مقالاتمقالات مختارة

ملامح المشروع السياسي لطالبان

ملامح المشروع السياسي لطالبان

بقلم كرم الحفيان

أغرى ثبات طالبان الطويل العجيب في مواجهة تحالف دولي عريض تقوده أمريكا، أغرى كثيرا من الدراسات لمحاولة فهم هذه الظاهرة، ومن بين محاور هذا الفهم محور المشروع للحركة، الذي يمثل أحد أهم أسباب هذا الثبات، لمحاولة استجلائه واستعراض أهم ملامحه وتفاصيله، لا سيما وأن بعض الدراسات والتقارير الصادرة عن مراكز التفكير ووسائل الإعلام (لاسيما الأمريكية) حاولت حشره في دائرتين لا ثالث لهما: التبعية لباكستان[1] أو الحضانة للقاعدة[2]، وسنختبر في هذه الدراسة صدق هذه الدعاوى.

بدايةً لابد من الإشارة إلى ثلاث مقدمات ضرورية في تصور المشروع السياسي للحركة:

أولاً: دخول طالبان لعالم السياسة كان عفوياً بعد سيطرتها على الحكم في كابول، ولم يسبقه أي دراسة نظرية أكاديمية أو تنظير فكري سياسي من قادة الحركة.

ثانياً: لم يحدث أي تغير ملحوظ في لب المشروع، المتمثل في التمسك باستقلالية وإسلامية أفغانستان، إنما ازداد اطّلاع الحركة على الواقع السياسي الإقليمي والعالمي، وطوّرت أداءها وأدواتها في التعامل معه، وهو ما سنتعرف عليه في هذه الدراسة.

ثالثاً: التغير الذي طرأ على سياسة الحركة كان جله في النواحي الاجتماعية والإعلامية التي كان الأصل فيها التشديد والمنع كإلزام الرجال باللحى والنساء بالنقاب وعدم خروجهن إلا بمحرم وتحريم التصوير وحظر التلفاز الخ.. الخ..، وتفاصيل هذا التغيير لا يقطع في مجال هذه الدراسة.

يمكن تحديد عشرة ملامح رئيسة لمشروع طالبان السياسي، خمسة منها تتعلق بالسياسة الداخلية، والخمسة الأخرى تتعلق بالسياسة الخارجية، على هذا النحو:

المحور الأول: السياسة الداخلية

أولا: سياسة طالبان تجاه النظام السابق

والمقصود بالنظام السابق: النظام الشيوعي الحاكم قبل وفي ظل وعقب الاحتلال السوفييتي لأفغانستان من 1978م إلى 1992م، والذي بدأت فلوله بالتقاط أنفاسها وتجميع قوتها، والتسلسل أو التشبث ببعض مفاصل الحكم الحساسة (خاصةً العسكرية والمخابراتية) نتيجة تصارع الأجنحة داخل “حكومة المجاهدين” المُشَكَّلَة إبان انهياره، وقبل بروز الطالبان. ومن أبرز الأمثلة، الجنرال الشيوعي الشهير عبد الرشيد دستم[3] أحد أركان النظام السابق وقادة الجيش، الذي تحالف بدايةً مع رموز الجمعية الإسلامية[4]: رباني ومسعود[5]، ثم انقلب عليهم، وتحالف مع زعيم الحزب الإسلامي حكمتيار[6]، والجمعية والحزب هما المنظمتان الأبرز في حقبة مقاومة السوفييت والحكومة الشيوعية، وهما قطبا الصراع في الحكم في الفترة السابقة لظهور طالبان.

إضافةً إلى استمرار جهاز المخابرات الأفغاني “الخاد” في العمل بنفس التركيبة والهيكلة رغم تغير أغلب الأشخاص والكوادر، وقد كان “دولة داخل الدولة”، وفشلت حكومة المجاهدين في اختراقه أو حله[7]. كذلك وقف “جزء من الشيوعيين مع منظمة وجزء منهم آخر مع منظمة أخرى، وبدأوا يشعلون فتيل الحرب من جديد في أفغانستان”[8].

وبعد تحرك طالبان كقوة اجتماعية عسكرية عفوية في مواجهة: الانفلات الأمني وانتشار جرائم قطع الطرق، والاقتتال الواسع العريض بين مكونات الحكم، وسيطرتها على غالب أفغانستان، ووصولها لمشارف كابول، جاء في مقدمة مطالبها السياسية التصحيحية من حكومة المجاهدين: “لا نريد أحداً من النظام الشيوعي السابق في الحكم”، وكان الرد “نتفق معكم على ضرورة عدم وجود أناس من النظام السابق في الحكم، ولكن هذه دولة تمتلك عتاداً عسكرياً ضخماً من طائرات ودبابات وصواريخ ومدافع وليست تنظيماً صغيراً يقوده عسكري يسلمك أسلحته عندما تطلب منه ذلك”[9].

وبعد احتدام الصراع بين طالبان وحكومة المجاهدين، وإثر انسحاب الأخيرة من كابول ودخول طالبان لها، أخرجت طالبان (في الليلة ذاتها وفي واحدة من أول أفعالها) نجيب الله الرئيس الشيوعي السابق اللاجئ بمقر الأمم المتحدة مع أخيه شهبور مدير جهازه الأمني، وأعدمتهما ميدانياً[10]. ثم قامت في المراحل اللاحقة “بتصفية كوادر الشيوعيين، الذين فرَّ معظمهم من البلد، واستتر صغارهم خائفين مراقبين محصورين”[11].

ثانيا: الهوية الإسلامية والنظام الإسلامي

تأتي سياسة طالبان في إقصاء كوادر النظام الشيوعي والقضاء عليهم في كافة المجالات العسكرية والثقافية ضمن سياق رؤيتها الإستراتيجية في الحفاظ على الهوية الإسلامية، ولا يمكن حصرها فقط في الصراع السياسي مع السلطة القديمة، فهي لم تقبل كذلك مشاركة الحكم مع أتباع الثقافة الغربية، سواءً أيام حكمها في تسعينيات القرن الماضي، أو خلال مفاوضات إنهاء وجود القوات الأجنبية التي تخوضها حالياً في 2019م مع المحتل الأمريكي، بعد قرابة ثمانية عشر عاماً من القتال والكفاح العسكري والسياسي المتواصل.

ذكر ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان “الإمارة الإسلامية” من ضمن أسباب رفض طالبان الوفاق مع مسؤولي الحكومة الأفغانية الحالية أنهم “من المثقفين الذين تأثروا بالفكر الغربي”، إضافةً إلى انضمامهم للمستعمر ووضعهم “أنفسهم في خدمته طمعاً في الأموال والمناصب العالية”[12].

في المقابل، ضمت طالبان لصفوفها الكثير من كوادر الأحزاب الأفغانية الإسلامية الأخرى[13]، وحافظت على قنوات للصلح والتشارك مع ألد خصومها من أصحاب التوجه الإسلامي، فخلال حكمها، دخلت في مفاوضات مباشرة مع مسعود بغية الوصول لتوافق ما، يُمنح بموجبه مراكز في القطاع المدني أو السياسي[14].

ومنذ أن تحولت الحركة لكيان ذي أهداف سياسية، بعد نجاحها في إزالة ظواهر: قطع الطرق وفرض الإتاوات والاعتداءات على المدنيين والاقتتالات الداخلية الواسعة، وبعد أن لاقت ترحيباً من قطاعات عريضة من الشعب الأفغاني، منذ ذلك الحين، وبالرغم من المتغيرات الميدانية والسياسية الكثيرة داخلياً وخارجياً، تصرح الحركة دائماً أن هدفها هو إقامة نظام إسلامي.

فبعد مبايعته حاكماً على البلاد وأميراً لإمارة أفغانستان الإسلامية من 1500 عالم وداعية في اجتماع حاشد في أبريل 1996م، أعلن الملا عمر عن أهداف الحركة التي تتلخص في: إقامة الحكومة الإسلامية وأسلمة القوانين والاقتصاد والتعليم وكافة النواحي[15].

وفي بيانه الأخير بخصوص عيد الفطر في يونيو 2019م، وضّح المولوي هيبة الله الأمير الجديد لطالبان الهدف من قتال ومفاوضة أمريكا: “إنهاء الاحتلال وإقامة النظام الإسلامي في هذا البلد”[16].

ثالثا: مشروع الأغلبية الدينية والعرقية

يشكل المسلمون السنّة 90% من تعداد سكان أفغانستان مع وجود أقلية شيعية تقارب 10%، وأعداد قليلة جداً من السيخ[17]، وتمثل حالة طلبة العلوم الدينية “الملالي” وعلمائهم “المولوية” التيار الديني العام السائد في البلاد مقارنةً بالجماعات الحركية (الإخوان المسلمين)، ونظراً لولادة حركة طالبان من رحم تيار الملالي، وفي عمق مناطق قبائل البشتون التي تمثل غالبية داخل الغالبية السنية (التي تضم الطاجيك والأوزبك وغيرهم) فإن مشروع طالبان يمثل غالبية الغالبية الثقافية والعرقية في أفغانستان.

