من الصحابة الكرام … البراء بن مالك (رضي الله عنه)
بقلم: د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)
إنه الصحابي البراء بن مالك بن النضر (رضي الله عنه) أخو خادم رسول الله ﷺ أنس بن مالك (رضي الله عنه)، وأحد الأبطال الأقوياء، بايع تحت الشجرة، وشهد أحدًا وما بعدها من الغزوات مع رسول الله ﷺ، عاش حياته مجاهدًا في سبيل الله، وكان شجاعاً مقداماً، وكان يكتب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فيه فيقول: لا تستعملوا البراء على جيش من جيوش المسلمين، فإنه مهلكة من المهالك، يقدم بهم (أسد الغابة، ابن الأثير، ج1 ص106).
ولما سار رسول الله ﷺ إلى الحديبية، سار البراء (رضي الله عنه) في معيته، وعندما أخذ المسلمون يبايعون رسول الله ﷺ بيعة الرضوان تحت الشجرة التقت يمينه بيمين الرسول الكريم وبايعه على الموت، ونزل قول الله عزّ وجلَّ: {لقد رضي اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشجرة}[الفتح: ١٨] (فرسان من عصر النبوة، ص482 – 483).
وشارك (رضي الله عنه) في حروب الردة وأظهر فيها بطولة فائقة، وها هو ذا يوم اليمامة يقف منتظرًا أن يصدر القائد خالد بن الوليد (رضي الله عنه) أمره بالزحف لملاقاة المرتدين، ونادى خالد: الله أكبر. فانطلقت جيوش المسلمين مكبرةً، وراح (رضي الله عنه) يقاتل أتباع مسيلمة الكذاب بسيفه، وهم يتساقطون أمامه قتلى؛ الواحد تلو الآخر، ولم يكن جيش مسيلمة ضعيفًا، ولا قليلاً، بل كان أخطر جيوش الردة، وقد تصدوا لهجوم المسلمين بكل عنف حتى كادوا يأخذون زمام المعركة، وتحولت مقاومتهم إلى هجوم، فبدأ الخوف يتسرب إلى صفوف المسلمين، فأسرع خالد بن الوليد إلى البراء بن مالك (رضي الله عنهم) قائلاً له: تكلم يا براء، فقام البراء، وصاح في المسلمين مشجعًا ومحفزًا لهم على القتال، فقال: “يا أهل المدينة، لا مدينة لكم اليوم، إنما هو الله وحده والجنة“. وركب فرسه واندفع نحو الأعداء، ثم حمل وحمل الناس معه، وأخذوا يقتلون أصحاب مسيلمة، فانهزم أهل اليمامة، فلقى البراء (رضي الله عنه) محكم اليمامة “قائد جيش مسيلمة“ فضربه البراء وصرعه (الإصابة في معرفة الصحابة، ج1 ص413 – 414).
ورجع البراء بن مالك وبه بضعة وثمانون جرحًا ما بين ضربةٍ بسيف أو رمية بسهم، وحمل إلى خيمته ليعالج، وقام خالد بن الوليد على علاجه بنفسه شهرًا كاملاً. وفي يوم “فتح تستر“ تحصن الفرس في إحدى القلاع، فحاصرهم المسلمون، فلما طال الحصار واشتد البلاء على الفرس، لجأ الفرس إلى وسيلة حيث استخدموا كلاليب من حديد معلقة في أطراف سلاسل ملتهبة محماة بالنار، يلقونها من حصونهم، فسقطت إحدى هذه الكلاليب على أنس بن مالك (رضي الله عنه)، فرآه البراء، فأسرع نحوه، وقبض على السلسلة بيديه، وأخذ يجرها إلى أسفل حتى قطعت، ثم نظر إلى يديه فإذا عظامها قد ظهرت وذاب اللحم من عليها، وأنجى الله أنس بن مالك بذلك (أصحاب الرسول، ج2 ص187).
واستدل المسلمون بعد أن طال الحصار على سربٍ يصل إلى وسط المدينة، فدعا أبو موسى الأشعري (رضي الله عنه) أمير الجيش البراء بن مالك (رضي الله عنه)، ليجمع جماعة يدخلون معه السرب لفتح الحصن من الداخل. استعان البراء بمُجزأة بن ثور وعدد من الرجال، فاستطاعوا الخلوص إلى جوف المدينة، وفتح باب الحصن (صفة الصفوة، ابن الجوزية، ص225).
فاقترب بعض الصحابة من البراء (رضي الله عنه) قائلين له: يا براء، أتذكر يوم أن قال الرسول ﷺ عنك: (كم من أشعث أغبر ذي طمرين، لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك) [أخرجه الترمذي برقم: 3854]. ثم طلب الصحابة منه أن يدعو الله لهم، فقال: أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم، اللهم ألحقني بنبيك (مصدر سابق، ص225)، ثم انطلق فركب فرسه، وهجم على الفرس، وقتل أحد كبارهم وهو “مرزبان الزأرة“ من عظماء الفرس، وفتح الله على المسلمين وانتصروا على الفرس، واستشهد البراء بن مالك (رضي الله عنه) في هذه المعركة بعد رحلة جهادٍ طويلة، وذلك سنة (20 هـ) في قول الواقدي، قتله الهرمزان.
وكان حسن الصوت يحدو بالنبيّ ﷺ في أسفاره، فكان هو حادي الرجال (أسد الغابة، ابن الأثير، ج1 ص106). وكانت وفاته في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه).
المراجع:
1- أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير، دار ابن حزم – بيروت، 1433هـ – 2012م، ط1.
2- صفة الصفوة، جمال الدين ابن الجوزي، تحقيق: خالد طرطوسي، دار الكتاب العربي – بيروت، 1433هـ – 2012م.
3- أصحاب الرسول، جمع وترتيب: محمود المصري، مكتبة أبو بكر الصديق، 1423هـ – 2002م، ط2.
4- الإصابة في معرفة الصحابة، ابن حجر العسقلاني، دار الكتب العلمية – بيروت، 1415هـ، ط1.
5- فرسان من عصر النبوة، أحمد خليل جمعة، مكتبة اليمامة للنشر – دمشق،1425هـ – 2005م، ط2.