ملخص قصّة الحياة التي تضمنتها صُحف إبراهيم (عليه السلام) كما عرضها القرآن الكريم
بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)
ذكر القرآن الكريم صُحف إبراهيم (عليه السلام) في موضعين من القرآن الكريم ببعض ما تضمنتها؛ الموضع الأول في سورة النجم، والثاني في سورة الأعلى، وذكر المفسرون أنها صحائف أنزلت على إبراهيم عليه السلام، وقال ابن عاشور بأنها الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم المذكورة في قوله: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}، ثم قال: وهي صحف سجل فيها ما أوحى الله إليه، واختلف في عددها، فقيل: هي عشرة صحائف، وقيل عشرين صحيفة ويذكر ابن عاشور أنها عشرة صحائف. (صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام من خلال القرآن والسنة، ص42)
وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)} ]الأعلى:18[، وهذا يعني أن إبراهيم عليه السلام كان صاحب كتاب فتكون الكتب التي أنزلها الله سبحانه وتعالى على رسله، والتي ذكرت في القرآن الكريم خمسة كتب، وهي حسب التسلسل الزمني: صحف إبراهيم، والتوراة والزبور والإنجيل والقرآن، وتكون صحف إبراهيم عليه السلام أول ما نزل من الكتب، قال الطبري رحمه الله: وأما الصحف: فإنها جمع صحيفة، وإنما عُنى بها كتب إبراهيم وموسى عليهما السّلام. (ملة أبيكم إبراهيم، عبد الستار كريم المرسومي، ص188)
وبيّن القرآن الكريم بعضاً مما كان في تلك الصحف، وذلك في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)} ]الأعلى:14-19[.
لقد اختار الله سبحانه من صحف إبراهيم – عليه السّلام – هذه الكلمات؛ ليجعلها في القرآن الكريم قدوة اتباع ملة إبراهيم عليه السلام في أمور من الأهمية بمكان في هذا المنهج، فلقد جاء فيها.
- قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}:
فلا يمكن الوصول إلى الله سبحانه وتعالى بغير نفس زكية نقية، و{مَنْ تَزَكَّى}: أي تطهر بالإيمان وصالح الأعمال بعد التخلي عن الشرك والمعاصي.
ولهذا كان من دعاء النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم: اللهم آتِ نفسي تقواها وزكّها أنت خير من زكّاها أنت وليّها ومولاها.
وقد تكون بمعنى الصدقة سواء كانت المفروضة منها أم التطوع وفيها: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}، فإن أفضل الأعمال قاطبة هي ذكر الله سبحانه وتعالى، والذكر يكون على كل حال ماشياً وجالساً، وفي حال الأكل والشرب، ولبس الثياب، وقبل النوم، وعند هبوب الريح، وعند ركوب الدابة، وعند النظر للقمر، وفي كل تفاصيل الحياة. (أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، أبو بكر الجزائري، 5/559)
- قوله تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}:
كان ذلك أيضاً في صحف إبراهيم عليه السلام، فالصلاة عماد الدين ونور اليقين وهي الحبل الموصول بين العبد وربه سبحانه وتعالى، فلا غنى عنها، ولا حياة دونها، ولم يسقطها الله سبحانه وتعالى لا عن نبيّ مقرب، ولا عن عبد فقير، ولا عن مريض، ولا كبير، ومن صحف إبراهيم استلم بقية الأنبياء الرسالة، ومارسوا الصلاة بمعناها العام سواء كان المقصود منها الدعاء أو العبادة التوقيفية من القيام والركوع والسجود وتلاوة كلام الله سبحانه وتعالى.
وعندما تكون الصلاة المعنية في قوله سبحانه وتعالى في صحف إبراهيم عليه السّلام {فَصَلَّى} هو الدعاء، فسيكون المعنى قد أفلح من دعاء ربه، والدعاء لبُّ العبادة وأساسها في ملّة إبراهيم عليه السلام، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن الدعاء هو العبادة، فمن أجل ذلك كان الدعاء يرافق إبراهيم عليه السلام في كل أحواله، وكان إبراهيم في كل أحواله يدعو ربه بأدعية صارت قبساً لاتباع ملته يدعون بها إلى يومنا هذا، وقد حفظ القرآن الكريم لنا ذلك النور الرباني من أدعيته الخاشعة العظيمة.
وأما عندما تكون الصلاة هي العبادة التوفيقية، فقد كان إبراهيم عليه السلام قد دعا بها بقوله: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} ]إبراهيم:40[ وهي دعوة جليلة تأتي من أهمية الصلاة، فقد كان قوله إبراهيم عليه السّلام في دعائه ربّه أن يجعله ربه {مُقِيمَ الصَّلَاةِ}، فإقامة الصلاة على مراد الله هو المطلوب، وليس الصلاة فحسب. (ملة أبيكم إبراهيم، عبد الستار كريم المرسومي، ص192)
- قوله تعالى:{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)}
أخبرت صحف إبراهيم – عليه السّلام – بأنه رغم الإشارات إلى دور الإنسان الإصلاحي في الأرض والبشارات لمن عمل صالحاً والوعيد للكافرين والظالمين والفاسقين، وأن الحنيفية هي الميل من الباطل إلى الحقّ والمداومة على ذلك الحق، إلا أن الإنسان سيميل ويقدم الحياة الدنيا على كل ذلك – إلا من رحم ربك- وسيؤثر الحياة الدنيا ويركن إليها، وهو مأمور بأن لا تكون هذه الدنيا هدفه، وغاية مُناه؛ لأنها دار فناء وليس بقاء، وما هي إلا لهو ولعب، قال تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} ]العنكبوت:64[.