فالثلاثة الذين تعاقبوا على قيادة طالبان: المؤسس الملا عمر، والملا آختر منصور، والمولوي هيبة الله الأمير منذ 2016، والقادة البارزون في الحركة من البشتون[18]، وخلال مدة حكمها كان “المسؤولون في الإمارة جميعهم من عرق البشتون” باستثناء “وزير التعليم ونائبه من الأوزبك”[19]، “والوزراء جميعاً من قيادات الحركة، وكذلك مديرو الإدارات الرئيسية في كل وزارة” وجميعهم “إما ملا وإما مولوي من رجال طالبان، أما الرجل التالي له فكان الفني أو المختص من العاملين بالموقع”[20]، إن “سياسة الطالبان هي تعيين مولوية في الوظائف والمديريات الأساسية واستبقاء هؤلاء الموظفين لحين تدريب مزيد من الطلبة على إدارة الدولة”[21].

والبشتون هم الحكام التقليديون لأفغانستان منذ قيامها 1747م[22] وصولاً إلى رجل الغرب الملك ظاهر شاه (1933م -1973 م)، والرئيس الشيوعي التابع للسوفييت نجيب الله 1987)م -1992 م)[23]، وهو من أعدمته طالبان سبتمبر1996م، والحركة وإن لم “تقدم نفسها على أنها تمثل الأغلبية البشتونية” إلا أنه “في واقع الأمر وحقيقته هو كذلك”[24].

رابعاً: الالتزام القُطري

خلال ربع قرنٍ مضى، هو عمر طالبان في حقبتي الحكم ثم مقاومة الاحتلال الأمريكي، تصر طالبان على أن نطاق تدخلها السياسي وعملها العسكري لا يتجاوز الأرض الأفغانية، وهي لم تقم ولن تقوم بأي عمل عسكري خارج حدود أفغانستان، “ولم تضر الإمارة الإسلامية أحداً من ذي قبل، ولا تضر أحداً الآن ولا مستقبلاً”[25].

وهي لا تفتأ تؤكد أنها لا تسمح لأحدٍ باستخدام أراضيها لشن هجمات خارجية[26]، قال الملا محمد عمر في بيان عيد الفطر 1433هـ – 2012م: “والإمارة الإسلامية تطمئن العالم بأنّها لا تسمح لأحد باستخدام أراضيها ضدّ الآخرين”، وفي السابق، نبهت ضيفتها القاعدة كثيراً إلا أن الأخيرة “تجاهلت كل هذه الأمور وضربت بها عرض الحائط” كما ذكر أبو حفص الموريتاني مفتي القاعدة المعارض لتوجه قادة القاعدة في هذا الشأن[27].

وفي أثناء المفاوضات الجارية لترتيب الانسحاب الأمريكي، جددت طالبان تعهداتها لجميع الدول بمنع أي هجوم أو تهديد انطلاقاً من أفغانستان، قال ذبيح الله مجاهد المتحدث الرسمي باسم طالبان في حوار صحفي مطلع 2019م: ” لدينا مطلب أساسي، وهو رحيل قوات الاحتلال عن بلادنا. وكذلك الأسرى الذين سجنتهم القوات الأجنبية ظلماً وعدواناً، نريد إطلاق سراحهم. وأفغانستان ليست تهديداً لأحد ولا يسمح الأفغان لأحد أن يجعل بلادهم تهديداً للآخرين[28].

وهذا على الرغم من مشاركة أكثر من أربعين دولة في غزو أفغانستان وضرب طالبان، إضافةً إلى تعاون جل دول الجوار مع المحتل الأمريكي، وتنسيق بعضها أمنياً وعسكرياً معه، إلا أن جميع ما سبق لم يدفع طالبان لتغيير استراتيجيتها العسكرية، والتخلي عن سياستها في حصر العمل المسلح داخل حدودها، وسيمر معنا جوانب وتفاصيل هامة لهذه الاستراتيجية ونتائجها ضمن محاور السياسة والعلاقات الخارجية.

خامسا: وطنية المشروع

لا يكاد يخلو خطاب أو بيان تأسيسي في الأهداف والمشروع السياسي لطالبان من مصطلحات المصالح والآمال والقيم “الوطنية” جنباً إلى جنب مع الشريعة والنظام والأصول “الإسلامية”. ومفهوم الوطنية عند طالبان يندرج تحته أربعة معان أساسية:

  • الصبغة الأفغانية الخالصة
  • وحدة واستقلال الأرض الأفغانية
  • تقدير الأعراف الأفغانية
  • نبذ الصراعات الطائفية

أكد الملا عمر في أحد رسائله الهامة 2012م على سعي طالبان لأن يكون المصير السياسي للبلد “ذو صبغة أفغانية وإسلامية خالصة”[29]، وهو ما عززته الحركة لاحقاً في 2016م بنفيها وعدم حاجتها لوجود مقاتلين غير أفغان ضمن صفوفها: “لقد أعلنت الإمارة الإسلامية مرات بأن الآن لا يوجد مقاتلين أجانب في صفوفها”[30]، وذلك في سياق ردها على تقرير أممي زعم وجود عدد كبير من المجاهدين غير الأفغان، وبينت طالبان أن هذه الادعاءات لا تصب إلا في مصلحة الاحتلال الأمريكي والحكومة العميلة له[31].

أما موضوع احتضان طالبان للقاعدة، وغيرها من الجماعات الجهادية العربية والآسيوية، في فترات سابقة، فلم يكن الأمر انصهاراً أو اندماجاً، ولم تتحول طالبان إلى حركة متعددة الجنسيات، أو جماعة ذات أجندة عالمية، إنما كان الأمر عبارة عن إيواء وإجارة من ضاقت بهم السبل، وأصبحوا مطلوبين من حكوماتهم، أو مطاردين دوليين، وسنفصل أكثر عند الكلام عن تفاعل طالبان مع الحركات الإسلامية المختلفة في الملمح الأخير من هذه الدراسة.

وفيما يخص استقلال ووحدة الأرض والشعب الأفغاني قال الملا عمر: “إنّ استقلال أفغانستان وإقامة النظام الشرعي فیها هما من القیم التي لن تساوم علیها الإمارة الإسلامیة” وحذر مخططي تقسيم أفغانستان قائلاً: “الإمارة الإسلامية بمعاونة الشعب الأفغاني لن تسمح لأحد أن یطبّق هذا المشروع المشؤوم، أو أن یُقسّم البلد علی أساس العرق أو الإقليم أو غیره”، وعدّد من ضمن أهداف الجهاد أن تكون “أفغانستان داراً لجميع الأفغان، وليسكنوا فیها جمیعاً في جوٍّ من الوحدة”[32].

ومخطط التقسيم كاد يتحقق قبيل ظهور طالبان منتصف تسعينيات القرن الماضي[33]، وترى الحركة أن دستور البلاد ينبغي “ألا يكون فيه مادة او بند ضد الأصول الإسلامية والمصالح الوطنية والأعراف الأفغانية”[34].

وبالرغم من وقوع قتال عنيف بين طالبان السنية وأحزاب شيعية أفغانية معارضة لها وموالية لإيران أثناء حكم الحركة، وحتى بعد اجتياح وسيطرة طالبان على الكثير من معاقل الشيعة وأهمها ولاية باميان، فإنها لم توسع القتال وتستهدف عموم الأقلية الشيعية، وكان خطابها وتوجهها ودياً ومطمئناً تجاههم، ونزعت فتيل صدام سني شيعي كانت تخطط له أمريكا، التصرف الذي أثار إعجاب المنظر الجهادي المعروف أبي مصعب السوري[35].

ومؤخراً، في نفس السياق، ذكر ذبيح الله مجاهد محاولة أمريكا والدوائر الاستخباراتية “تكرار تجربة العراق في أفغانستان” عبر “إشعال الخلافات العصبية والتناحر فيما بين المذاهب في المجتمع الأفغاني” إلى أن قال: “ونحن نعاهد الله ونطمئن شعبنا بأنّنا مثلما قمنا وصمدنا أمام المحتلين سنقوم في وجه كل فتنة تشعل فتيل الخلافات العصبية والمذهبية والقومية”[36].

وشهد عام 2016م، مفاجأة للجميع، حيث انضمت إلى طالبان مجموعات شيعية مقاتلة في ولاية باميان عقر دار الطائفة الشيعية في أفغانستان[37].

المحور الثاني: السياسة الخارجية

أما ملامح السياسة والعلاقات الخارجية للحركة فتنطلق من النزعة الاستقلالية المتأصلة في مشروع طالبان، والذي يعتمد استراتيجية طول النفس في مواجهة التحديات والخصوم التي تتفوق عليه في القوة، ويتوازى هذا مع دبلوماسية متوازنة تحاول إنشاء علاقات ودية مع كافة الأطراف كما تعمل على استثمار الفرص من خلال المساحات المتولدة من التناقضات الدولية. ويمكن تبين سياسة طالبان الخارجية عبر هذه الملامح الخمسة:

سادسا: “تصفير” المشاكل والتحالف مع دول الجوار

لأفغانستان حدود مع ست دول مختلفة: باكستان، إيران، الصين، والجمهوريات السوفيتية سابقاً أوزبكستان وطاجيكستان وتركمنستان، وقد حرصت طالبان منذ بداية حكمها على بناء علاقات إيجابية مع الجميع، وهذه من أكثر الملامح ثباتاً في سياسة طالبان، على اختلاف طبيعة العلاقة ونوعها مع كل طرف.

