مقالاتمقالات مختارة

ممالك النار

ممالك النار

بقلم محمود صقر

عمل درامي تاريخي يتناول صفحة من تاريخ الدولة العثمانية بإنتاج عربي، بلغت تكلفته أربعين مليون دولار وحُشِد له لفيف من نجوم الدراما اللامعين.
ظهرت رسالته التي يريد توصيلها للمشاهد من خلال عرضه الترويجي الذي لخص الرسالة في تلك العبارة: (قانون دموي حكم إمبراطورية.. فأصبح لعنة تطاردهم)
إذاً هو عمل موجه ينتقي صفحة حمراء من كتاب تاريخ الدولة العثمانية، والتي بدورها تمثل صفحة من التاريخ الإسلامي.
وكتاب التاريخ لأي أمة وشعب فيه صفحات بيضاء بلون التقدم والازدهار والانتصارات، وصفحات سوداء بلون القهر والظلم والفتن، وصفحات حمراء بلون دماء الحروب والصراعات.
وقد يكون مفهوماً أن تحاول أمة كشف الغبار عن صفحة بيضاء في كتاب تاريخها وتقدمه لأجيالها الحاضرة، وتُصدِّرَه لغيرها من الأمم، وهذا ما تفعله معظم الأمم، ولكن المثير للدهشة أن تنشغل أمة وتنفق من أموالها في سبيل تسويد صفحات تاريخ أمة غيرها، وتزداد الدهشة إذا كان بينها وبين هذا الغير جوار وعقيدة وتاريخ مشترك.!
وتلك الرسالة المرسلة للمشاهد العربي من خلال هذا العمل الدرامي تثير عدة أسئلة:
هل هذا العمل بعيد عن حملة تشويه منظم لتاريخ أمتنا الإسلامية وانتقاء صفحاته السود والحمر ووضعها في صدارة خطابنا الإعلامي بل والتعليمي والثقافي؟
هل هو بعيد عن تبييض صفحة الوجود اليهودي في البلاد العربية كما تتناوله حديثاً الدراما العربية؟
هل هو بعيد عن إظهار صورة المتدين بصورة الشيطان المخادع والإرهابي المحتمل في أحسن أحواله؟
هل هو بعيد عن خطاب الكراهية الموجه مذهبياً وطائفياً وقومياً وحتى سياسياً؟
ولماذا رحبت قنواتنا الإعلامية العربية بمسلسل “حريم السلطان” وضاقت ذرعاً بمسلسلات “محمد الفاتح” و”قيامة أرطغرل”؟!
إنها حلقة متصلة لمحاصرة العقل العربي وتوجيه بوصلته إلى القطيعة مع تاريخه وتراثه وعقيدته، إلى احتقار ذاته والارتماء عارياً على قارعة طريق العولمة والغزو الثقافي، إلى القطيعة مع إخوته في العقيدة وشركائه في صناعة تاريخه.
هذا المقال ليس دفاعاً عن صفحة من تاريخ، ولا دولة من دول، بل هو دفاع عن أمة أريد لها أن تُقطِّع أوصالها بأيديها، وأن توجه بوصلتها في الاتجاه الذي يريده أعداؤها.. ودفاعاً عن عقول أريد استلابها وتضليلها تحت سطوة العواطف والمشاهد الدرامية، لتتوه في دروب العداوة بينها وبين إخوتها في العقيدة، ودروب القطيعة بينها وبين تاريخها وتراثها وعقيدتها.
إنها محاولة لإضاءة بقعة وعي في نفق الغيبوبة المظلم.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى