
من أسماء الله الحسنى (الحق)
بقلم د. علي محمد الصلابي( خاص بالمنتدى)
“الحق” اسمٌ يُزلزل القلوب ويُحيّر العقول، ويُجلي الحقيقة التي لا مَحيص عنها، هو اسمٌ يُذكِّرنا بأن الله تعالى هو الثابت الذي لا يتغير، والصادق الذي لا يكذب، والمُطلق الذي لا يُحد، فكل حق في الوجود ينبع منه، وكل صدق في الكون يصدر عنه، يقول الله تعالى: {فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} (يونس: 32)، فالله هو الحق المطلق، وما سواه من الباطل، فهو زائل لا محالة. فإذا كان الله هو الحق، فكيف نلجأ إلى غيره؟ وكيف نتبع سوى طريقه؟
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره: (الحق) في ذاته وصفاته، فهو واجب الوجود، كامل الصفات والنعوت، وجوده من لوازم ذاته، ولا وجود لشيء من الأشياء إلا به، فهو الذي لم يزل ولا يزال بالجلال والجمال والكمال موصوفًا. ولم يزل ولا يزال بالإحسان معروفًا. فقوله حق، وفعله حق، ولقاؤه حق، ورسله حق، وكتبه حق، ودينه هو الحق، وعبادته وحده لا شريك له هي الحق، وكل شيء ينسب إليه فهو حق: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَن مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَن اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [الحج: ٦٢]، (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف: ٢٩]، (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) [يونس: ٣٢]، (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء: ٨١] (تفسير السعدي ٥/ ٤٩٢). وقد ذكر هذا الاسم في القرآن في عشرة مواضع.
ومن المعاني التي يتضمنها هذا الاسم الكريم من أسمائه سبحانه الحسنى:
- أنه له الوجود الحق، فالخلق كلهم يزولون ويفنون وهو سبحانه الحي الذي لا يموت، وهو الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا تعب ولا لغوب.
- وأن أسمائه سبحانه وصفاته كلها حق، فليس فيها شيء باطل لا في علمه ولا قدرته ولا عزته ولا حكمته، فهو الإله الحق الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته.
- وأنه هو الحق في ربوبيته وألوهيته فهو (الرب) الحق لكل مربوب وهو المعبود الحق لكل مألوه وعابد مربوب.
- وأن أفعاله سبحانه كلها حق ومقتضى الحكمة فخيره حق وشرعه حق، وقضاؤه حق وجزاؤه حق، والله أنزل الكتب بالحق وأرسل رسله بالحق، وخلق السماوات والأرض بالحق، وقضى الله تبارك وتعالى القصص بالحق، ووعد الله حق لا يتخلف، فنصره لأوليائه حق، والبعث بعد الموت حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، وكل ما وعد الله به فهو حق، لأنه صدر عن الحق سبحانه وتعالى، وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: خلق مخلوقاته بسبب الحق ولأجل الحق، وخلقها متلبس بالحق، وهو في نفسه (حق) فمصدره حق وغايته حق وهو متضمن للحق (قصة بدء الخلق، الصلابي، ص1087).
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا قام إلى الصلاة في جوف الليل قال: ” اللهم أنت الحقُّ، وَوَعْدُكَ الحقُّ، ولقاؤكَ حَقٌّ، وقَولك حَقٌّ، والجنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ حَقٌّ، والنَّبيُّونَ حَقٌّ، ومحمدٌ حَقٌّ، والساعةُ حَقٌّ ” [البخاري ومسلم].
مراجع:
- النور الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، علي حجازي، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 2008م.
- شفاء العليل، ابن القيم.
- قصة بدء الخلق، علي محمد الصلابي، طبعة دار ابن رجب.
إقرأ أيضا:من السيسي إلى ابن سلمان.. لماذا يصطف الجامية مع الطغاة؟!