وسنكتفي هنا باستعراض العلاقات مع الدول الثلاث الأهم والأكثر تأثيراً وتأثراً: باكستان الحليف الإستراتيجي والعمق الثقافي والعرقي، إيران الخصم الثقافي والمذهبي (والشريك السياسي ضد أمريكا لاحقًا)، والصين العملاق الاقتصادي والمنافس العالمي في المنطقة.

1. باكستان

استفادت طالبان كثيراً من الدعم الرسمي الباكستاني، دون أن تتحول لتابع، يشهد على ذلك مواقف كثيرة أشهرها: تدمير تماثيل بوذا في مارس 2001م، رغم محاولة باكستان “منع تدمير تماثيل بوذا في باميان”، وكذلك رفضها توسط باكستان في تسليم بن لادن لأمريكا، وأن هذا الأمر لا يعني “سوى أفغانستان والولايات المتحدة الأمريكية” كما جاء على لسان الملا عمر[38].

ومن أبرز عوامل التوازن في علاقة طالبان بباكستان، هو حاجة الأخيرة الماسّة لصداقة صاحب النفوذ في أفغانستان، ليكون “عمقاً إستراتيجياً بمواجهة الخصم الهندي”[39] العدو الإستراتيجي الأخطر لباكستان، والجار الإيراني المنافس الإقليمي والثقافي، والدول الثلاثة نوويّة.

وفي المقابل، وعلى امتداد تجربتها، لم تصطدم طالبان بباكستان ولو كلامياً، بغض النظر عمن يحكم باكستان، ومهما كانت أفعاله، فباكستان هي الرئة الأساسية لطالبان، “ناهيك عن التشاطر العرقي والجغرافي الذي يمكنها ويخولها التواصل مع العالم الخارجي، ومع عمقها البشتوني في مناطق القبائل وأبعد من مناطق القبائل الباكستانية، وفوق هذا عمقها المدرسي الممثل بالمدارس الديوبندية الحنفية التي تمثل خزانها التجنيدي ومرجعيتها الفكرية والدينية”[40].

فعند وصول الجنرال مشرف التابع أمريكياً، والمتطرف علمانياً للرئاسة، إثر انقلابه العسكري 1999م، حافظت طالبان على العلاقة معه ومع نظامه[41]، وأبقت على سفارتها الموجودة هناك.

وبعد أن خضعت باكستان للحملة الأمريكية العسكرية على أفغانستان 2001م، وفتحت لها مطاراتها وأراضيها، و”ترافق التعاون الاستخباراتي الباكستاني – الأميركي ضد طالبان مع تسليم قيادات طالبانية أفغانية، إن كان على مستوى السفير الأفغاني في باكستان يومها عبد السلام ضعيف، وهو أشهر شخصية طالبانية بعد الملا محمد عمر زعيم الحركة، إلى تسليم الملا عبد الغني برادرز وهو نائب زعيم حركة طالبان… بالإضافة إلى قيادات طالبانية أخرى”، رغم ذلك كله، صمتت طالبان ولم يصدر عنها حتى بيان تنديدي[42].

انشغلت طالبان بتجميع وتنظيم فلولها، ثم ركزت على “الجهد العسكري وتحديداً الضربات النوعية المستهدفة للقوات الأجنبية”[43]، إلى أن “عادت باكستان وبقوة لدعم طالبان سرياً، وهي التي باتت ترى تنامي النفوذ الهندي والإيراني”[44]، ساعدها في ذلك “خفة الضغط الأمريكي.. نتيجة انشغاله بما هو أهم وأحدث وهو العراق”[45].

وبشكل عام استمر الدعم واستمر التحالف مع باكستان إلى يومنا هذا، ورفضت طالبان أفغانستان الاعتراف بحركة طالبان باكستان أو أن تكون امتداداً لها، وهي حركة وليدة ذات قيادة وفكر وسياسة مختلفة عن طالبان أفغانستان، وقد دخلت في مواجهة مفتوحة مع الجيش الباكستاني، نأت عنه طالبان افغانستان، واستمرت على استراتيجيتها وحلفها مع باكستان[46].

2. إيران

لا يخفى على متابع الخلاف الفكري والبغض الكبير بين طالبان السنية وإيران الشيعية، وفي الفترة الأولى لحكم طالبان حاولت أمريكا عبر بعض الدول التابعة لها استدراج طالبان لحرب مع جارتها إيران وضرب عدة عصافير بحجر واحد، إلا أن طالبان تنبهت لهذا المخطط، وكانت سياستها ودية مع إيران[47]، ولا يسعنا هنا إلا تذكر سيناريو الحرب العراقية الإيرانية زمن صدام حسين.

“وعلى الرغم من تدخل إيران السافر في أفغانستان وتوريط الشيعة الأفغان وتأسيس عدة أحزاب شيعية متشددة تابعة لها.. وتدخل الحرس الثوري في الحرب”[48] الدائرة بين طالبان وتحالف الشمال الذي يضم أحزاب الشيعة، وحتى بعد نجاح طالبان في اجتياح معقل الشيعة الأهم باميان، فإن طالبان حافظت على سياستها المتعقلة وتصريحاتها الباردة تجاه إيران[49].

من جهة ثانية، أثناء انتزاع طالبان مدينة مزار شريف من المعارضة الأفغانية، هاجمت القنصلية الإيرانية وقتلت ثمانية دبلوماسيين إيرانيين، فكادت إيران تشن حرباً على طالبان لولا تدخل مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي وقوله: “نحن لا نقع في هذا الفخ”[50]، بيد أنه بعد أحداث سبتمبر، انحنت إيران للعاصفة الأمريكية ضد طالبان، وفتحت لها مجالها الجوي، وتعاونت معها في إسقاط حكم طالبان. إلا أن هذا التعاون لم يدم طويلاً بعد سقوط نظام طالبان، بل انقلب مع ازدياد النفوذ الأمريكي بأفغانستان، وهي ساحة هامة في المواجهة الأمريكية الإيرانية.

ففي السنوات الأولى من الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، استغلت طالبان تخوف ايران من حرب أمريكية محتملة عليها، ودشَّنت تحالفاً جديداً معها، وتلقت منها أسلحة وعتاداً عثر عليها في ميادين القتال 2007م[51]، ثم طورت ووسعت ووطدت هذا الحلف مع تقدمها ميدانياً وسيطرتها على مناطق كثيرة، فأعربت في منتصف 2013م عن نوعية العلاقة التي تريدها بين أفغانستان وإيران: “إيران دولة إسلامية، ولها حدود مشتركة مع أفغانستان، ويسكن هناك أكثر من ميلوني مهاجر أفغاني، وهي غنية بالنفط، وتتمتع باقتصاد جيد، ولها ساحل مع البحر، وهي دولة مهمة على مستوى المنطقة والعالم، هذه هي تلك الوجوه التي تقرب بين الدولتين بل وتجبر كلتا الدولتين أن تكون بينها معاملات حسنة في إطار المصالح الشعبية وحسن الجوار، وأن تكون لهما علاقات سياسية واجتماعية واقتصادية[52].

وبعد أن أدركت إيران ضرورة العمل مع حركة طالبان من باب الواقعية السياسية، أصبحت لا تراها “حركة إرهابية”، وصرح وزير خارجيتها ظريف: “يجب أن يكون لطالبان دور في أفغانستان بالمستقبل”[53].

ومؤخراً اشار ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان إلى تحسن العلاقات مع سائر الجيران (بمن فيهم إيران) ضمن تقدم غير مسبوق في العلاقات الخارجية، داعياً الجميع لدعم جهاد الشعب الأفغاني ضد المحتل الأمريكي[54].

3. الصين

لأفغانستان حدود ضيقة وصغيرة مع الصين، ولكنها هامة جداً من الناحية الاقتصادية، إذ تشكل ممراً تجارياً هاماً للصين إلى أسواق ضخمة في الشرق الأوسط والخليج العربي، ومن خلالها يتم تأمين وصول النفط والغاز من إيران.

وقد سعت طالبان إبان سيطرتها على الحكم “لعلاقات جيدة مع الصين توازن الضغوط الأمريكية”[55]، وهو ما نجحت فيه بالفعل، بالرغم من استضافتها مجموعة تركستانية مسلحة معارضة للحكومة الصينية، إلا أنها طمأنت الصين أنها لا تتدخل في شؤونها الداخلية، ولا تسمح لأحد باستخدام أراضيها ضدها. وقد طلبت من قادة التركستان “وقف برنامجهم العملي ضد الصين.. فالتزموا ذلك”[56]، وعندما “أرسلت الصين وفداً رفيع المستوى يطالب الملا عمر بتسليمهم مقابل إنشاء المرافق الحيوية للعاصمة” رفض الملا عمر “إخراج أي مسلم التجأ إلى بلاده”[57].