ثم يقول القرآن الكريم أن من الأمور المهمة في صحف إبراهيم عليه السلام هو الحديث عن الدار الآخرة في قوله: {وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} والكلام عن الحياة الآخرة تأتي أهميته كونه من الأمور الاعتقادية التي لا يصلح الإيمان ولا الإسلام إلا بها، ففي صحف إبراهيم عليه السلام الدار الآخرة تختلف عن الدار الدنيا بأمرين:
- الأمر الأول: أنها خير منها:
وهذا أمر بدهيّ، ولكن بالنسبة للمؤمن فحسب، فتراه يعمل بعمل أهل الآخرة ولا يفعل شيئاً يغضب الله تعالى، وهذه الأفضلية والخيرية لا تقارن، فنعيم الحياة الآخرة كبير جداً وعظيم جداً وكثير جداً بالنسبة لما في الدنيا، وربما حتى هذه الكلمات لا تفي، فيقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: مَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما عَلَيْهَا.
- الأمر الثاني: أن الحياة الآخرة {أَبْقَى} من الدنيا:
فهي حياة باقية لا تزول، فمن كان في الجنة ومن كان في النار فهم خالدون فيها، فإخبار القرآن بأهل الجنة خالدون فيها أكثر من أن تحصى، فمنها قوله تعالى: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} ]آل عمران:15[، وأما أهل النار فهم أيضاً في النار، فيقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)} ]النساء:168-169[، وقوله تعالى في أهل النار: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} ]النحل:29[.
وقد جاء ما يدل أن هناك معان أخرى في صحف إبراهيم وموسى، كما ذكر الله ما فيها في سورة النجم في قوله تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ (55) هَٰذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَىٰ (56) } ]النجم:37-56[.
قال الشيخ عطية سالم: فهذه كانت مما جاء في صحف إبراهيم عليه السلام، وهذا يؤيد أن أكثرها أمثالاً ومواعظ، كما يؤكد ترابط الكتب السماوية.
وقول الشيخ السعدي: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ} هذا المدّعي: {بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)}: الذي قام بجميع ما ابتلاه الله به وأمره به من الشرائع وأصول الدين وفروعه، وفي تلك الصحف أحكام كثيرة من أهمها ما ذكره الله بقوله: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} أي كل عامل له عمله الحسن والسيء، فليس له من عمل غيره وسعيه شيء ولا يتحمل أحد من أحد ذنباً.
وقوله: {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى}: في الآخرة فيميز حسنه من سيئه {ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} أي: المستكمل لجميع العمل الحسن الخالص بالحسنى، والسيئ الخالص بالسوأى، والمشوب بحسبه، تقرأ بعدله وإحسانه الخليفة كلها، وتحمد الله عليه حتى إن أهل النار ليدخلون النار، وإن قلوبهم مملوءة من حمد ربهم، والإقرار له بكمال الحكمة ومقت أنفسهم وأنهم الذين أوصلوا أنفسهم وأوردوها شرّ الموارد.(تفسير السعدي “تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان”، ص1738)
وقوله: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى}: أي إليه تنتهي الأمور وإليه تصير الأشياء والخلائق بالبعث والنشور وإلى الله المنتهى في كل حال، فإليه ينتهي العلم والحكم، والرحمة وسائر الكمالات.
وقوله: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى}: أي هو الذي أوجد أسباب الضحك والبكاء وهو الخير والشر، والفرح والسرور، والهم والحزن وهو سبحانه له الحكمة البالغة في ذلك.
وقوله: {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا}: أي هو المنفرد بالإيجاد والإعدام والذي أوجد الخلق وأمرهم ونهاهم، سيعيدهم بعد موتهم، ويجازيهم بتلك الأعمال التي عملوها في دار الدنيا.
وقوله: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ} فسرهما بقوله: {الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى}، وهذا اسم جنس شامل لجميع الحيوانات ناطقها وبهيمها، فهو المنفرد بخلقها {مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى}، وهذا من أعظم الأدلة على كمال قدرته وانفراده بالعزّة العظيمة، حيث أوجد تلك الحيوانات صغيرها وكبيرها من نطفة ضعيفة من ماء مهين، ثم تممها وكمّلها حتى بلغت، ثم صار الآدمي منها، إمّا إلى أرفع المقامات في أعلى عليين، وإمّا إلى أدنى الحالات في أسفل سافلين، ولهذا استدل بالبداءة على الإعادة فقال: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى} فيعيد العباد من الأجداث ويجمعهم ليوم الميقات ويجازيهم على الحسنات والسيئات.
