“أُتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربطته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم عُـرج بي إلى السماء”، ذلك ما جاء في الحديث النبوي الشريف الذي رواه مسلم في صحيحه، حيث كان أول إشارة نبوية للقدسية التي يحملها المسجد الأقصى.
وهو ما يصدقه القرآن الكريم في سورة الإسراء: “سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله”، وهنا المكان المشار إليه هو (الأقصى) الذي انطلق منه النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) عارجاً إلى السماء، بعد إسراء من المسجد الحرام على دابته البراق، التي ربطها بحائط المسجد، الذي سُمّي لاحقاً “البراق” بسبب ذلك.
وحائط البراق اليوم أحد أهم المواقع الإسلامية التي يحاول الإسرائيليون وضع اليد عليها، بالرغم من تأكيد لجنة دولية مختصة بأنه من أملاك المسلمين، بالإضافة إلى المنطقة المحيطة به.
لكن محاولات الإسرائيليين لم تتوقف سعياً إلى تهويد الحائط، وقولهم بأنه الأثر المتبقي الأخير من هيكل سليمان المزعوم.
ويذهب الكثير من اليهود إلى هذا الحائط للصلاة عنده وأداء طقوسهم الخاصة، وهم يقفون أمامه حداداً منهم وحزناً على دمار وخراب هيكلهم المزعوم، لذلك فإن الحائط في أدبياتهم يعتبر “رمزاً دينياً وطنياً”، ويسعون من خلال السيطرة عليه إلى السيطرة على كل المسجد الأقصى وتدميره، ليقيموا فوقه الهيكل المزعوم.
في المقابل، فإن المسلمين بفلسطين والعالم لا يتنازلون عن الحائط، الذي يعتبر من أهم الأوقاف الإسلامية، والمواقع التي لها قدسية خاصة، وما يمثله لدى الفلسطينيين بشكل خاص، والمسلمين عامة، من رمزية دينية ووطنية لها قيمتها العظيمة.
– نزاعات على “البراق”
ووفقاً لذلك، فقد شهد التاريخ حوادث كثيرة دارت بين المسلمين واليهود في النزاع على الأحقيّة بهذا الحائط، أشهرها “ثورة البراق”، التي وقعت عام 1929، بعد أن سمح الانتداب البريطاني لليهود بالصلاة والبكاء والنواح عند هذا الحائط.
ونتيجة ذلك الصراع تأسّست لجنة دولية للفصل في نزاع المسلمين واليهود، وأصدرت اللجنة الدولية تقريرها الذي قدمته لعصبة الأمم عام 1930، واختتمته بأن “للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم الحق العيني فيه؛ لكونه يؤلّف جزءاً لا يتجزّأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف الإسلامي، وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط، وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة، لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي”.
وبرغم إقرار اليهود عام 1929 أمام اللجنة التابعة لمنظمة عصبة الأمم بأنهم لا يدعون حق ملكية حائط البراق، فإن إسرائيل لما احتلت المدينة القديمة في القدس عام 1967 بدأت بنفسها تزوير هوية المكان.
وعمد الاحتلال الإسرائيلي إلى هدم حي المغاربة الملاصق للجدار الغربي للمسجد الأقصى المبارك، فشرّدوا أهله بدعوى أن منطقة الحائط ملك لليهود منذ ثلاثة آلاف عام.
وأنشأ الإسرائيليون ساحة كبيرة أمام حائط البراق ليتجمعوا فيها للصلاة أمامه، واستولوا على مفاتيح باب المغاربة التي لا تزال معهم، ولذلك يعتبر باب المغاربة هو المدخل المعتاد لكل الاقتحامات التي ينفّذها اليهود في المسجد الأقصى.
وأسس الاحتلال “صندوق تراث حائط المبكى”، الذي يتبع مباشرة لمكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، وأُوكلت إليه عام 2004 مسؤولية القيام بشؤون ساحة البراق وما يُحفر فيها من أنفاق، وهو ما يخوّله بشكل غير قانوني تقديم كل المخططات التهويدية المقامة في ساحة البراق، التي منها بناء “مبكى” خاص بالنساء وسقف ساحة البراق.