قال عبد السلام ضعيف سفير طالبان بباكستان: “أما سفير الصين، فكان الوحيد الذي يقيم علاقات جيدة مع السفارة وأفغانستان، وقد طلب السفر إلى أفغانستان ومقابلة أمير المؤمنين، فتوليت تدبير الرحلة وتسهيلها.. عبّر السفير عن قلق حكومته إزاء الشائعات بأن إمارة أفغانستان الإسلامية تساعد المسلمين في شيشنيانغ، وهي دولة إسلامية سابقة، أما الآن فهي جزء من الصين وتشهد صراعاً مسلحاً بين مجموعات إسلامية مقاومة والحكومة المركزية، فطمأنه الملا عمر أن أفغانستان لا تتدخل في شؤون الصين الداخلية، ولا تسمح لأي مجموعة أن تستخدم أراضيها للقيام بأي عمليات تدعم ما يحدث في شيشيانغ”[58].

وبالرغم من توتر العلاقات الصينية الطالبانية لفترة محدودة إثر: تدمير طالبان لتماثيل بوذا، والغزو الأمريكي لأفغانستان إذ دارت الصين وقتها (كجل الدول) في الفلك الأمريكي، فإن الصين كانت الدولة الوحيدة غير باكستان، التي حافظت على علاقات مستمرة ومباشرة مع قادة طالبان[59]، وتميزت هذه العلاقات بأنها جيدة[60]، وهو ما كُلل مؤخراً باعتراف الصين بطالبان كقوة سياسية أفغانية[61].

إذن، فخلاصة السياسة الطالبانية الخارجية تجاه دول الجوار هي كما شرحها الملا عمر في بيان هام في 2009م: “إن إمارة أفغانستان الإسلامية تؤمن بإقامة علاقات ثنائية إيجابية مع جميع الدول في إطار من الاحترام المتقابل، وتريد فتح باب جديد للتعاون الشامل معها في مجالات التنمية الاقتصادية وحسن الجوار، إننا نعتبر المنطقة كلها بمثابة  بيت واحد في مقاومتها للاستعمار”[62]، وهو ما أكّده ذبيح الله مجاهد بعد سبع سنين بقوله: “إن الحقيقة الواضحة أن خطر استمرار الاحتلال الأمريكي لأفغانستان هو تهديد أكبر لجميع المنطقة، تتضرر منه الصين وروسيا وإيران وباكستان وسائر دول المنطقة، وتبقى المنطقة تحترق في أتون الحرب المدمرة. ونحن نعتقد أنه لو ساد في المنطقة فكر يتسبب بهزيمة أمريكا وفضيحتها في أفغانستان، لكانت هذه خطوة جيدة”[63].

سابعا: العلاقة مع الدول الغربية

إذا ما انتقلنا إلى ما وراء الدول الحدودية سندخل في السياق الدولي، بداية بروسيا ثم أمريكا وأوروبا.

1. روسيا

لطالبان مع روسيا قصة دراماتيكية من ثلاثة فصول، ولم تزل بعد مستمرة:

في الفصل الأول جسّدت طالبان دور المقاومة العسكرية في مواجهة المحتل السوفييتي في ثمانينيات القرن الماضي، وهي وإن كانت لم تتشكل بعد كحركة سياسية فاعلة، بيد أنها كانت تياراً دينياً محافظاً منتشراً خاصةً في ولايات الجنوب والشرق الأفغاني، وقد شارك هذا التيار في الجهاد ضد السوفييت بقوة، وعند بداية تشكل حركة طالبان كان “جيشها الأول وأفرادها الأولون وقادتهم وطليعة هذه الحركة كلهم من المجاهدين القدامى”[64].

ثم بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، ووصول طالبان للسلطة، استمرت الخصومة بين روسيا وطالبان، وأخذت شكلاً جديداً تمثل بالدعم الروسي العسكري والمعنوي لتحالف الشمال المناوئ لطالبان[65]، وبتأييد عقوبات الأمم المتحدة عليها[66].

على الطرف المقابل، دعمت طالبان الشيشان المستقلة حديثاً عن روسيا، والمتحاربة معها. الدعم كان سياسياً بالاعتراف باستقلالها، ولوجستياً بتوفير معسكرات التدريب التي طلبها زليم خان رئيس الشيشان السابق من الملا عمر، والتي هدفت لتجميع وتدريب المجاهدين الساعين للدفاع عن استقلال الشيشان، وضرب الروس من الخلف[67].

أما في الفصل الثالث الذي بدأت أحداثه من بضع سنين، وفي سياق التعافي الجزئي لروسيا وسعيها لإثبات ثقلها العالمي، وتمددها السياسي والعسكري الجديد في العديد من القضايا والملفات الإقليمية والعالمية (أوكرانيا- فلسطين- سورية- أفغانستان)، ومع قلقها من سعي أمريكا لتثبيت قواعد عسكرية دائمة في أفغانستان، والتقاء مصالح طالبان معها في مقاومة النفوذ الأمريكي[68]، انقلب العداء لحلف وأصبحت روسيا من أبرز داعمي طالبان، سواءً على صعيد الشرعية السياسية من خلال: دعوة طالبان للمؤتمرات التي تنظمها من حين لآخر حول القضية الأفغانية، والاعتراف بها طرفاً سياسياً أفغانياً، أو عبر تزايد الأنباء عن تقديمها دعماً عسكريا[69].

2. أوروبا وأمريكا

أما فيما يخص العلاقات مع الدول الغربية، وفي مقدمتها أمريكا، فلم تتبن طالبان يوماً مشروع المواجهة العسكرية العالمية، أو التفجيرات والهجمات التي تستهدف مواطنيها، ولم ترفع كذلك شعارات سياسية كـ “الموت لأمريكا”، إنما كان مشروعها الذي انطلقت به، وعملت عليه، والتزمته إلى لحظة كتابة هذه السطور، هو بناء أفغانستان وحريتها وإسلاميتها.

جاء في بيان الإمارة الإسلامية في مؤتمر بحثي عُقد في فرنسا: “إن الإمارة الإسلامية من واقع التعاون الثنائي والاحترام المتبادل تطلب التعامل مع دول العالم ودول المنطقة، ولم تضر الإمارة الإسلامية أحداً من ذي قبل، ولا تضرر أحداً الآن ولا مستقبلاً”[70].

وجاء في بيان آخر في الذكرى الحادية عشر لأحداث سبتمبر: “اغتناماً لهذه المناسبة تعلن الإمارة الإسلامية للعالم بأسره بما فيه أمريكا هذا الموقف بكل وضوح: أننا لسنا تهديداً لأحد”[71]، وفي موطن آخر: “الأفغان عشاق للدين والوطن، ابتداءً من إسكندر إلى الاحتلال الأمريكي الحالي فمن غزا بلادهم وتجاوز على قيمهم الإسلامية والوطنية فهم خرجوا لمقابلته بأموالهم وأنفسهم.. الأفغان غير ملوثين في أعمال تخريبية في أي بقعة من العالم ضد أي حكومة أو شعب”[72].

وقال الملا عمر: “إنّنا سنحافظ علی العلاقات الحسنة مع كلّ جهة تحترم أفغانستان كدولة إسلامية ذات سیادة مستقلّة، ولا تكون علاقاتها ومناسباتها بأفغانستان ذات الصبغة السلطوية الاستعمارية”[73].

وفي هذا السياق يمكن فهم سبب رفض طالبان تسليم التركستان للصين أو بن لادن لأمريكا وما شابه.

فأمريكا أرادته تسليماً دون نقاش، وطالبان أرادت أدلة الإدانة، كي تتم محاكمته، قال المولوي أمير خان مفاوض الأمريكان وقتها: “تعالوا أنتم أيها الأمريكيون تقدموا بملفكم في المحكمة، فإن كنتم لا تثقون بمحاكم الإمارة، ليأت علماء ثلاث بلاد إسلامية للتحكيم، وإن كنتم لا تثقون بتحكيم العلماء، وترونه خطرا عليكم، ليأت المؤتمر الإسلامي ويقضي في ذلك، سنجلس أسامة في مكان، ونقرر عليه حرسا، ونجرده من السلاح. ثم يجري حل القضية، لكنهم لم يسمعوا كلمة واحدة منّا”[74]، وهنا رفضت طالبان التسليم وبررته أن “هذا الأمر يهدد استقلال جميع الدول وسيادتها”[75].

ويمكن الاطلاع على المزيد من التفاصيل حول سير المفاوضات وعروض طالبان الأخرى في فصل “قضية أسامة” من كتاب “حياتي مع طالبان” للملا عبد السلام ضعيف أحد قادة ومؤسسي طالبان البارزين.

ثامنا: التعامل المتحفظ مع الأمم المتحدة وقوانينها

انطلاقاً من إدراكها للضرورة السياسية والاقتصادية لتحصيل اعتراف قانوني دولي، سعت طالبان مراراً وتكراراً، أثناء فترة حكمها، بعد سيطرتها على غالب الأرض الأفغانية في التسعينيات، للحصول على مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة، “وأرسلت الحركة الحاكمة في كابل وفداً رفيع المستوى إلى نيويورك لإقناع الأطراف المعنية بحقها في شغل هذا المقعد”[76]. وتقدمت بطلبات متكررة رغم الرفض المتكرر و”بقي مسؤولو طالبان يقدمون للأمم المتحدة اعتمادات يرون انها تؤهلهم لشغل مقعد أفغانستان، ومن ذلك سيطرة الحركة على 90 في المائة من الأراضي الأفغانية”[77] إلا أن “الطالبان في طلبهم للأمم المتحدة ذيلوا طلبهم باشتراط أن لا تلتزم حكومة طالبان بأي قرار أو بند يتناقض مع الشريعة الإسلامية”[78].