وقوله:{وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى}: أي أغنى العباد بتيسير أمر معاشهم من التجارات وأنواع المكاسب من الحِرف وغيرها، {وَأَقْنَى} أي: أفاد عباده من الأموال بجميع أنواعها ما يصيرون به مقتنين لها ومالكين الكثير من الأعيان وهذا من نعمه تعالى، أن أخبرهم أن جميع النعم منه، وهذا يوجب للعباد أن يشكروه ويعبدوه وحده لا شريك له.
وقوله:{وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى}: وهو النجم المعروف بالشعرى العبور، المسمّاة بالمرزم، وخصها الله بالذكر وإن كان هو رب كل شيء، لأن هذا النجم مما عُبد في الجاهلية، فأخبر تعالى أن جنس ما يعبد المشركون مربوب مدبر مخلوق، فكيف يتخذ مع الله آلهة. (تفسير السعدي “تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان”، ص1739)
وقوله: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى}: وهو قوم هود عليه السلام حين كذّبوا هوداً، فأهلكهم الله بريح صرصر عاتية.
وقوله:{وَثَمُودَ}: قوم صالح عليه السلام أرسله الله إلى ثمود فكذبوه، فبعث الله إليهم الناقة آية، فعقروها وكذّبوه فأهلكهم الله تعالى {فَمَا أَبْقَى} منهم أحداً بل أبادهم عن آخرهم.
وقوله:{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى} من هؤلاء الأمم، فأهلكهم الله وأغرقهم.
وقوله:{وَالْمُؤْتَفِكَةَ}: هم قوم لوط عليه السلام {أَهْوَى} أي: أصابهم الله بعذاب ما عذّب به أحداً من العالمين، قلب أسفل ديارهم أعلاها وأمطر عليهم حجارة من سجيل، ولهذا قال: {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} أي: غشيها من العذاب الأليم الوخيم ما غشي، أي: شيء عظيم لا يمكنه وصفه.
وقوله:{فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى}: أي فبأي نعم الله وفضله تشك أيها الإنسان، فإن نعم الله ظاهرة لا تقبل الشك بوجه من الوجوه، فما بالعباد من نعمة إلا منه تعالى، ولا يدفع النقم إلا هو.
قال الشنقيطي في تفسير قوله تعالى: {وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ}: لم يبين هنا هذا الذي أنزل إلى إبراهيم ولكنه يبين في سورة “الأعلى” أنه صحف وأن من جملة ما في تلك الصحف {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)}.
وقال ابن عاشور في تفسيره: وقوله: {فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا}، وتعريف: {الْكِتَابَ}: تعريف الجنس، فيصدق بالمتعدد، فيشمل صحف إبراهيم، وصحف موسى وما أُنزل بعد ذلك، {وَالْحِكْمَةَ}: النبوءة، و “الملْك”: هو ما وعد الله إبراهيم أن يعطيه ذريته وما آتى الله داود وسليمان وملوك إسرائيل. (تفسير التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، 5/ 89)
ومن خلال الآيتين اللتين ورد ذكر الحديث فيهما عن صحف إبراهيم عليه السّلام يفهم أن فيها القواعد العامة، التي لا بدّ أن تعيها البشرية في مختلف العصور، كقاعدة الثواب والعقاب، وأن الإنسان يحاسب بعمله، فيعاقب بذنوبه وأوزاره، ولا يؤاخذ بجريرة غيره، ويثاب بسعيه وليس بسعي غيره.
أما من خلال الآيات التي وردت في سورة الأعلى، فيفهم أن فيهما الحث على تزكية النفس وبيان أن الفلاح الحقيقي لا يتحقق إلا بتزكية النفس بالطاعة لله والعبودية له وإيثار الآجل على العاجل، فأخبر الله عزّ وجل عن بعض ما جاء في هذه الصحف من وحيه الذي أنزله على رسوله إبراهيم وموسى – عليهما السّلام – والعلم عند الله. (صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام من خلال القرآن والسنة، عمر عبد الوهاب محمود، ص24)
ملاحظة هامة: استفاد المقال مادته من كتاب: ” إبراهيم عليه السلام خليل الله”، للدكتور علي محمد الصلابي.
المراجع:
- أبو بكر الجزائري، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية ط5، 1424هـ، 2003م.
- فخر الدين الرازي، التفسير الكبير “مفاتيح الغيب” (تفسير الرازي)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط 2، 1417هـ/ 1997م.
- عمر عبد الوهاب محمود، صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام من خلال القرآن والسنة، مجلة كلية العلوم الإسلامية، العراق، المجلد (11)، العدد (1/19)، 2019م.
- عبد الستار كريم المرسومي، ملة أبيكم إبراهيم، دار المعراج للنشر والتوزيع، دمشق، ط1، 2021م.
- علي محمد الصلابي، إبراهيم عليه السلام داعية التوحيد ودين الإسلام والأسوة الحسنة، دار ابن كثير، 1442هـ/ 2021م، ص 711-716.