من أسباب حسن الخاتمة
بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)
حُسن الخاتمة هو أن يُوفَّق العبد قبل دُنوِّ أجله؛ للابتعاد عمّا يُغضِب الله سبحانه وتعالى، والتوبة إليه من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات، والقيام بأعمال الخير، ثمّ يكون موته على هذه الحالة الحسنة وهناك أسبابٌ يُسْتَدلُّ به على حسن الخاتمة منها :
1 ـ إقامة التوحيد لله جلّ وعلا:
إنّ إقامة التوحيد في قلبِ المسلم يجني ثماره في حياته، وعند موته، وفي قبره، ويوم حشره، ويكون سبباً في دخول جنات ربه ورضوانه، قال رسول الله (ﷺ): « فإنّ الله حرَّم على النارِ مَنْ قالَ لا إلهَ إلاّ الله يبتغي بذلك وَجْهَ الله» (الصادق ،2002، 2 / 978)
2 ـ الاستقامة:
الاستقامةُ أعظمُ كرامةٍ، وسببٌ عظيم في حُسن الخاتمة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ*﴾ [الأحقاف: 13] .
والاستقامة كلمةٌ جامعةٌ، اخذةٌ بمجامع الدين، قال الصدّيُق لما سئل عنها: «أنْ لا تشركَ باللهِ شيئاً» فأرادَ بها الاستقامةَ على محضِ التوحيد، وقال عمر بن الخطاب: الاستقامةُ أن تستقيمَ على الأمرِ والنهي، ولا تروغَ رَوَغانِ الثعالب (ابن كثير، 2000، 1 / 665)
3 ـ التقوى:
قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ *﴾ [آل عمران: 102] وحَقَّ تقاته أن يطاعُ فلا يُعصى، وأن يذكر فلا يُنسى، وأن يَشْكُرَ فلا يُكفر (الصادق ،2002، 2 / 980)
وأصل التقوى: أن يجعل العبدُ بينه وبين مَنْ يخافه ويحذَرَه وقايةً تقيه منه، فتقوى العبدِ لربه أن يجعلَ بينه وبين ما يخشاه من ربِّه من غضبه وسخطه وعقابه وقايةً تقيه من ذلك، وهو فعل طاعته، واجتناب معصيته (أيوب، 1982، ص112)
فالتقوى سببٌ للخروج من كلِّ ضيق، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2 ـ 3] ولا شك أنّ العبدَ عند السكراتِ يكونُ في ضيق وشدة، فتكونُ التقوى سبباً لنجاته .
والتقوى سببٌ لتيسير السكرات على العبد المؤمن، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا *﴾ [الطلاق: 4] .
والتقوى سببٌ للنجاة من المهالك، قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا *ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقُوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا *﴾ [مريم: 71 ـ 72] .
وهي سببٌ لدخول الجنة، قال تعالى: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا *﴾ [مريم: 63] .
4 ـ الصدق:
قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ*﴾ [التوبة: 119] وقال رسول الله (ﷺ): «ما يزالُ الرجلُ يَصْدُقُ ويتحرَّى الصدقَ، حتّى يكتبَ عند اللهِ صدّيقاً »
الصدقُ أساسُ بناءِ الدين، وعمودُ فسطاطِ اليقين، مَنْ لم يكن معه الصدقُ فهو من المنقطعين الهالكين، ومنْ كان معه الصدق أوصله إلى حضرة ذي الجلال، وكان سبباً في حُسن خاتمته وطيب المال.
5 ـ التوبة:
قال تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*﴾ [النور: 31] .
وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ [التحريم: 8] .
وقال رسول الله (ﷺ): «إنّ الله عزّ وجلّ يَقْبَلُ توبةَ العبدِ ما لم يُغَرْغِرْ»( المصري،2005، ص42)
وقال رسول الله (ﷺ): «إنّ الله عز وجل يبسطُ يدَه بالليل ليتوبَ مسيءُ النهار، ويبسطُ يدَهُ بالنهارِ، ليتوبَ مسيءُ الليلِ حتى تطلعَ الشمسُ مِنْ مغربها»
وأما عن شروط التوبة فهي ستة:
- الشرط الأول: الإقلاع عن الذنوب .
- الشرط الثاني: الندم على فعل تلك الذنوب .
- الشرط الثالث: العزمُ على أنْ لا يعودَ إليها أبداً .
- الشرط الرابع: الإخلاصُ في التوبةِ .
- الشرط الخامس: التحلُّلَ مِنَ المظالمِ، لقوله (ﷺ): «مَنْ كانَ لأخيه عندَه مظلمةٌ مِنْ مالٍ أو عِرْضٍ فليتحلّلْهُ اليومَ قَبْلَ ألاّ يكونَ دينارٌ ولا درهمٌ إلا الحسناتُ والسيئاتُ»
- الشرط السادس: أن تقع التوبة قبل الدخول في سياق الموت، قال رسول الله (ﷺ): «إنّ الله يقبلُ توبةُ العبدِ ما لم يُغَرْغِرْ»
6 ـ الدعاء:
كان من دعاء الصالحين أن يتوفّاهم الله حين انقضاء اجالهم، وهم متمسكون بالطاعات، ملازمون لها، ومجانبون للمعاصي، مفارقون لها، مصاحبون للأبرار، معدودون في زمرتهم، مجافون للفجار، حائدون عن صحبتهم، وفي ذلك يقول عنهم المولى عز وجل: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ *﴾ [آل عمران: 193] .
لقد كان ذلك مطلب يوسف رضي الله عنه حين دعا ربه عند انقضاء أجله ؛ وذهاب عمره ؛ أن يميته على الإسلام، ويثبّته عليه( العفاني، 2000، 1 / 61)
قال تعالى: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخرة تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ *﴾ [يوسف: 101] .
مراجع البحث:
علي محمد الصلابي، سلسلة أركان الإيمان، الإيمان باليوم الآخر، دار المعرفة، بيروت، 1432ه-2011م صص51-55
الأمين الصادق، الثبات على دين الله، رسالة دكتوراه جامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية، 1423ه-2002م
ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، دار ابن حزم،1420ه-2000م
حسن أبوب، رحلة الخلود، دار الندوة الجديدة، بيروت، 1403ه-1982م
محمود المصري، رحلة إلى الدار الأخرة، مكتبة الصفا، القاهرة، 1426ه-2005م.
سيد حسين العفاني، سكب العبرات للموت والقبر والسكرات، دار ماجد عسيري، 1420ه-2000.