في هذه النقطة، تختلف سياسة طالبان عن الاتجاهين المنتشرين عند أغلب الجماعات الإسلامية المعاصرة (التي حازت سلطة ولو جزئية)، الاتجاه الأول يرى ضرورة الانضمام والعمل ضمن الهيئات الإقليمية والدولية، والالتزام الكامل بقوانينها من باب الإكراه السياسي والحاجة الواقعية، وهذا الاتجاه تمثله جماعة الإخوان المسلمين وجل أفرعها.

والاتجاه الثاني يرفض الانضمام لهذه الهيئات، ويرى أن مجرد الانضمام لها كفرٌ مخرج من الملة، لأن مواثيقها مخالفة للشريعة الإسلامية، وقراراتها غالباً ما تكون ضد قضايا المسلمين، وهذا الاتجاه تتبناه التنظيمات السلفية الجهادية بمختلف تشكلاتها، وتعتبره من الثوابت العقدية.

أما الخط الثالث الذي نهجته طالبان سابقاً، ومازالت تتمسك به، فهو “تواصل العلاقات مع الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية”، و”كذلك تعلن للجميع أنها تحترم جميع القوانين والمواثيق العالمية في ضوء تعاليم الدين الإسلامي”[79]، “نحن لا نخالف الأعراف الدولية والمعايير الإنسانية التي لا تخالف الإسلام، بل نؤيدها ونسعى في تطبيقها”[80].

وهذا على الرغم من “لا إسلامية” الأمم المتحدة والهيئات الإقليمية والدولية الأخرى، وقراراتها المنحازة غالباً ضد قضايا الشعوب والأقليات المسلمة، بل وضد طالبان أنفسهم.

وفي سياق مفاوضات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، طالبت طالبان الأمم المتحدة برفع أسماء قادتها من القائمة السوداء كشرط ضروري لإنجاح المفاوضات: “إن كانت منظمة الأمم المتحدة، وأعضاء مجلس الأمن وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد بالحل السلمي لقضية أفغانستان؛ فإن إنهاء القائمة السوداء أمر حتمي وضروري من أجل بقاء مشروع المفاوضات والتفاهم ونجاحها”[81].

وطوال مسيرتها، ترى طالبان ضرورة هذه الأغطية القانونية لإيجاد مساحة للاتفاقات الاقتصادية والتنموية، والتحالفات العسكرية، والمنابر والقنوات الإعلامية، والتحركات الدبلوماسية، لتستثمر ذلك كله في تحويل انتصاراتها العسكرية لمكاسب سياسية صلبة، في ظل: موازين القوى العالمية، والحروب الطويلة الشرسة، وتضارب مصالح الدول العظمى والإقليمية.

تاسعا: العلاقة مع الدول العربية

في بداية حكمها، سعت طالبان لإقامة علاقات أخوية مع الدول الإسلامية[82]، إلا أنه لم يُعترف بها كسلطة شرعية حاكمة ويفتح لها سفارات إلا السعودية والإمارات! واكتفت قطر بالعلاقات الودية مع الحركة، دون الاعتراف الرسمي[83].

1. الإمارات

عوامل اقتصادية، وعامل سياسي (يخص كل طرف) جمعت بين طالبان والإمارات، ومازالت تدفعهما للتواصل؛ فالإمارات كانت منفذ العمالة الأفغانية ومنفذ الخطوط الجوية الأهم لطالبان في الشرق الأوسط، وفي 2001م بلغ عدد الأفغان المقيمون في الإمارات مئة ألف 100000، أضف إلى ذلك، أن الإمارات تحولت لمركزٍ هامٍ لاستثمارات طالبان وقنوات تمويل غير رسمية، إبان سيطرتها على الحكم، فضلاً عن وجود بعض المصالح والمشاريع الاقتصادية الإمارتية التي تحتاج تأميناً داخل أفغانستان، الأمور التي شكلت أهمية اقتصادية للطرفين.

أما العامل السياسي الإماراتي، فهو السعي لترويض طالبان، والتوسط بينها وبين أمريكا في قضية تسليم بن لادن، الأمر الذي لم تقبله طالبان بالصيغة الأمريكية (سنذكر التفاصيل بعد قليل)، وبالنسبة لطالبان فما يهمها هو كسر العزلة السياسية والدبلوماسية.

وبالرغم من تبني الإمارات للسياسات الأكثر عداء تجاه كافة الحركات الإسلامية إبان الثورات العربية، إلا أنه للعوامل الاقتصادية والسياسية السابقة، وبعد التقدم الكبير لطالبان عسكرياً في مواجهة الاحتلال الأمريكي، حاولت الإمارات استعادة علاقاتها الجيدة بطالبان عام 2011م، بعد تدهورها منذ 11 سبتمبر 2001، وسعت لإقناعها بفتح مكتبها السياسي في أبو ظبي بشرط نبذ “العنف السياسي”، والقبول بالدستور الأفغاني الحالي، وإدانة القاعدة.

بيد أن طالبان رفضت، وفضلت عرض قطر لخلوه من هذه الشروط، الأمر الذي أغضب القيادة الإمارتية[84]، ولكن أبقى الطرفان على خيوط للعلاقة المهمة بينهما، واستضافت الإمارات أحد اللقاءات التفاوضية بين طالبان وأمريكا ديسمبر 2018م[85].

2. قطر

من جهة ثانية، تطورت علاقة طالبان مع قطر تدريجياً، وأصبح مكتبها السياسي هناك عنوانها الأبرز في الخارج، ومركزاً لعلاقاتها الخارجية، ومنطلقاً لجولاتها الدبلوماسية المكوكية[86]، ولصفقات تبادل الأسرى، وأشهرها إخراج 5 من كبار قادة الحركة من معتقل غوانتنامو في مقابل جندي أمريكي[87].

3. السعودية

بجانب الإمارات، اعترفت السعودية بحكومة طالبان، وكان بينهما “روابط حسنة”، حافظت عليها طالبان مع “قلب العالم الإسلامي لاحتضانها الحرمين والأماكن المقدسة”. والسياسة السعودية تجاه طالبان اهتمت بملفين، الأول: استدراجها لحرب مع إيران[88]، والثاني: تسليمها بن لادن، وقد فشلت في الاثنين.

وبعد رفض طالبان تسليم السعودية بن لادن ومطلوبين آخرين، جمدت السعودية علاقاتها بطالبان 1998م، ثم قطعتها في أعقاب أحداث سبتمبر[89].

هذا على الصعيد الرسمي، أما على الصعيد الشعبي، فقد استمرت قنوات الدعم المالي الخاصة، خلال مواسم الحج والعمرة في السنين التالية لاحتلال أمريكا لأفغانستان، عبر لقاءات بين مسؤولين من طالبان وأثرياء وشيوخ ومؤسسات محلية، إضافةً إلى داعمين من دول أخرى.

يرى البعض، أن السلطات السعودية غضت الطرف عن دعم طالبان غير الرسمي، في إطار مصالحها الاستراتيجية الذاتية، وتسويقها لنفسها كوسيط لا غنى عنه، وفي سعيها لاحتواء منافسها الإيراني في وسط وجنوب آسيا، عبر بناء جدار من “التطرف السني”. وفي المقابل، نفت السلطات السعودية هذه الاتهامات، وصرحت أنه لا يمكنها السيطرة على أو التحقق من ملايين المسلمين الذين يأتون للحج كل عام، وطالبان غالباً ما يتنقلون بجوازات سفر باكستانية مزورة بأسماء افتراضية، وهم غير معروفين للسلطات السعودية[90].

ومؤخراً، في عهد بن سلمان، تبنت السعودية استراتيجية جديدة مزدوجة المسارات لدفع طالبان لإلقاء السلاح والقبول بالتسوية السياسية مع الحكومة الأفغانية التابعة لأمريكا:

  • عزل طالبان عن داعميها ومناصريها، ومن ذلك اشتراطها لقطر إغلاق المكتب السياسي لطالبان قبل عودتها للبيت الخليجي، وضغطها على إيران لفك حلفها مع طالبان، وعلى باكستان لقطع علاقتها بطالبان.
  • تقسيم طالبان لمعتدلين ومتشددين، واستقطاب من يقبلون التسوية السياسية منهم[91].

وإلى الآن، لم تظهر أي علامة لنجاح هذه الاستراتيجية أو أحد مساريها، بل على العكس، تتقدم طالبان ميدانياً، وتتماسك تنظيمياً وإدارياً، وتتمسك بشروطها سياسياً من الخروج الكامل للاحتلال، وعدم تدخله في شكل النظام القادم[92].

واللافت للنظر، أنه على الرغم من جهل طالبان السياسي (في بداية حكمها) بتركيبة ودور وخبرة أنظمة عربية كثيرة في حرف مسار الحركات الإسلامية، إما إلى التسوية والاستسلام، أو إلى العزلة والصدام مع محيطها وحاضنتها، فإن مشروع وحنكة حركة طلبة العلوم الشرعية، وثقلهم الشعبي ونزعتهم الاستقلالية، أفشلت جميع المحاولات، دون أن يتطور الأمر لقطيعة سياسية دائمة مع جميع الأنظمة، أو مواجهة واسعة النطاق، وبقت بعض العلاقات قائمة إلى الآن، كما مر معنا.