وتواصل حكومة الاحتلال تزييف حقائق التاريخ بما تجريه من حفريات في ساحة البراق وأسفل الأقصى ونحت للحجارة وتزييفها، ونبش للمقابر الإسلامية وتجريفها، وإقامة المتاحف عليها، فضلاً عن أنها أعاقت دخول لجنة تقصي حقائق تابعة لليونسكو خاصة بالأنفاق التي تستهدف المسجد الأقصى.
وفي نوفمبر 2009، كُشف عن إيداع اللجنة اللوائية للتنظيم والبناء في القدس، مخططاً لبناء مركز ديني كبير يديره المتزمّتون اليهود، سيقام بالجهة الشمالية من ساحة البراق، وهو توسيع للمركز اليهودي الموجود في الساحة، والمسمّى “بيت شتراوس”، الذي تبلغ مساحته نحو 750 متراً مربعاً، لتصبح نحو 1750 متراً مربعاً موزّعة على أربعة طوابق.
وفي يونيو 2010، كشفت مصادر فلسطينية عن تشكيل إسرائيل لجنة خاصة لتنفيذ مشروع مخطط “بيت الجوهر” لإقامة مبنى مؤلف من ثلاثة طوابق بمحاذاة ساحة البراق على مساحة واسعة؛ ليضم متحفاً للديانة اليهودية، وتوسيع مركز ديفدسون اليهودي، المقام بمنطقة “الحديقة الأثرية” من الجهة الجنوبية لساحة البراق.
أما في يونيو 2012، فقد سمحت إسرائيل لمختلف المؤسسات التخطيطية في القدس المحتلة بالشروع في تنفيذ مخططات هيكلية، تقضي بتهويد تخوم الأقصى وساحة البراق بإقامة مراكز تهويدية وكنس وحدائق توراتية؛ لتضييق الخناق على المسجد، ضمن مخطط شامل لتمكين اليهود من ساحة البراق، مقابل إقصاء وتغييب الحضارة والتاريخ الإسلاميين عن المكان.
وشهد يوم العشرين من أكتوبر 2015، تجنّب الأمانة العامة للأمم المتحدة التعليق على بيان أصدرته المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) إيرينا بوكوفا، بشأن مشروع قرار عربي يؤكد الهوية الإسلامية لحائط البراق، ويعده أحد المواقع الإسلامية المقدسة من قبل المنظمة.
وقالت الأمانة العامة إن موقفها واضح بهذا الشأن؛ وهو ضرورة “المحافظة على الوضع التاريخي القائم للأماكن المقدسة”. بينما زعمت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن مشروع القرار العربي “يشوه التاريخ ويطمس علاقة الشعب اليهودي بأقدس مكان لديه”.
بدوره فإن عالم الآثار الصهيوني مئير بن دوف، يؤكد أن لا علاقة للحائط الغربي من المسجد الأقصى بهيكل اليهود، ويقول إن “حائط البراق” الذي يطلق عليه اليهود “حائط المبكى” ليس له قدسية، وليس له أي خصوصية في التقاليد اليهودية.
وفي السياق، يقول الكاتب والباحث ناهض زقوت، مدیر عام المركز القومي للدراسات والتوثیق، في كتابه “حائط البراق بین الحق الإسلامي والادعاء اليهودي”: إن اليهود حاولوا “بناءً على ما تقوله توراتهم إیجاد حق تاریخي ودیني لهم في القدس؛ من خلال الادعاء بأن حائط البراق یمثل جداراً في هيكل سليمان المدفون تحت المسجد الأقصى”.
وأشار الكاتب إلى أن التاریخ وعلماء الآثار لم يجدوا “أي أثر يهودي في محیط المسجد الأقصى أو الحرم القدسي الشریف، بل في كل أرض فلسطین لم تثبت لهم آثار”.
(المصدر: الخليج أونلاين)