استدعاء النص لتبرير الواقع وشرعنة الرغبات عند أصحاب الهوى.
إن المنهجية المثمرة هي منهجية استيعاب الوحي ودلالاته وكيفيات تنزيله على الواقع لقيادته نحو الخير والسعادة وتحقيق المصالح وفق مبدأ التدرج.
وكل معالجات النوازل والحوادث ستكون (محطات في الطريق لا نهاية الطريق)
فليس صحيحا أن نطبق منهجية محاربة المنكر السياسي والمظالم السلطوية دون ( أو ) قبل منهجية التوعية فكرا وعملا بقيم العدل والحرية والشورى والانتماء والمرجعية الإسلامية في الحكم .
وليس صحيحا أن نتجه لحل مشكلة ترك الصلاة عند الطفل بمنهجية العقوبة بالضرب دون ( أو ) قبل منهجية تعريفه بالله وأمره بالصلاة لمدة ثلاث سنين كما ورد في الحديث.
وليس صحيحا اعتماد منهجية المعالجات للانحرافات الاخلاقية دون ( أو قبل ) منهجية الأصل وهي نشر الأخلاق وبيان منظومة الإسلام في نشر القيم والفضيلة مثل منهجية محاربة الزنا قبل منهجية تسهيل الزواج.
وليس صحيحا اعتماد معالجة الفقر وفق منهجية دفع الزكاة والصبر على الفقر دون ( أو قبل ) منهجية بيان نظرية الإسلام في التمكين الاقتصادي للمسلم وان الاصل ان يكون غنيا لا فقيرا.
ونعني بالأولويات هنا هو من حيث الواجب والأهمية والدعوة وليست أولويات زمانية ومرحلية منفصلة (فالبناء والحماية يكون بالتوازي وفي وقت واحد لكن وفق هذه الأولوية وترتيب الأهمية).
إنها منهجية الأوامر قبل النواهي والواجبات قبل المحرمات وافعل قبل لا تفعل.
فالأوامر والواجبات وافعل هي منهجية البناء وهي الأعم الأغلب في الدين
والنواهي والمحرمات ولا تفعل منهجية الحماية وهي الأقل في الدين
وبشارة الله للطائعين بالجنة ليست أقل من نذارة الله للعاصين بالنار
“إنا ارسلناك بالحق بشيرا ونذيرا” … قدم البشارة على النذارة
إنها منهجية البناء بالوحي قبل الحماية به
فالاهتمام بالسور الحامي دون وجود بناء شامخ جهل بالأولويات والمنهجيات الشرعية المفترضة أن تكون.
(المصدر: رابطة علماء أهل السنة)