عاشرا: التفاعل المتواصل مع مختلف القضايا والحركات الإسلامية

في خضم المعارك المستمرة وانخراط طالبان في حربين متتالين مع أقوى قوتين في العالم طوال ثلاثة عقود خلت، مع ما صاحبهما وتخللهما من مسؤوليات سياسية وإدارية وخدمية جسيمة تجاه الشعب. لم تغب عن اهتمامات طالبان القضايا الإسلامية الأخرى وفي مقدمتها “القضية الفلسطينية” وتحرير الأقصى.

فعلى سبيل المثال، وبعد الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين مقابل الجندي شاليط، قالت طالبان في أكتوبر2011م: “إن هذه الصفقة تحمل رسالة لجميع الشعوب المسلمة المظلومة والمستضعفة بأن المقاومة ضد الاحتلال تعتبر فريضة دينية وأكثر الوسائل تأثيراً، بحيث يستطيع أي شعب مظلوم محتل أن يسترجع حقوقه المغصوبة” ثم دعت الله تعالى “أن يحرر جميع أرض فلسطين المحتلة وفي طليعتها مسجد الأقصى أولى القبلتين من براثن الاحتلال الصهيوني”[93].

وبعد انفجار الثورات العربية، استبشرت وهنأت الشعوب والحكومات الجديدة، قال الملا عمر: “نهنئ حكومات ما بعد الثورات بحياتها وأوضاعها الجديدة، وندعو لهم بالتقدم والمستقبل الزاهر، ومراعاة التعاليم الإسلامية في حياتها”[94]، وتفاعلت مع سير أحداثها وتموجاتها خلال ثماني سنوات، والمستمرة إلى الآن.

ولم يفتها التضامن مع مآسي المسلمين، من التركستان شرقاً إلى إفريقيا الوسطى غرباً ومروراً ببورما.

وفيما يتعلق بالجماعات الإسلامية، انفتحت طالبان على طيف واسع من الحركات على اختلاف توجهاتها الفكرية والسياسية والدعوية، بدءاً من الجماعة الإسلامية وغيرها بباكستان مروراً بالتنظيمات الجهادية بأفغانستان ووصولاً إلى حماس والإخوان المسلمين في مصر.

ففي باكستان، قال عبد السلام ضعيف سفير طالبان بباكستان: “جمعتنا علاقات جيدة مع جميع الأطراف الإسلامية والدينية، لاسيما تلك التي أنشئت باسم الجهاد، أو التي أيدته، كما عملنا مع جماعة علماء الإسلام التابعة لفضل الرحمن، وجماعة علماء الحق لمولانا سامي الحق، والجماعة الإسلامية للقاضي حسين احمد، وأحزاب سواها كحزب شاه أحمد نوراني”[95]، وهذه الجماعات متعددة المشارب والتوجهات، فالجماعة الإسلامية حركية قريبة من فكر الإخوان، وجماعتا علماء الإسلام وعلماء الحق جماعتان حنفيتان ديوبنديتان من المدرسة التقليدية العلمية، وجماعة شاه أحمد نوراني صوفية[96].

وفي أفغانستان، ورثت طالبان من مرحلة جهاد السوفييت وما تلاها ما يزيد على 14 مجموعة جهادية من بلدان مختلفة (إحداها القاعدة)[97]، وعلى الرغم من اختلافها الفكري والسياسي الكبير معها، وأنها ليست هي من استقدمتها لأفغانستان، فإنها استضافتها، ورفضت إرجاع أعضائها لحكوماتهم.

إن “وجود المتطوعين الإسلاميين فى أفغانستان من عرب وغير عرب بدأ فى ثمانينات القرن الماضي قبل ظهور حركة طالبان بأكثر من عقد من الزمان. وعندما وصلت الحركة إلى الحكم كان فى انتظارها ذلك الإرث المتفجر، فتعاملت طالبان مع من وجدتهم فى أفغانستان وقتها بما يتماشى مع القانون الإسلامي والعرف القبلي. من ناحية إسلامية كانت المجموعات الأجنبية هم من المتطوعين الذين قاتلوا ضد السوفييت والشيوعيين ضد الاحتلال السوفيتي والحكم الشيوعي، وهذا يرتب لهم حقوقا، على الأقل فى استضافتهم وعدم طردهم من البلاد. من ناحية العرف القبلي فهؤلاء الشباب الأجانب فى أفغانستان يعانون من المطاردة والظلم فى بلادهم، ومن انحياز دولي ضدهم وقد لجأوا إلى أفغانستان طلباً للأمن. وطبقا للأعراف الأفغانية فإن الضيف المستجير لا يطرد، بل تتاح له الإقامة الآمنة، والحماية، طالما هو موجود فى الوسط الأفغاني”[98].

وأنشأت علاقات لضبط العمل معها، سواءً في تنسيق قتالهم إلى جانب طالبان ضد المعارضة الأفغانية، أو في برامجهم الذاتية.

والبرامج الذاتية لهذه الجماعات، في ذلك الوقت، كانت مقتصرةٌ على الإعداد والتدريب[99]، باستثناء القاعدة، وقد مرَّ سابقا تنبيه طالبان المتكرر للقاعدة وغيرها بعدم القيام بهجمات خارجية، أو حتى إطلاق تهديدات إعلامية.

وبعد أحداث سبتمبر، واحتلال أفغانستان، وبدء الحركة في مقاومة الأمريكان، وتوجيه ضربات قوية لهم، بدأت تظهر في نهاية 2003م بعض التصريحات الرسمية لطالبان تنأى فيها بنفسها عن القاعدة “لا علاقة لنا بتنظيم القاعدة وليس عندنا مجاهدون عرب”[100]. ومنذ سنين، أعلنتها الحركة صراحةً ومراراً أنه لم يعد هناك أي وجود لمجاهدين غير أفغان تابعين لها، وأن الاحتلال الأمريكي والحكومة العميلة، هم من يسوق لهذا الأمر لمد فترة بقائهم، ولأهداف طويلة المدى تسعى لها أمريكا في المنطقة[101]، وكانت قبلها قد أكدت أنها لن تسمح لأحد بتنفيذ هجمات خارجية انطلاقاً من أفغانستان كما ذكرنا في الملمح الرابع “قُطرية المشروع”، والمولوي هيبة الله أخوند زادة الأمير الحالي لطالبان (وهو الثالث في تاريخ الحركة) لم يقر بيعة القاعدة له، منذ أعلنها الظواهري منتصف 2016م.

أما تنظيم الدولة داعش، فوجهة نظر طالبان، أن الأمريكان يقفون وراء هذه الظاهرة، “وثبت هذا الأمر في العراق، حيث أوقدوا نيران الحروب بين المذاهب”[102]، “يجب أن ينتبه ويدرك شعبنا المسلم والعالم أجمع بأن القوات الأمريكية الوحشية هي من تمول وتحمي بشكل مستمر مجرمي فتنة ما يسمى بداعش في أفغانستان وتقف خلفها؛ والتي تقوم بقتل عامة الناس، واغتيال العلماء الكرام ووجهاء وشيوخ القبائل، وتقوم بالهجمات والتفجيرات من دون أي مبرر في المساجد، والتجمعات والمجالس المدنية، وباقي الأهداف المدنية”[103]. التصريحان السابقان لذبيح الله مجاهد المتحدث باسم طالبان، ثم بين في موطنٍ آخر أنه: كلما حاصرت طالبان داعش، وشارفت على القضاء عليها في أفغانستان، تتدخل المروحيات الأمريكية والجيش الأفغاني العميل ويقومون “بإجلاء جميع قيادات داعش وأفرادها مع عوائلهم، ونقل كافة أسلحتهم وعتادهم بالمروحيات، وإنقاذهم من نيران وقبضة المجاهدين”[104].

وفيما يتعلق بالإخوان المسلمين، فلا تخفى الفوارق التاريخية والفقهية الجلية، وكذلك  الوسائل والأهداف التنظيمية بين الحركتين، وعلى الرغم من خيانة بعض الأحزاب والشخصيات الإخوانية الأفغانية الكبيرة، وتنسيقهم العسكري مع الأمريكان ضد طالبان أثناء الغزو الأمريكي لأفغانستان[105]، فإن هذه التجربة المريرة لم تدفعها لتعميم الصورة وتبني موقف موحد من الجميع لاشتراكهم في الفكر والتنظيم الأم.

تلزم طالبان نفسها، وتجهر بمشروعها، وترى أنه بمقدورها إقامة نظام إسلامي خالص عقب خروج المحتل، غير أنها مع فوز د. مرسي بانتخابات الرئاسة في ظل دستور علماني، استبشرت وهنأت الشعب المصري بـ “القيادة الإسلامية الجديدة”، واعتبرت ذلك تحولاً كبيراً، وأقوى ضربة للمشروع الأمريكي والصهيوني في المنطقة والعالم (ربما صدق هذا التوقع لو اتبع مرسي وإدارته وجماعته استراتيجية ثورية)، وطالبت “الشعب المسلم والرئيس الإسلامي” بالاستفادة من هذا “النصر التاريخي” في الدفاع عن الأمة الإسلامية[106].

ثم نددت بالانقلاب عليه وبجرائم الجيش والأمن، وطالبت برجوع “الرئيس الشرعي المنتخب” لسدة الحكم، ودعت الأمم المتحدة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والعلماء والدعاة، وجميع العالم، بعدم الاكتفاء بالتنديد بالجرائم والاعتقالات، بل باتخاذ خطوات جادة لمنعها[107].

ثم وصفت وفاته بـ “مصيبة لا تنجبر وثلمة لا تسد وخسارة لا تعوض لمصر والعالم الإسلامي أجمع.. وإن ثبات الدكتور مرسي وصموده سيظل أنموذج لأهل الحق، وسيفتخر به التاريخ الإسلامي والإنساني إلى الأبد”، ودعت أن يتغمده الله برحمته “وأن يتقبل جميع جهوده ومساعيه التي بذلها في سبيل إعلاء كلمة الله”، ونهايةً، أشارت إلى النصيحة التالية: “لقد أثبتت حكاية الدكتور مرسي وما تعرض له من ظلم وغدر وجفاء أن طريق الكفاح الصادق والوصول إلى الهدف محفوف بالصعاب، والمتاعب، ويحتاج إلى تضحيات وعزم راسخ”[108].

خاتمة

حاولت هذه المقالة رسم صورة موجزة عن ملامح المشروع السياسي لحركة طالبان، ذلك المشروع الذي كان أحد أهم أسباب: ثبات الحركة في الميدان العسكري في مواجهة تحالف دولي ضم ما يزيد عن أربعين دولة، وتثبيت واستثمار الإنجازات العسكرية وتحويلها لمكاسب سياسة صلبة، وهذا لأنه نظر إلى ما في يديه من إمكانات وأوراق قوة عسكرية وسياسية وشعبية، ثم نظر إلى حال الأمة الإسلامية وتموضعها ضمن خرائط القوى الإقليمية والعالمية، ثم وضع خطته الواقعية الممكنة بعد التوكل على الله ([109]).


الهامش

[1] انظر: Sabera Azizi, why the taliban is winning in pakistan?, The National Interest, dec 20, 2017.

[2] انظر: Tricia Bacon, Is the Taliban Making a Pledge It Cannot Keep?, Foreign Affairs, February 21, 2019.

[3] التحق بالجيش الأفغاني الموالي للسوفييت عام 1980م، ثم أصبح من رموز وقادة الجيش في قتال المجاهدين الذين كان يقودهم أحمد شاه مسعود، ثم تخلى عن الرئيس الشيوعي وسهل طريق دخول المجاهدين لكابول، ثم اختلف مع “حكومة المجاهدين”، واشتهر بدهائه وتحالفاته المتغيرة المتناقضة طوال مسيرته المستمرة إلى الآن، للمزيد: الجزيرة نت، عبد الرشيد دستم.

[4] للمزيد: الجزيرة نت، حكمتيار تاريخ من التحالفات.

[5] برهان الدين رباني: رئيس الجمعية الإسلامية (أحد أكبر الأحزاب المجاهدة ضد السوفييت)، وأستاذ الشريعة في جامعة كابول، ورئيس “دولة المجاهدين” بعد سقوط النظام الشيوعي، وأحد قادة التحالف الشمالي المناوئ لحكم طالبان، وقد نسق مع الأمريكان أثناء غزوهم لأفغانستان، للمزيد: الجزيرة نت، برهان الدين رباني.

أحمد شاه مسعود: القائد العسكري الألمع في الجهاد ضد السوفييت، والرجل القوي في الجمعية الإسلامية، وقائد التحالف الشمالي المناوئ لحكم طالبان، وقد قتل قبل غزو أمريكا لأفغانستان.

[6] للمزيد: أحمد موفق زيدان، الصديقان القديمان يربكان المحاور الإقليمية.. تحالف حكمتيار ومسعود، الحياة، 29 أبريل 1996 م.

قلب الدين حكمتيار: مؤسس الحزب الإسلامي بعد انشقاقه عن الجمعية الإسلامية، والحزب من أكبر الجماعات المجاهدة ضد السوفييت، عرف بقربه الشديد من باكستان وقتها، واشتهر بكثرة التحالفات والمواقف المتقلبة، مؤخراً وقع اتفاق سلام مع الحكومة الأفغانية، وأعلن ترشحه للرئاسة، للمزيد: الجزيرة نت، حكمتيار.. تاريخ من التحالفات، حكمتيار يترشح للرئاسة.

[7] انظر: المصدر السابق.

[8] يوسف العييري، الميزان لحركة طالبان ، نسخة إلكترونية، مقابلة مع المسؤول الإعلامي لمكتب الملا عمر، 2001م، ص67.

[9] أحمد شاه مسعود.. أثر الصراع العرقي في أفغانستان، الجزيرة نت، 23 نوفمبر 2000م.

[10] انظر: The new York Times, Guerrillas take Afghan capital as troops flee,  September 28, 1996.

[11] أبو مصعب السوري، أفغانستان والطالبان ومعركة الإسلام اليوم، كابول- أفغانستان، نسخة إلكترونية، 11 أكتوبر 1998، ص23.

[12] ذبيح الله مجاهد، حوار مع جريدة الشرق الأوسط، 12فبراير 2019م.

[13] انظر: يوسف العييري، الميزان لحركة طالبان، ص34.

انظر أيضاً: الشرق الأوسط،  طالبان تعلن وفاة مؤسس جماعة حقاني المتشددة، 5 سبتمبر 2018م.

[14] انظر: عبد السلام ضعيف، حياتي مع طالبان، ط1، (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2014م)، ص181.

[15] انظر: الجزيرة نت، حركة طالبان.

[16] بيان أمير المؤمنين هبة الله آخندزادة بمناسبة عيد الفطر، مجلة الصمود، 1440هـ / 1يونيو 2019م.

[17] انظر: ابراهيم غرايبة، المشهد السياسي المقبل في أفغانستان، الجزيرة نت، 2001

[18] انظر: صلاح الدهني، من هم أبرز 10 قادة في حركة طالبان الأفغانية، عربي 21، 30 مايو 2016م.

[19] فهمي هويدي، جند الله في المعركة الغلط، ط2، (القاهرة: دار الشروق، 2001م)، ص57.

[20] المصدر السابق، ص 51.

[21] أبو مصعب السوري، أفغانستان والطالبان ومعركة الإسلام اليوم، مصدر سابق، ص24.

[22] انظر: المشهد السياسي المقبل في أفغانستان، مصدر سابق.

للمزيد: الجزيرة نت، من هم البشتون، 16 مايو 2011م.

[23] انظر: محمد نجيب الله، موقع المعرفة.

[24] أحمد موفق زيدان، لماذا وصلت طالبان إلى هنا 1، العرب القطرية، 10 فبراير 2019م.

[25] انظر: متن موقف إمارة أفغانستان الإسلامية في المؤتمر البحثي بفرنسا، النقطة العاشرة، مجلة الصمود، 25 ديسمبر 2012م.

[26] انظر: الملا محمد عمر، بيان بخصوص عيد الفطر المبارك 1433هـ/ أغسطس 2012م، النقطة 21.

[27] انظر: أبو حفص الموريتاني، لقاء اليوم هجمات سبتمبر / ج 1، سؤال: أليس هذا نتيجة منطقية للفكر الذي اعتنقتموه؟.

4انظر: حوار جريدة الشرق الأوسط مع ذبيح الله مجاهد المتحدث باسم الامارة الإسلامية، السؤال الرابع: هل هناك نقاط شائكة بين الطرفين..؟، صوت الجهاد (الموقع الرسمي لطالبان)، 12 فبراير 2019م.

[29] الملا محمد عمر، بيان بمناسبة عيد الأضحى المبارك، مجلة الصمود، 24 أكتوبر 2012م.

[30] لا صحة لتقرير محللي الأمم المتحدة حول وجود مجاهدين غير أفغان في أفغانستان، مجلة الصمود، 13 نوفمبر 2016م.

[31] انظر: المصدر السابق.

[32] الملا محمد عمر، بيان بمناسبة عيد الفطر المبارك 2012م، مصدر سابق، النقاط 11 و13و 20.

[33] انظر: مصطفى حامد، أسئلة من كابول، موقع مافا السياسي، السؤال الثالث، 12 يناير 2019م.

[34] متن موقف الإمارة الإسلامية المعلن في المؤتمر البحثي بفرنسا، مجلة الصمود، 25 ديسمبر 2012م.

[35] انظر: أفغانستان والطالبان ومعركة الإسلام اليوم، مصدر سابق، ص 136-137.

[36] حوار إذاعة pars today مع الشيخ ذبيح الله مجاهد، مجلة الصمود، 12 يوليو 2017م.

[37] انظر: الجزيرة، جماعات شيعية أفغانية تنضم لطالبان، 3 أكتوبر 2016م.

[38] عبد السلام ضعيف، حياتي مع طالبان، مصدر سابق، ص 225.

[39] أحمد زيدان، لماذا وصلت طالبان إلى هنا 1، مصدر سابق.

[40] أحمد زيدان، لماذا نجحت طالبان وأخفقت القاعدة 2، مدونات الجزيرة، 12 يناير 2018م.

[41] انظر: عبد السلام ضعيف، حياتي مع طالبان، ص225.

[42] انظر: أحمد زيدان، لماذا وصلت طالبان إلى هنا 3-5..

[43] أحمد زيدان، لماذا وصلت طالبان إلى هنا 5-5.

[44] لماذا وصلت طالبان إلى هنا 3-5.

[45] أحمد زيدان، لماذا وصلت طالبان إلى هنا 5-5.

[46] انظر: أحمد زيدان، لماذا وصلت طالبان إلى هنا 2-5.

[47] انظر: أبو مصعب السوري، أفغانستان والطالبان ومعركة الإسلام اليوم، ص136-137-138.

[48] المصدر السابق، ص137.

[49] انظر: المصدر السابق، ص137-138.

[50] الجزيرة نت، إيران وطالبان. كيف جمعت أمريكا بين العدوين، 12 يناير 2019م.

[51] انظر: المصدر السابق.

[52] انظر: السياسة الخارجية للإمارة تمثل المصالح العليا للبلد، 17 يونيو 2013م.

[53] الجزيرة نت، إيران وطالبان. كيف جمعت أمريكا بين العدوين.

[54] انظر: حوار الشرق الأوسط مع المتحدث باسم الإمارة ذبيح الله مجاهد.

[55] أبو مصعب السوري، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، نسخة إلكترونية، ص727.

[56] المصدر السابق.

[57] يوسف العييري، الميزان لحركة طالبان، ص16.

[58] عبد السلام ضعيف، حياتي مع طالبان، ص244.

[59] انظر: Shivshankar Menon, As China’s Pakistan ties deepen, India needs a strategy to mitigate the fallout, Brookings, July 12 2016.

[60] انظر: وفد من طالبان يزور الصين لمناقشة الوضع في أفغانستان، عربي BBC، 30 يوليو 2016م.

[61] انظر: عربي 21، الصين تعترف بطالبان “قوة سياسة” في أفغانستان، 23 يناير 2019م.

[62] الملا محمد عمر، بيان أمير المؤمنين بمناسبة عيد الأضحى، مجلة الصمود، العدد 42، ص3، 1430هـ / 2009م،

[63] ذبيح الله مجاهد، حوار مع الشرق الأوسط، 23 يونيو 2016م.

[64] يوسف العييري، الميزان لحركة طالبان، مصدر سابق، حوار مع المولوي أحمد جان المسؤول الإعلامي لمكتب أمير المؤمنين الملا عمر، ص68.

[65] انظر: الجزيرة نت، الجبهة المتحدة الإسلامية القومية لتحرير أفغانستان،

[66] انظر: Fiona Hill, Putin & bush in common cause?, Brookings, June 1 2002.

[67] انظر: BBC, the smell of paradise, Documentary, from 28th to 30th minute.

[68] انظر: the Kremlin’s comeback,  Washington post, Oct 12 2018   Missy Ryan& Amie Ferris- Rotman,

[69] انظر: المصدر السابق

أيضاً: الجزيرة، اتهامات أمريكية لروسيا بتسليح طالبان، 2017م.

[70] متن موقف إمارة أفغانستان الإسلامية المعلن في المؤتمر البحثي المنعقد في فرنسا، مجلة الصمود، 25 ديسمبر 2012م.

[71] بيان الإمارة الإسلامية حول الذكرى الحادية عشر ل11 سبتمبر، مجلة الصمود، 10 سبتمبر 2012م.

[72] متن البيان الذي تلي من قبل وفد المكتب السياسي لإمارة أفغانستان الإسلامية في مؤتمر باجواش البحثي، مجلة الصمود، 4 مايو 2015م.

[73] بيان أمير المؤمنين الملا محمد عمر بمناسبة عيد الأضحى، مجلة الصمود، 1433هـ – 7 نوفمبر 2012م.

[74] خلاصة خطاب المولوي اميرخان متقي (مسؤول مكتب قيادة الإمارة الإسلامية) في مؤتمر قطر، 24 أبريل 2019م.

[75] عبد السلام ضعيف، حياتي مع طالبان، مصدر سابق، ص247.

[76] الشرق الأوسط، طالبان تبدأ حملة ل “احتلال” مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة، 27 سبتمبر 2000م.

[77] المصدر السابق.

[78] أبو مصعب السوري، أفغانستان والطالبان ومعركة الإسلام الأول، ص112.

[79] الملا عمر، بيان بمناسبة عيد الفطر المبارك 1433هـ/ 2012م، مصدر سابق.

[80] يوسف العييري، الميزان لحركة طالبان، لقاء مع الملا محمد حسن النائب الإداري لأمير المؤمنين الملا عمر، ص.94

[81] القائمة السوداء أكبر عائق أمام الحل السلمي، مجلة الصمود، 21 فبراير 2019م.

[82] يوسف العييري، الميزان لحركة طالبان، تصريح للملا محمد عمر، ص 50.

[83] انظر:  BBC عربي، كيف أصبحت قطر المكان المفضل للتفاوض مع طالبان، 23 يونيو 2013م.

[84] انظر: Samuel Ramani, Taliban Office politics: UAE vs. Qatar, the Diplomat, August 17 2017.

[85] انظر: الجزيرة نت، ارحلوا أولاً، طالبان تكشف فحوى اجتماعها بالأمريكيين في الإمارات، 20 ديسمبر 2018م.

[86] انظر: BBC عربي، كيف أصبحت قطر المكان المفضل للتفاوض مع طالبان، مصدر سابق.

[87] انظر: France 24، طالبان تفرج عن جندي أمريكي مقابل إطلاق خمسة من قادتها من غوانتانامو، 1 يونيو 2014م.

[88] انظر: أبو مصعب السوري، أفغانستان والطالبان ومعركة الإسلام اليوم، ص136-137-138، مصدر سابق.

[89] انظر: الحياة، السعودية تقطع علاقاتها مع حكومة طالبان، 26 سبتمبر 2001م.

[90] انظر:  Carlotta Gal, Saudis Bankroll Taliban, Even as King Officially Supports Afghan Government, The New York Times, Dec 6 2016.

[91] انظر: Samuel Ramani, Saudi Arabia new Taliban strategy, the diplomat, May 10 2018.

[92] انظر: الخليج أونلاين، لهذه الأسباب اضطرت أمريكا للتفاوض الجاد مع طالبان، 28 يناير 2019م.

[93] بيان الإمارة الإسلامية حول الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح الجندي الصهيوني جلعاد شاليط، 18 أكتوبر 2011م.

[94] الملا محمد عمر، بيان بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك، مصدر سابق، 1433هـ – 2012م.

[95] عبد السلام ضعيف، حياتي مع طالبان، مصدر سابق، ص221-222.

[96] أحمد موفق زيدان، هل نجحت واشنطن أخيراً في فك الارتباط “التاريخي” بين الجماعات الإسلامية والمؤسسة العسكرية الباكستانية ؟، الحياة، 17 يوليو 2003م.

[97] انظر: أبو مصعب السوري، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، نسخة إلكترونية، من ص 727 إلى 729.

[98] مصطفى حامد (أبو الوليد المصري)، أسئلة من كابول، موقع مافا السياسي، السؤال الثالث، 12 يناير 2019م.

[99] المصدر السابق.

[100] حامد آغا ل”الحياة”: لا علاقة لنا ب”القاعدة” ولا عرب في صفوفنا، الحياة، 5 نوفمبر 2003م.

[101] لا صحة لتقرير محللي الأمم المتحدة حول وجود مجاهدين غير أفغان في أفغانستان، 13 نوفمبر 2016م.

[102] بلبلة داعش في أفغانستان والأهداف الخفية وراءها. حوار إذاعة pars today مع الشيخ ذبيح الله مجاهد، مجلة الصمود، 12 يوليو 2017م.

[103] ذبيح الله مجاهد، المروحيات الأمريكية تنقذ وتجلي مرة أخرى قادة داعش المحاصرين في ولاية كونر، مجلة الصمود، 21 يونيو 2019م.

[104] المصدر السابق.

[105] انظر: وأشهرهم برهان الدين رباني وعبد رب الرسول سياف، الذين ساهموا في تشكيل وقيادة ما عرف بتحالف الشمال المناوئ لطالبان، والذي تعاون مع الأمريكان في إسقاط  نظام طالبان، للمزيد: قوات تحالف الشمال تستولي على أغلب ولايات الشمال، الجزيرة نت، 11 نوفمبر 2001م، قوات تحالف الشمال تدخل العاصمة كابل، 13 نوفمبر 2001م.

[106] انظر: بيان الإمارة الإسلامية حول فوز مرشح الاخوان محمد مرسي، 26 يونيو 2012.

[107] انظر: بيان الإمارة الإسلامية حول المجازر المستمرة بمصر، مجلة الصمود، 15 أغسطس 2013م.

[108] بيان الإمارة الإسلامية تجاه وفاة الرئيس المصري السابق الدكتور محمد مرسي، مجلة الصمود، 18 يونيو 2019م.

 لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

(المصدر: المعهد المصري للدراسات)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى